الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الرابعة

الشيخ إياد الركابي

2020 / 4 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


جدلية الحرب والسلام :

من جملة التصورات التي يفرضها الواقع هي تلك التي تقول : - ان عالم اليوم يسير نحو الهاوية و الفوضى والانهيار - ، نتيجة لطبيعة العلاقات الدولية السائدة التي يحكمها القلق و التوتر والشك والريبة ( التآمر ) ، تؤكد على ذلك تقديرات خبراء الأمم المتحدة والمراكز البحثية المتخصصة ، إضافة لما تشعر به شعوب العالم المختلفة تجاه مستقبل العلاقات الدولية ، والتي تميل فيها كفة الصراع والفوضى وتزداد رسوخا وتجذرا ، وان فرص السلام والاستقرار فيها تتضاءل كثيرا ، ، وقد وصفت هذه التقديرات من قبل معهد الاستشراق الدولي : - بأنها واقعية وموضوعية إلى حد كبير - ، وتُرسخ القناعة والتجربة المريرة التي مرة بها دول وشعوب العالم المختلفة ذلك . ان تراجع فرص السلام في العالم دليلا على طبيعة الخلل في العلاقات و في ميزان القوى ، الذي جعل من التقديرات الأممية هذه غير مبالغ فيها وانها صحيحة وبنسب متقدمة ، حتى وان اعتبرت تلك التقديرات مجرد تكهنات وتوقعات ، فعالمنا اليوم تراجعت فيه سبل السلام والأمن ، مما يعزز ذلك التصور الذي قاله ستيوارت ميل ذات مرة عن ( طبيعة النظام الدولي وكيفية بنائه ) ، ولا يغرب عن البال ان ذلك الواقع هو ما يحكم علاقات الدول الكبرى بعضها تجاه البعض الاخر ، مضافاً إلى هذا ما تقوم به قوى الظل وأصحاب رؤوس الأموال بالسر والعلن لفرض حالة من الانقسام الدولي والفوضى ، ان ما ذهب إليه ستيوارت ميل يحاكي تلك النظرة الاغريقية التي قال بها المعلم الكبير ادم سميث في وصفه للواقع ، فالحرب عنده تعني أو تشير إلى : - ذلك الشيء السيء الذي يؤدي الى فقدان الثقة وينهي مقولة ( حسن النوايا ) واحترام الغير - .

هذه الرؤية الواقعية لطبيعة الأشياء جعلت من الفوضى والانهيار هي الممكن الذي يتحكم بمستقبل العلاقات الدولية ، وهي ذاتها النظرة التي ذهب إليها مفكري - الليبرالية الديمقراطية – في تحليلهم لمعنى الاستثناء المنقطع والاستثناء الدائم في العلاقات الدولية ، والتي تنتفي بظلها خيارات السلام ولم يعد هو الحقيقة الثابتة الوحيدة ، يعيدنا هذا التصور الذهني للحرية ومكانها ومعناها ومعنى الاستقلال وطبيعتهما الفكرية والفلسفية ، فالحرية تعني - هوية الشعب - يقول هيوم ، وتعني قدرته في التعبير عن خياراته دون رقيب قال لوك ، واما الاستقلال فهو امتلاك للإرادة في ظل الحرية والعدالة يقول ابراهام لين كلون ، وقيم الحرية والاستقلال يكونان أكثر وضوحاً في حالتي انعدام الأدلة والمعلومات في الواقع ، والحرية هي العنصر الفاعل في صياغة وترتيب نظرية التطور الاجتماعي ، وهي الشيء الوحيد المقبول والذي يُسهم في تطور العلاقات وعلى كافة الصعد .

ولا يبدو ان هناك فرقا بين الحرية و بين الإيمان بالتطور ، لأنهما في الواقع وجهان لعملة واحدة ، وحاجة الانسان للحرية هي حاجته للتطور وسعيه لحياة مستقرة متوازنة ، ويمكن تعميم هذه الرؤية ضمن سياق موضوعنا عن الامن والاقتصاد ، أو هي واحدة من الحلول التي يمكن الاعتماد عليها فيما مجال المقاربة بين مفهومي الامن والاقتصاد .

التعددية :

سنطرح الموضوع بصيغة الاستفهام الانكاري : هل يمكن للتعددية استيعاب السعة في العلاقات الدولية واختلافها ؟ وهل لها من القدرة في جعل المؤسسات هي صاحبة الدور القيادي في التنفيذ والتشريع ؟ ، ونقول : ( التعددية هي ذلك التنوع في وجهات النظر ) تقول الموسوعة العلمية ذلك ، وهذا المعنى التداولي لا يؤدي الدور المنوط به من غير الايمان الراسخ بقيم ( الديمقراطية ) وثقافتها ، فالطابع المؤسساتي بنيوي في اصله ويقوم على التعددية والمشاركة المتنوعة ، وعلى السماح للمخالفين في قول ما يريدون من وجهات نظر وملاحظات ضمن القانون ، والتعددية المؤسساتية كذلك تلعب دورا مهماً في تحقيق الأمن و التعاون والاستقرار .

وفي بحثنا هذا سيكون الاعتماد عليها منطلقاً باعتبارها قاعدة بوسعها ان تضخ لنا الكثير من المعلومات النافعة ، وباستطاعتها كذلك التقليل من حجم الخسائر الممكنة والمتصورة ، وهي اجرائيا توثق صحة الاتفاقيات وتسهل دور وعمل المؤسسات نفسها ، وضبط ايقاعها داخليا وخارجيا ورصد مخالفات الغير .

والتعددية المؤسساتيه الحرة دائما تصنع الانتظام وتحث على القيام بالواجب ، ويمكن اعتبارها - الحماية الرصينة - للمجتمع والدولة وليس هذا وحسب ، بل وكذلك تجعل من عمل الدولة متسقاً مع قيمها الوطنية الضامنة لوحدتها ، وفي المقابل فأننا نرفض ( التعددية السلبية ) التي تقوم على أساس النظرة الضيقة - الدينية أو العرقية - أو غيرهما ، تلك النظرة التي تعيش - أوهام الديمقراطية - لا حقيقتها ولا ثقافتها ، ولهذا تميل وتتبنى المفاهيم المغمسة بالحقد والكراهية واللؤم و العنصرية .

أن الحرب العالمية الثانية أحدثت دمارا شاملاً مس هياكل وبناءات السياسة الدولية في الصميم ، وعملت فيها الاخاديد لكن ذلك لم يحول دون تبني - التعددية المؤسساتية - ، الذي ساهم في نهاية المطاف في انتاج هيئة الأمم ومؤسساتها ومجالسها المتفرعة عنها ، كما انتجت أنماطاً و نظماً في ممارسة الديمقراطية بالشكل الصحيح ، وفي المقابل فشلت دولاً فشلا ذريعا حينما احتكرت فيها السلطة بيد فئة معينة او حزب معين .

أن - التعددية المؤسساتية - استطاعت وعلى طريقتها أن تؤثر في نشر السلام والأمن بالحدود الممكنة ، و استطاعت أن توسع دائرة العمل بحرية ، إلى درجة وفرت نوعا من الممارسات الإيجابية على صعيد القرار الدولي ، وسوف لن ننسى تلك النجاحات التي ساهمت فيها التعددية المؤسساتية على نحو تسهيل التعاون الدولي و تبادل المنفعة ، وتلك وحدها قيمة ذات دلالة في جعل الدول اكثر قدرة في الاستمرار والدوام ومن دون الحاجة الى فرض النفوذ بالقوة العسكرية .

والتعددية المؤسساتية تجعل من مقولتنا حول متلازمة - الامن والاقتصاد - الجهة الفاعلة والوحيدة التي تُحث الدول على الحرية و الاستقلال وعدم التبعية ، ( وهي وحدها التي تجعل من الدول كيانات موحدة ذات أهداف محددة ، وليس مجرد تركيبات من جهات محلية مختلفة ذات مصالح متنافسة ) .

والتعددية المؤسساتية توفر للدول ما يلزم من القرارات بحسب الحاجات والمصالح الأولية ، وهذا لا يعني أبداً أنها تبحث عن منافعها على نحو فئوي ضيق ، بل هي تستجيب لمتطلبات الواقع بحسب طبيعة ظرفي الزمان والمكان ، ولهذا يكون تأثيرها في السلوك تأثيرا إيجابيا دائما ، وعلى هذا فبوسعها كذلك الحد من المخاوف الناتجة عن الغش والتحايل والفوضى .

مفهوم التعاون الأمني :

ينطلق هذا المفهوم من فكرة تقول أن التعاون في ظل الأمن : - هو الجهد الجمعي المبذول من أجل صيانة الدولة والمجتمع من الأخطار المحتملة والمفترضة - ، وأساس تلك الحماية عامل ( البحث والرصد والتحري وجمع المعلومات ) ، وهذا الجهد المبذول يسهل مهمات الملاحقة والتعقب ضمن آليات محددة ضمن القانون والنظام ، وهناك رأي أخر يقول : التعاون من أجل الأمن لا يكون مفيداً من دون الاطار المؤسساتي ، الذي يمكنه فتح مجال التعريف بالهوية وضبط الإيقاع والتمييز والمقاربة فيما يتم الحصول عليه من معلومات ، وذهب رأي ثالث للقول : بأن التعاون الأمني هو تشكيل تحالف من فاعلين محليين ودوليين ، ولفظة فاعلين صيغة جمع مركب يمكن ان تصح على المجاميع حكومات ومنظمات ومؤسسات وأحزاب ورجال دين وتجار وتصح كذلك على الافراد النشطين ، أعني إن صيغة فاعلين صيغة مفاعلة تساوي في الدرجة القول والعمل بالاعتماد على نظرية التبادل المثمر من الجهات ذات التأثير والنفوذ ، وذلك لا يكون مؤديا للغرض من دون احترام لإرادة الشعب ورغباته ، ومع ان جوهر الفكرة هذا قديم إلاَّ ان أداة إنتاجها من جديد يوحي بالفائدة المرجوة منها في مجال التعاون الأمني ، مادام الغاية القصوى هو السلام وبناء مجتمع العدل والحرية ، والذي يشكله التعاون الأمني في ظل التعددية وهو ذاته الذي يكون مصدراً رئيسياً للسلام.

بداية العصر الجديد

في كتابه تطرق فرنسيس فوكو ياما إلى معنى - نهاية التاريخ - بلحاظ نهاية الإيديولوجيا ، وهذه الملاحظة ان اخذناها في سياقها الموضوعي والتاريخي سنجد لها ما يبررها ، فالعالم اليوم يمر بمرحلة تتحدث عن نفسها وعن عزم المريدين لبداية عصر جديد ، ومن هنا كان انطلاقنا ونحن نبحث عن متلازمة - الأمن والاقتصاد - يسير في هذا الاتجاه ، ووجدنا من حيث شئنا ان الطريقة القديمة في صناعة الأمن والاقتصاد قد انتهى أوانها ، وان هناك تركيبا علميا يُصاغ لصب مفهوم الأمن الجديد فيه ، كذلك يكون الاقتصاد وهنا نشير إلى نهاية العمل بالوسائل التقليدية للاقتصاد القديمة ، فلم تعد أسواق الطاقة والبترول هي من تتحكم بسير الرساميل والثروة ، يقول مفكري ما بعد الصدمة - صدمة وباء كورونا - ان العالم يحتاج لوسائل عمل اقتصادية اقل كلفة واكثر تأثيرا ، ولهذا مالوا الى استدراج وتوطين قدرة التكنولوجيا وعالمها المذهل في صناعة مستقبل العالم الجديد ، وهناك توجه حاسم لدى المشرعين الغربيين في رصد حركة السوق والمجتمع ، وتحريرهما من الفوضى التي عمت بُعيد انتهاء الحرب الباردة ، ويقولون : - أن تلك الحقبة كانت بمثابة الفترة الانتقالية الدولية للعالم الجديد - ، ثم كان الوباء العالمي إيذاناً ببداية العمل بمفهوم الرصد والتحقيق وجمع المعلومات ، ومن ثم الانتظار لجعل ما يمكن عمله مقبولا على المستوى العام .

لقد كان مُقرراً هذا الرُهاب الذي يجتاح البشرية بفعل سطوة الفيروس اللعين ، ولم تعد وسائل الأمن العتيقة قادرة على السيطرة على ذلك ، ولم يعد الأمن القديم هو تلك السلعة التداولية او التعليمية التي يُراهن عليها ، في ظل طروحات علمية دخلت حيز التنفيذ في هذا المجال ، والمفيد للعلم ان ذلك حدث من غير ضوضاء إعلامية ، ساهم في هذا انشغال العالم بالحديث الإعلامي المزمن عن وباء كورونا وما يسببه للعالم وما ينتج عنه ، ومتى يتم التخلص منه وكيف ؟ ، وهناك في الزاوية الخفية يجري رسم وتحديد ملامح خرائط النظام الدولي الجديد ، بعيدا عن الأنظار وتحت السرية التامة والمطلوبة ، وكما قلنا مع المُهل والاشغال الإعلامي وانتظار الفرج باللقاح المنتظر .

وهنا سنشير من غير مواربة لجهة أخرى من الفاعلين وهي الولايات المتحدة الامريكية ، التي سيكون لها السهم الأكبر في هذا التغيير الدولي المحتمل ، ومن باب الحياد والموضوعية نقول : أن الانتخابات الامريكية سوف لن يكون للديمقراطيين فيها نصيب ، وان المرشح الديمقراطي جو با يدن ليس له حظوظ في الوصول للبيت الأبيض ، ذلك ان الرجل يعتبر من مخلفات العهد القديم ، وليس من اللائق أعادة انتاج مرحلة قد حُكم عليها بالزوال والنهاية ، والظن القوي عندي : ان ترامب سيبقى الحاكم وهو المؤهل ليرافق مراحل زوال النظام القديم ، ذلك أن الرجل يؤدي دورا مزدوجا يساهم عن عمد أو بدونه في أسباب زوال العهد القديم ، ومنها على سبيل المثال ما يؤديه من أفعال واقوال بين فترة وأخرى تساعد في تشويه وتعميم المقولات التي يُحكى عنها ، وكذلك الحال بالنسبة الى الاتحاد الأوربي الذي يحتضر وسيتفكك لا محالة ، والدول النفطية ستلاقي مصيرا سيئا ان لم تتدارك نفسها في الاعتماد على موارد الطاقة البديلة قبل فوات الأوان .

ونذكر بان الحصر والرصد والتعقب قد ينفع في ترحيل العدد الكبير من العمالة التي تشكل عبئا اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا هائلا للدول النفطية ، ومازلنا في الحديث عن نهاية عصر وبداية عهد ، فانه من الطبيعي ان تتراجع حظوظ مشروع الإسلام السياسي ، بل وستزول من الذاكرة والخاطرة .

وبالختام فان عالما من القوة ونظاماً من الاستبداد سيسود ، ليس فيه محلا للضعفاء والفقراء ، إنه باختصار عالم مختلف غير الذي عشناه وألفناه ستكون للتكنولوجيا الذكية فيه اليد الطولى ، ومن هم في الهامش سيبقون كذلك حتى حين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا