الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفكير النقدي , ماهيته , أركانه , متطلباته

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2020 / 4 / 18
الادب والفن


ما ذا نعني بالتفكير النقدي ؟ هل يمثل مغايرة مع أنواع التفكير الأخرى ؛ التفكير العلمي أو التفكير الفلسفي أو التفكير الديني مثلا ؟ لا بد إذا كي نفهم دلالة هذا المركب اللفظي من أن نفكك أجزاءه كي نقف على مركب اللفظتين اللتين كوَّنتا دلالته الجديدة .
فالتفكير يحمل معنيين ؛ الأول الناتج البايولوجي للدماغ , والآخر هو المتحصل الثقافي للفكر , ومن المؤكد أننا نقصد المعنى الثاني لا الأول .
أما النقد فهو تلك العملية التي تتأسس على ثلاثة أسئلة تثار في ذهن الناقد وهو إزاء نص أدبي ما , وهذه الأسئلة هي : ماذا وكيف وهل , فسؤال الـ (ماذا) يسأل عن المضمون أي مضمون العمل الأدبي , وجوابه يكون بالوصف , أما سؤال الـ (كيف) فيسأل عن الطريقة التي اتبعها الأديب في كتابة نصه , وجوابه يكون بالتحليل , ويبقى سؤالـ (هل ) ليسأل عن النجاح أو الاخفاق في العمل الأدبي وجوابه سيكون بالتقويم .
أما المتحصل من جمع مفردة التفكير مع مفردة النقد فمن المؤكد أنه سيكون النقد ذاته لكن بصورته العلمية الموضوعية الدقيقة , وعليه فإن المقصود بالتفكير النقدي هو النقد الأدبي المُبتنى على الاشتراطات التي تؤهل النص النقدي للبقاء والقبول والثقة والاطمئنان .
من هنا يمكن القول أن مراحل النقد هي : الوصف ومن ثم التحليل ومن ثم التقويم , وهذه المراحل تتطلب : جهدا ووقتا ووعيا وثقافة وذوقا رفيعا , فالنقد قبل كل شيء مسؤولية كبيرة قد يؤدي الإخفاق فيها إلى جعل صاحبها في موضع الريبة والتهمة والشك والظنة وربما في موضع الخطر , وبالتالي فالنقد ليس هواية ولا لهوا لأن الناقد يتعامل مع الآخرين , وليس النقد أيضا ثرثرة وكلاما غير مقصود بعناية , بل يمكن القول أن النقد يسعى دائما أن يلامس التفكير العلمي ليفيد منه الدقة والصرامة ومقاييس التمييز والموازنة والمقارنة والتتبع المتأني , ومن سعادة النقد أن يوصف بأنه علم كأي علم آخر بخصوصياته المعروفة .
فالنقد يمارس دورا أصيلا ولا يمكن أن يكون هناك بديلا عنه لممارسة ذلك الدور , فمن أهم ما يقوم النقد تقريب الآداب العالمية للناس وتوضحيها لهم وشرحها وتلخيصها والموازنة بين موضوعاتها وفنونها وأنواعها والمقارنة بين أصولها وثقافاتها وحواضنها الثقافية والفكرية , فمن غير النقد أن يضطلع بهذه المهمة ؟ ومن غير النقد من يميز بين الصحيح والسقيم والمسروق والمنحول والأصيل والمكرر في الأعمال الأدبية ؟ ومن جانب آخر فإن النقد يقدم الشخصيات الأدبية للقراء بما لهم وبما عليهم فلطالما أحببنا كُتّابا ونحن لم نقرأ لهم شيئا مما دفعنا ذلك إلى البحث عن أعمالهم , والنقد بهذا يعد عاملا مهما في بناء شخصيات القراء والنقاد والأدباء معا , فهو يبني شخصية القارئ ويوجهها نحو قراءة ما يستحق القراءة , وينشئ جيلا نقديا واعيا قدرا على التمييز والحكم الصحيح , ويعد أدباء مثقفين متسلحين بمعرفة أدبية واسعة تساعدهم على معرفة الأرضية التي يقفون عليها .
أركان التفكير النقدي
لا بد أن يُبتنى التفكير النقدي قبل كل شيء على رؤية فلسفية واضحة , فالناقد فيلسوف بأحد المعاني ؛ يحاول استكناه طبيعة النص بإثارة الأسئلة والشكوك حوله ثم محاولة الإجابة عليها تماما مثلما يفعل الفيلسوف حينما يسائل الوجود .
أما الركن الثاني من أركان التفكير النقدي فيتمثل بالثقافة الموسوعية , فلا نقد دون ثقافة موسوعية تؤهل الناقد أن يلمّ بالنص وما حوله ويفهم ظروفه الداخلية والخارجية , وعلاقاته مع غيره , ثم أننا لا نتصور نقدا دون معرفة تامة بقواعد اللغة الصرفية والنحوية والبلاغية والاملائية ؛ فهذه أدوات الناقد الأساسية , فضلا على معرفة جيدة بالعلوم المجاورة الأخرى كالفلسفة وعلوم النفس والاجتماع والتاريخ والجغرافية وعلوم الطبيعة , وقد استشعر العرب قديما هذه المسألة وعدوها مدخلا للشعور بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الناقد , لذلك قال عمرو بن العلاء أن علماء الشعر أعز من الكبريت الأحمر كناية على أن المتصدين للنقد وفق الاشتراطات السابقة لم يرشح منهم الا القليل , وهذا واضح في عدد النقاد العرب المعتبرين الذين يمكن أن يعتد بهم , فمن الأصمعي حتى ابن خلدون , أي لمدة ستة قرون لم يفرز الأدب العربي سوى أثنين وعشرين ناقدا .
فالمتأمل في متن النقدية العربية القديمة يجد أنها قامت على جهود إثنين وعشرين ناقدا ـ كما مرّ ـ سبقتهم أشتات جهود نقدية , فقد بدأ هذا النقد ببشر بن المعتمر ت210 وصحيفته المشهورة التي أكد فيها على معايير التجربة الفنية ثم تلاه الأصمعي ت 216 وكتابه فحولة الشعراء الذي يعد أول محاولة تصنيفية نقدية من خلال تأكيده على نظرية الفحولة التي أفاد منها ابن سلام ت232 في كتابه طبقات فحول الشعراء في نظرية الطبقات التي تعد أول محاولة نقدية عربية منهجية حقيقية ثم يأتي الجاحظ ت255 صاحب الشذرات النقدية في كتابيه : البيان والتبيين والحيوان وتأكيده على التمييز بين اللفظ و المعنى , وهنا لا بد من الإشادة بدور ابراهيم بن المدبر ت270 ورسالته العذراء التي أكد فيها على مسألة اعداد الكاتب , وهنا يأتي دور الناقد ابن قتيبة ت276 وكتابه الأهم الشعر والشعراء وتأكيده على قضية الصراع بين القديم والحديث , ثم يأتي بعد ذلك المبرد ت 285 وكتابه الكامل في اللغة والأدب الذي أرسى قواعد النقد البلاغي , إذ جاء بعده ثعلب ت291 وكتابه قواعد الشعر حيث اهتم بتصنيف الشعر علميا وبلاغيا وأبو هلال العسكري ث 295 وكتابه الصناعتين ذو النزعة البلاغية التعليمية وابن المعتز ت296 في كتابه البديع وإرساء نظرية البديع وابن طباطبا ت322 في كتابه عيار الشعر الذي يعد الأول في التأكيد على تفاصيل عملية الابداع الشعري حتى جاء القاضي الجرحاني ت 366 أو391 في كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه حينما أكد على قضية السرقات تبعه الآمدي ت370 في كتابه الموازنة بين الطائيين وتأسيسه لمنهج الموازنة , وهنا ظهر قدامة بن جعفر ت377 وكتابه نقد الشعر الذي بان فيه الأثر اليوناني واضحا وتعود النزعة التعليمية من جديد مع المرزباني ت 384 في كتابه الممتع الموشح الذي مارس فيه نقدا بلاغيا ولغويا مثقفا ومن ثم يظهر التوحيدي ت 414 في كتابيه : المقابسات والامتاع والمؤانسة حيث التأكيد على مراتب النظم و النثر, وهنا نصل إلى عتبة مهمة من عتبات النقد العربي مع المرزوقي ت 421في مقدمة شرح الحماسة حيث يضع نظرية عمود الشعر , بعد ذلك يأتي القيرواني ت 456 في كتابه العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده وتأكيده على النظرة المتكاملة للشعر التي تتضح خيوطها تماما عند عبد القاهر الجرجاني ت471 في كتابيه دلائل الاعجاز وأسرار البلاغة وتأسيسه نظرية النظم , ثم تعود النزعة التعليمية من جديد مع ابن الاثير ت 637 في كتابه المثل السائر , بعد ذلك وفي بلاد المغرب هذه المرة يظهر حازم القرطاجني ت 684 في كتابه منهاج البلغاء حيث يمثل خلاصة الفكر اليوناني بثوب نقدي عربي وهنا نصل إلى ابن خلدون ت 808 في كتابه المقدمة أو العبر و ديوان المبتدأ و الخبر وتأكيده على نظرية الاكتساب ودور المجتمع في تشكيل الثقافة .
والركن الثالث من أركان التفكير النقدي يتمثل في التراكمية , فالنقد تفكير عمودي يرتكز حديثه على قديمه ولا يمكن أن نفكر نقديا دون الاستعانة بالجهود السابقة .
متطلبات التفكير النقدي
من أهم ما يتطلبه التفكير النقدي : الموضوعية , بمعنى أن يكون النقد بعيدا عن الأهواء والميول والرغبات , وإن يكون منطلق الناقد في عمله من النص لا من قبليات ذاتية أو آيديولوجية مسبقة .
ثم أن النص هو المقصود بالنقد وعليه يجب أن تصب الجهود عليه دون سواه , ولا بد للناقد من معرفة تامة بالموضوع الذي يدور حوله النص المنقود , ويمتلك القدرة على الموازنة والمقارنة لكي يتسنى له معرفة موقع النص ومدى افادته من الآخرين أو اتكاءه عليهم , كذلك لا بد أن يتحلى الناقد بالذوق الرفيع فلا يمكن أن نتحسس مكامن الجمال في النصوص دون هذه الملكة , فضلا على أن الناقد لا يمكن أن ينقد نصا وهو محمل بعداء أو حب شديد للنص أو لكاتبه ففي هذه الحالة لا يمكن أن نطمئن للحكم النقدي الذي سوف يصدره , كذلك على الناقد أن يكون مواكبا لما يصدر جديدا , عارفا بالأجواء الثقافية السائدة ؛ ملما بمتغيراتها , وأن يتقبل الجديد بأريحية وموضوعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟