الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمجيد سلطة الاستبداد

حسن نبو

2020 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


اعني بتمجيد السلطة المستبدة او السلطان المستبد ، اعتبار تلك السلطة او ذلك السلطان عاملا اساسيا من عوامل ضبط المجتمعات وعدم انفلاتها ووقوعها في مهاوي الفوضى والاقتتال الداخلي ، بمعنى ان السلطة المستبدة هي التي تؤدي الى الحفاظ على وحدة كيان الدولة وديمومتها ، ولولاها لما اقيمت دول وامارات وامبراطوريات على الأرض .
استمرت هذه الثقافة طويلا الى ان وصل العقل البشري الى مرحلة تمكنه من توجيه الملاحظات الى المنظومة التي تتأسس عليها سلطة الاستبداد ، ومع الايام تحولت الملاحظات الى انتقادات قوية، وتمكن العقل اخيرا من القيام بهدم سلطة الاستبداد وتأسيس سلطة مغايرة لها على انقاضها تقوم على مبدأ مشاركة عموم مواطني الدولة في تأسيسها . وبموازاة السلطة الجديدة تم انشاء منظمات وجمعيات مهمتها حماية جميع المواطنين في الدولة من تجاوزات السلطة وتمكينهم من مراقبة اداءها .
هذا التحول في مفهوم السلطة كان احدى واهم انجازات عصر النهضة الاوروبية ، لكن الامر لم يتم دفعة واحدة ، بل استغرق عقودا عديدة من الزمن ، وربما اكثر من قرن .
ماذا فعل الاوروبيون حتى تمكنوا من القضاء على السلطة المستبدة ؟
بالتأكيد لايمكن حصر الاجابة في عامل واحد ، فالعوامل عديدة وتحتاج الى الكثير من الصفحات ، بل الكثير من المجلدات للإحاطة بها ، ولامجال للبحث فيها في مقال قصير .ولكن يمكن القول ان اهم عامل ادى الى هدم سلطة الاستبداد في اوروبا الغربية يكمن في التصدي للكنيسة وتجريدها من جميع الامتيازات التي تخولها من ان تتحكم بالسلطة السياسية ، واصبحت للكنيسة وظيفة محددة تتمثل بنشر المحبة بين البشر والمطالبة بعالم خال من الحروب والفقر والامراض وحض البشر على التعاون فيما بينهم في مواجهة الكوارث الطبيعية المختلفة ...
ورغم انتهاء دور الكنيسة في الحياة السياسية في دول اوروبا الغربية رفع الاستبداد رأسه بين الحين والاخر ، فقد استطاع نابليون من تأسيس سلطة امبراطورية استبدادية تسببت باندلاع حرب امتدت لأكثر من خمسة عشر سنة في القارة الاوروبية، وتمكنت النازية من الوصول الى السلطة في المانيا ، وبموازاة النازية تمكنت الفاشية من الوصول الى السلطة في كل من ايطاليا واسبانيا ، تسببت باندلاع الحرب العالمية الثانية التي نتج عنها مقتل اكثر من ستين مليون انسان اكثرهم من قارة اوروبا، اضافة الى الخسائر الاقتصادية التي شملت كل القطاعات الانتاجية والدمار الهائل الذي لحق بمرافق البنية التحتية في الكثير من بلدان اوروبا وبلدان اخرى خارج اوروبا .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم طي صفحة الاستبداد نهائيا في دول اوروبا الغربية، لكن الحرب ادت الى ظهور انظمة استبدادية في بلدان شرقي اوروبا التي دخلها الجيش السوفييتي .
اما في العالم الثالث فقد بقيت سلطة الاستبداد قائمة بشتى صورها في غالبية دول هذا العالم ، وبقي معظم شعوب هذا العالم اسيرة الثقافة التي تمجد سلطة الاستبداد . ومن المحزن ان ثقافة تمجيد سلطة الاستبداد والشخص المستبد بقيت حتى بعد ازاحة بعض الانظمة المستبدة في العالم المسمى بالعالم العربي ، الكثيرون يعتقدون اليوم ان السلطة القوية (اي المستبدة) هي وحدها قادرة على ضبط الامن في الدول التي لم تتحقق فيها حالة الاستقرار كالعراق وسوريا واليمن وليبيا، ويحنون الى ايام صدام حسين والقذافي والاسد ، حيث الامن كان مستتبا في زمانهم ولم يكن هناك اي مجال للفوضى .
يمكن القول ان سبب الحنين الى الماضي الاستبدادي هو عدم تمكن الثائرين على سلطة الاستبداد من تأسيس سلطة قادرة على تحقيق الامن والاستقرار، وتحقيق ولو جزء بسيط من احلام غالبية المواطنين، وهذا الفشل له اسباب عديدة ، لكن اهم سبب في اعتقادي هو عدم قدرة الثائرين على الانظمة المستبدة من الخروج من عباءة ثقافة الاستبداد ، فسرعان ماتبين انهم ايضا مستبدون ولايختلفون كثيرا عن المستبد السابق، وهذا يعني ان القضاء على الاستبداد لايعني فقط القضاء على رموز الاستبداد، بل بل يعني ايضا الابتعاد عن اي ايديولوجية تؤسس للاستبداد مستقبلا مهما كان منبعها ومصدرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط