الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيش المصري في عهد عبد الفتاح السيسي

جمال عبد العظيم

2020 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


بتولي عبد الفتاح السيسي حكم مصر شهد الجيش المصري تغييرات جذرية في علاقته بالسلطة وعلاقته بالشعب ، وأيضا في إستراتيجيته وعقيدته القتالية وتسليحه ومسرح عملياته . بل وفي هيبته وإحترامه وصورته في عيون شعبه وعيون العالم . وقد إستغرق فرض هذه التغييرات
على الجيش نحو خمسة سنوات ، شهدت تسريح وعمليات إغتيال واسعة لكبار القادة (تحت زعم الإرهاب) بالإضافة للسجن الذي طال أعداد كبيرة من القادة قدرتها المصادر ب 2000 سجين . وهو ما يذكر بمذبحة القلعة التي أعدها محمد علي باشا لأمراء المماليك . وكان هدف السيسي هو تحويل القوات المسلحة المصرية إلى قوات عبد الفتاح السيسي ، وجرى مايشبه أخذ البيعة له من خلال سؤال مبطن يقول : "معانا ولا مش معانا" . وتمت الإطاحة بكل من رفض تغيير ولائه من الولاء لمصر إلى الولاء للسيسي . وبدون أن تشعر الجماهير حول عبد الفتاح جيش مصر إلى حزب سياسي خاص به ، وهو ما إحتاج التوسع في الأنشطة التجارية للجيش لإرضاء من قبلوا بالولاء الجديد . وبهذا زادت معاناة أفراد الشعب الذين ينافسهم الجيش في أرزاقهم ، كبارا وصغار حتى طال الأمر صائد السمك والبائع المتجول . أما عن الإستراتيجية والعقيدة القتالية فقد تغيرت من جيش مجهز لحرب برية كبيرة ضد العدو الصهيوني على أرض سيناء ، إلى جيش يجري إعداده وتجهيزه للإنتقال والقيام بعمليات خارج حدود الوطن . وهو ما ترفضه تقليديا النخبة العسكرية ، ولا تجد له أي مبرر لأن مصر لا تتعرض لأخطار من أي دولة في المنطقة سوى إسرائيل . وتمكن عبد الفتاح من كسر هذه الممانعة وفرض التغييرات التي أرادها ، وطبعا إحتاجت الإستراتيجية الجديدة إلى سلاح بحرية متطور لينقل القوات خارج حدود الوطن ليؤدي مهمة غامضة . وسرعان ما تطور سلاح البحرية والذي كان هو الحلقة الأضعف بالجيش المصري ، لتصبح هي السادسة على العالم والأولى على المنطقة ، متقدمة على البحرية التركية والفرنسية والإيطالية واليونانية . وفي سلسلة سريعة ومتلاحقة من صفقات السلاح تم شراء طائرات وصواريخ وقطع بحرية وحاملات طائرات وغواصات ...الخ . وقد تكلفت هذه الصفقات مبالغ خرافية لم يحتملها الإقتصاد المصري المنهك منذ عملية 25 يناير ، ولنتخيل مدى فداحة هذه المبالغ يكفي أن نعرف أن صفقة واحدة قد تكلفت 5,2 مليار يورو وهي صفقة 16فبراير 2015 مع فرنسا (24 طائرة رافال وفرقاطة بحرية) . وقد تعجب كثير من الخبراء العسكريين لشراء مصر طائرات لا تحتاجها ، فما ينقصها هو الطائرات التي تستخدم في المطاردات داخل المناطق الجبلية لتمكين الجيش من الإرهابيين ، ومثالها طائرات الأباتشي أو المروحيات عموما وليس مقاتلات الرافال .
• الإهانة المتكررة للجيش المصري :ــــ
ولتكتمل عملية تطويع جيش مصر للسيسي لم يتوقف الأمر على ملاحقة القيادات بالإغتيال والتسريح والسجن ، فقام السيسي بكسر هيبة وجعله أضحوكة للعالم بأكمله . وكانت البداية في 22 فبراير 2014 حيث نشر المتحدث العسكري على صفحته بموقع فيس بوك بيانا ، أعلن فيه عن إختراع مصري لإكتشاف وعلاج الفيروس سي ، بالإضافة لإكتشاف وعلاج الإيدز بنسبة نجاح تجاوزت 90 % ، ووصف المتحدث العسكري هذا الإختراع بأنه فريد من نوعه . وأعلن المخترع اللواء / إبراهيم عبد العاطي أنه يقوم بسحب الفيروس من الجسم ثم إعادته إليه مرة أخرى على هيئة "صباع كفته" يتغذى عليه المريض ، وإدعى أن أجهزة مخابرات عالمية عرضت عليه 2 مليار دولار لكنه رفض وتمكنت المخابرات المصرية من إخفائه والعودة به إلى حضن الوطن . وأطلق بهذا حملة لترويج إختراعه الذي يعالج إلى جانب الإيدز والفيروس سي أمراضا أخرى منها :
الصدفية والسرطان والسكر وأنفلونزا الخنازير وقصور الشرايين التاجية . ليس هذا فحسب بل وهناك مكافأة في إنتظار المريض بعد علاجه من هذه الأمراض ، ألا وهي تحسين الكفاءة الجنسية له . وقال مدير الهيئة الهندسية أن الإختراع الجديد ساهم في شفاء 100 مريض بالفيروس سي والإيدز . وطبعا كانت فضيحة مدوية للجيش المصري ولم يحاسب المتسبب في المهزلة ، ومن ناحيتها أحالت نقابة الأطباء 4 من أعضائها للمحاكمة التأديبية ، وتم إيقاف 3 منهم عن العمل لمدة سنة بسبب إشتراكهم في الترويج للإختراع . وفي نوفمبر 2017 وجه السيسي إهانة جديدة للجيش المصري ، حيث وقف في مزرعة سمك يستعرض ضباط يقدمون له أنفسهم على أنهم مقاتلين ويمارسون أعمالهم القتالية داخل مصنع ثلج أو علف ، وضباط مقاتلين على خط الجمبري المسلوق ، وأخرين يقاتلون على خط الجمبري منزوع الرأس ، وبعد دقائق كان الجيش المصري قد أصبح من جديد محط سخرية العالم .
• أين هو العدو :ــــ
في 28 فبراير 2019 نشر مركز كارينجي للشرق الأوسط دراسة بعنوان : "الجيش المصري .. العملاق المستيقظ من سباته" . والدراسة كتبها إثنين من العسكريين الأمريكيين ، منهم الملحق العسكري بالسفارة الأمريكية بالقاهرة 2008 : 2011 . وجاء فيها أن مبارك أعطى الموافقة الإستراتيجية على عدم تهديد الجيش المصري لأمن إسرائيل ، مقابل وصول المساعدات من الولايات المتحدة لدعم حكومته . وهكذا حولت المساعدات الأمريكية الجيش المصري إلى "عملاق نائم" . وأضافت الدراسة أن مصر وقعت مع أمريكا في يناير 2018 مذكرة التفاهم (في مجال الأمن والإتصالات) المعروفة بإسم "سيزموا" . وهو ما يلزمها بأن تسمح بدخول عناصر وأفراد من الجيش الأمريكي إلى مرافقها ونظم الإتصالات الخاصة بها . وأشارت الدراسة إلى أن السلطات أخفت توقيعها على هذه الإتفاقية لمدة شهرين خشية ردود فعل سلبية من جانب الجيش . كما أوضحت الدراسة أن مصر رفضت هذه الإتفاقية على مدى 30 سنة . وطبعا واضح أن القيادة الجديدة لا تعتبر إسرائيل عدو ولا تحمي أسرار الجيش المصري من عيون أمريكا راعية إسرائيل . والسؤال هو : إذا كان الجيش المصري لن يحارب عدوه الوحيد في المنطقة فلماذا كل هذه الأسلحة التي إستنزفت الإقتصاد المصري؟
وبالطبع نستطيع معرفة الإجابة برصد الآداء السياسي والعسكري للنظام . وهنا نجد السياسة المصرية تتماهى مع السياسة الجديدة التي تحكم المنطقة العربية الآن ، وتعيد رسم خريطتها حسب أولويات العدو الصهيوني . يأتي ذلك بعد أن داست عجلات الربيع العربي بعض الضحايا فجعلتهم عبرة للباقين . والخريطة الجديدة للمنطقة تكرس الوجود الصهيوني وتحقق مشروعه في بناء إسرائيل التوراتية من النيل إلى الفرات . على أنقاض النظام العربي والدين الإسلامي ، لتتحول بلادنا العربية إلى مدن ومحافظات داخل الإمبراطورية الإسرائيلية المتموضعة في قلب العالم .
● كسر ممانعة تركيا وإيران
وإذا كان العرب قد قبلوا وخضعوا لإسرائيل الكبرى ، فإن القوى الإسلامية في الإقليم مثل تركيا وإيران ترفض وتقاوم بشدة تمدد إسرائيل لتصل إلى حدود إيران وتقف على باب تركيا وتسجنهما في حدودهما . وتقضي حسابات إسرائيل بتفادي المواجهة العسكرية مع إيران أو تركيا تجنباً لدخول قوى أخرى لحماية مصالحها في الإقليم . وبمجئ السيسي وجدت إسرائيل في الجيش المصري أداة لتنفيذ إستراتيجيتها ، والتي تقضي بمحاصرة دولتي الممانعة إيران وتركيا لإفساح المجال لظهور إسرائيل العظمى . من أجل هذا تم بناء حلفين بحريين في البحرين الأحمر والمتوسط والجيش المصري فيهما معا :
- مصر والإمارات والسعودية لمحاصرة إيران في البحر الأحمر والخليج .
- مصر وقبرص واليونان لمحاصرة تركيا في البحر المتوسط .
● جيش مصر يدشن إسرائيل الكبرى
وهكذا حول عبد الفتاح السيسي جيش مصر إلى تابع إستراتيجي لإسرائيل ، يقوم نيابة عنها بمحاصرة خصومها الإسلاميين ، والإشتباك معهم إذا لزم الأمر لإسكات ممانعتهم للتمدد الإسرائيلي . وبهذا يكون عبد الفتاح قد أنفق عشرات المليارات من الدولارات لتمويل صفقات سلاح لا حاجة لمصر بها ، وإعتصر المصريين وخرب وخرب بيوتهم من أجل بناء جيش يخدم مصالح إسرائيل ويحاصر أعدائها . كي تتمدد بهدوء وأمان لتصبح هي القوى الإقليمية المهيمنة على المنطقة بأكملها . وقد أدى الإنفاق العسكري الضخم إلى وضع مصر على حافة الهاوية ، وجرى تبريره بمبررات مختلفة مثل : مكافحة الإرهاب في سيناء ، حماية حقول الغاز في البحر المتوسط ، حماية نهر النيل . ولا يزال الإرهاب يضرب في سيناء بينما رصاص الجيش المصري لا يصيب إلا الأهالي بزعم أنها أخطاء غير مقصودة . ولم يقم الجيش المصري بتأمين نهر النيل وتركنا نواجه الموت . ويبدو المشهد كما لو أن جيش مصر لم يعد جيشنا بمجئ عبد الفتاح السيسي ، نخلص من هذا إلى نتيجة مؤداها أن السيسي إتبع مع الجيش نفس الأساليب التي يتبعها مع الشعب من صدمات وإعتقال وفصل من الخدمة ، وإنتهى الأمر بإختطاف عبد الفتاح لجيش مصر مثلما تم إختطاف الحكم والدولة من قبل .
وربما كان المشهد شديد القتامة لمن يعولون على الجيش ، وينتظرون منه أن يقوم بإنقاذ الشعب من
العميل الصهيوني عبد الفتاح السيسي . لكن الحقيقة التي نعرفها تماما أن الجيش هو من يحتاج إلى الشعب ليخلصه من الإختفاء القسري الذي وقع فيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام