الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب - لا أحد يحب صدام، حتى أبناؤه

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 15
اخر الاخبار, المقالات والبيانات




اليوم الأخير، الثلاثاء، 15 نيسان، 2003

بعد خروجي من السجن، سنة 1980، كتبت روايتي التسجيلية: أنا الذي رأى، عما شاهدته في السجون العراقية، وكان دافعي في الكتابة آنئذ أن أقدم شهادة صادقة عما يجري في تلك السجون، وكنت رأيت في تنقلي بين عشرات المواقف، من الشمال إلى الجنوب ما لا يصدق لو سمع من أي كان، وظننت أن مساهمتي إضافة متواضعة لفضح نظام وحشي، همجي، لا يرحم، وأداة كشف معاناة أبرياء، ليس لهم ذنب سوى سوء حظهم الذي أوقعهم تحت براثنه، ولما كانت الحملات الدعائية قائمة على أشدها بين سوريا والعراق، تراءى لي أنني سأتمكن من طبع كتابي في سوريا، واستغللت عدم منع السفر، فوصلت إلى دمشق، سنة 1981، وقدمت المخطوطة بعد طبعها على الآلة الكاتبة إلى اتحاد الكتاب العرب، وكانت الإجراءات تقضي بذلك، وعين السيد الشاعر محمد بو خضور، "خبيراً، وحكماً"، لقراءة الكتاب وإبداء رأيه في نشره، بعد يومين، وحينما رأيته، أبدى إعجابه بالكتاب، ورغبته في طبعه، لكنه فاجأني بطلب غريب:
- عليك حذف فصلين، الأول الذي يتناول الشذوذ النوعي بين السجناء، والثاني الذي يتناول تاريخ وحياة صدام حسين، وعائلته.
ذهلت، ابتسمت لأبدد ذهولي وصدمتي:
- بالنسبة لفصل الشذوذ فأنا أعرف سبب حذفه، لكن ما سبب حذف الفصل الثاني، وإعلام سلطة بغداد تتناول رموز سوريا، كلها، بالسب، القذف، السخرية؟
ابتسم ابتسامة واسعة:
- لا يهمنا هذا، نحن نفكر بما هو أبعد، فقد تتحسن العلاقات بين قطرينا فيما بعد!
لم يكن لدي خيار، سوى أن أحذف الفصلين كما طلب مني " الشاعر الخبير"، وما زلت أتذكر وقلبي يتمزق، كيف مزقتهما، ورميتهما في نهر بردى، لكن "الخبير" وفي المقابلة الثانية والأخيرة، أضاف طلباً ثالثاً:
- أريد أن تتعاون معنا، ونحن على استعداد لإعطائك راتباً محترماً، وشقة، وسيارة، وامتيازات...
لم أفهم ماذا قصد، فسألته أن يوضح الأمر، فقال لي وهو محرج:
- يعني أن تعمل معنا في جهاز المخابرات، تراقب العراقيين المتواجدين هنا..
فسألته: وإذا رفضت؟ أجاب: لا نسمح بطبع الكتاب، وهذا ما حصل، ختم الكتاب بختم ما زلت أتذكر لونه الأزرق الفاتح: لا يطبع في سوريا، ويمنع من الدخول إلى سوريا إن طبع خارجها، عندئذ ندمت وما أزال، ندمت ندم الكسعي لأنني مزقت الفصلين السابقين، اللذين لم تظهر قيمتهما إلا الآن، حيث بت ألوم نفسي كثيراً، لأنني لم يخطر ببالي أن أعيد تسجيل ما مزقته عندما كان بإمكاني تذكر أهم ما فيهما من تفصيلات، لكنني رميته مع الأسف الشديد ليكون غذاءً لنهر بردى.
تذكرت الآن ما جرى لرواية "أنا الذي رأى" في سوريا، عندما قرأت اليوم رسالة، "الزعطوط" المدلل عدي، نشرتها اليوم جريدة الشرق الأوسط، يصرح فيها أنه لا يحب أباه: ليست هناك مشاعر تجاه والدي، ليس هناك حب أو ود..
في كتابي قلت أن لا أحد يحب صدام حتى عائلته، وكنت التقيت رجلاً يعمل في المحاكم، وكان قضى وقتاً طويلاً في محكمة تكريت، ثم نقل إلى إحدى محاكم الكرخ حيث ظل على علاقة بأهالي تكريت، وكانت معلومات ذلك الرجل بمثابة كنز كبير لي، أقضي فيه الساعات المملة الطويلة في تسفيرات بغداد، وبالرغم من أنه لم يبقَ معي سوى بضعة أيام إلا أن ما حصلت منه كان كثيراً جدا،وبمرور الزمن نسيت الكثير من التفصيلات ولم يبق سوى خطوط عامة، تمت بصلة قوية إلى ما حدث الآن، بعد أن انهارت سلطة "لعنة الله" وإلى الأبد!
يتبع.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب