الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن نأسف على شيء

سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)

2020 / 4 / 20
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لفت انتباهي اليوم في إحدى الصحف قول الكاتبة الهندية المعروفة "أرونداتي روي":" لا ‏شيء يمكن أن يعود إلى طبيعته بعد الآن".‏
مع تقديري لمقدار الأسى الذي أتى بهذه العبارة، أُسائل الخلق أجمعين، هل كان شيء ‏على طبيعته في هذا العالم؟ ألا ليته لن يعود إلى ما كان عليه. لقد كنا في حضرة بيئةٍ منتهكة ‏وإنسانٍ تحيق به المذلّةُ الواضحة والمقنّعة، وكنا في حضرةِ أفكارٍ تزدري الأفكار، وخرافات تمتهن ‏العقول، ونفوسٍ تفرح أو تحزن طوعاً أو كرها، وعلوم متناسلةٍ إلى ما لا نهاية، وعقولٍ حائرةٍ ‏تحت جنازير الحاجات، ومختبرات علميّةٍ عالية الأداء في قبضة سماسرة الدم والمال ....‏
هل كان شيء على طبيعته لنتأسف عليه؟ هل نتأسف على العقل الذي لا يعترف بسكان ‏العالم إلا زبائنَ أو باعةً أو سماسرةً أو سلعاً، فلا مواطن ولا مواطنة؟ هل نتأسف على فلاسفةٍ ‏لهم تأثيرهم، يقولون بأن الحقيقة الوحيدةَ في هذا الكون هي في الشهوات والغرائز والرغبات ‏للاستمرار، أما الحبُّ فلا قيمة له وكذلك الصدق، والوفاء، والخير، والشر؟ أم نتأسف على كهنة ‏لا يرون في هذا العالم ما يستحق الاهتمام، لأنّ المملكة الحقيقية خارج هذا العالم، وهي خالصة ‏للصابرين والفقراء والمساكين والمنتظرين؟ أم نتأسف على المصانع التي ما توقفت يوماً عن إنتاج ‏العبودية والقهر وأكل حقوق العمال؟ أم على المزارع التي شربت من عرق الفلاحين لترد إليهم ‏الجميل ثمارا ملوثةً، ومهجنةً، وملعوباً بجيناتها؟ أم نتأسف على المدارس والجامعات التي ‏أخضعت العلم والتربية لسوق العمل بحجة الجدوى؟ أم نتأسف على الجيوش التي ما عادت ‏جيوشاً وطنية، بل جيوشٌ تحمي الحكومات وتبسط الأمن بهيبتها العظيمة وبساطير الضخمة، ‏لتصون التصفيق والهتاف؟ أم نتأسف على الحكومات التي نعلم كيف تتشكّلُ وأين تكمن كلمة ‏السرّ، ويكون همها نهب الأموال وتعب المواطنين؟ علام نتأسف يا سيدتي الرائعة، اعطيني شيئاً ‏كان في مكانه ولن يعود!‏
لم يكن شيءٌ في مكانه، ولا أحد كان، والذي كان يريد أن يكون في مكانه، يسحقه رأس ‏المال المتوحش، ويُلام لأنه لم يكن متطوراً كفايةً ليبقى. ‏
نعم، كانت الحياة تتطلّب منا أن نكون بمستوى تحدياتها، معرفةً وصحةً وهمّة، إلا أننا ‏نسعى في سبيل ذلك، بل كنا نسعى ونسعى، نرفع من كفاءاتنا، ونمضي لنرى من لم يكن في ‏العير ولا في النفير قد تبوّأَ الموقع الذي يحدد أين نكون، ويأخذنا من فشلٍ إلى فشل، ويسميه ‏نجاحا، ويتهمنا بالتقصير وعدم قدرتنا على معالجة المشكلات، ثم يزعم ـــ لإرضائناــــ أنّ الحظ لم ‏يكن لصالحنا، وظروفنا لم تكن مؤاتية، فيقنعنا بالقبول، وهو متصالح مع التحديات في مواجهتنا. ‏هل هذه هي الحياة؟ لا أفكر بنهاية للحياة، ولا أريد؛ بل يجب أن تكون كاتبتنا "أرونداتي روي" قد ‏رأت أننا على مشارف انتهاء حياة. ولكن هيهات، لست متشائما ولكن لست واهماً.‏
قال ول ديورانت "ولكن النهاية كانت على الدوام بداية". إذا نظرنا في واقع حالنا ومدى تأثره بهذه ‏الجائحة، أرى أننا أعجز من القفز إلى قاطرة البداية، وأعجز من أن نبقى في المحطة. فالمطلوب ‏كي نحدد مصيرنا نعرفه، ومكبوت فينا، ولن يخرج إلى الضوء حتى يتغير كل العالم. هل أكون ‏متشائماً إذن؟ أم متفائل؟ ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24


.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟




.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /


.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟




.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم