الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاصٌّ من بلادي/ قراءة نقدية في نص خط سالب

عماد نوير

2020 / 4 / 20
الادب والفن


خط ّسالب
للعنوان هيبة و سطوة في كل نصّ، غالبا ما يُشرع الكاتب في نصّه دون أن يوسمه، و يُرجئ أمر العنونة حتى يضع لمسته الأخيرة عليه.
ثم يرشّح عناوين تصلح شركًا لذيذًا و إغواءا بهيجا لصيد رغبة المتلقّي في قراءة ما يوحي بفيض من المتعة و الجمال، بناءً على ذلك نستوحي أن الكاتب قد اجتهد في تطبيق القواعد التقليدية المتّبعة في اختيار العنوان، و التي كثيرا ما تُثمر، فجاء مضمرا غير واشٍ لما سوف يطرحه لنا في حكايته المرتقبة.
و خط سالب لا يعني لأول وهلة شيئًا تعرفه حصرًا، و لا تلميحا لحدث أو قصة أو واقعة بعينها، إنه نكرة من مفردتين لأي شيء سالب أو لأي شيء ذا نهج سالب، أو ربما الخط هنا ليس طريقا بقدر ماهو خط بمعنى الخط المتعارف عليه في الكتابة، أو ربما هو إشارة السّالب نفسها.
و للقارئ أن يفكر في كثرة المواضيع التي يعرفها مرتبطة بكل معاني خط و سالب.

المرأة أولًا
الكاتب يطرق بابا طالما طُرق، لكنه يحاول القول بأن له طَرْقا مختلفا و رأيا محدّثا، و ربطا متباينًا، يحاول أن يلج إلى الحدث الأكثر شيوعًا في وقته بأسلوب لا يدع مجالا لرتابة أو نسخ أو تكرار، يلج إلى روح الفكرة من خلال المغالطة المنطقية، و مجازية اللفظ، و جدّية وظائف المعاني للفظ واحد.
و لا يخفى على أحد أن الكاتب خاتل و تلاعب بلطف لكلمة سالب، و وظّف معنييها المتناقضين في حالتين حملتا لفظ كلمة الحمل نفسه، فحمل أزاء سالب، و حمل آخر أزاء سالب آخر.
استفاد الكاتب من شيوع اللفظ سالب بمعناه الفريد الجديد الذي أعطى نتيجة مفرحة مبهجة خلافا لما ألفه العقل لهذا اللّفظ من انطباع مأساوي.
فالفكرة جميلة من ناحية لغوية موظّفة بإتقان و من ناحية حدث و حكاية، فيحاول أن يبثّ لنا إرسالًا تتابعيا مفاده أن المرأة كائن ناقص الوجود مالم يكن عنصرًا فعّالا لإدامة الوجود، إذا ما عرفنا أنها الأداة الرئيسية التي منحها الله هذا الامتياز و هذه الرّفعة، و خلاف ذلك سوف تُحبط و تتعقّد نفسياً، إمّا من جراء إحساس الغيرة من رؤية غيّرها يغدق على الحياة أسرار السّعادة دونها (( - ما الضير لو كانت ايجابية؟! هل ستختفي الشمس وتتفشى الأوبئة وتنتهي حياة الكوكب ويفنى الكون؟! أمن العدل أن تنال النسوة ما يرغبن من أطفال وأنا أقضي حياتي أراقب حجم البويضة ومستوى الهرمونات اللعينة! ))، و إمّا من خلال المعاناة التي ستكابدها و عيشة ضنكا مع ((تلتهمها نظرات لائمة وهمهمات جزعة من أهل زوجها)).
و يسترسل الكاتب في عرض فكرة الحرمان و نتائجه من نبذ و ملامة، و كذلك الروح التفاؤلية و الوفيّة في ذات الوقت من قِبل الشّريك، فهو طرف في الحكاية و إن بدا هامشياً، فهو مصدر روح الإشعاع الذي يمدها بالصبر و مواصلة الحياة ككائن كامل، تأخر قليلا في رفد الوجود بمسبباته ((- إما أن يرزقني منها أو لا أريد.)).!

الإيمان
يؤكد الكاتب على التّحلّي بالإيمان و اصطباغ الصّبر على هذه النائبة، و يؤكد على أنها امتحان نتائجه ستفضي إلى ثواب كبير، إن كان في هذه أو هو لأجل مسمّى((غالبا ما تنتهي محادثاتهم بنحيب وتراتيل دعاء على سجادة الصلاة.
" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "))
و هنا يراود القارئ سؤالًا:
إن لم يكن الله قد استجاب لدعاء على سجادة صلاة، و ادّخر لعبده ما هو أثمن لوقت آخر، فهل الأسباب أن يعجّل له في ذلك بإصابة صاحب الدّعاء ببلاء مرض قاتل..؟
حتما الفكرة ليست كذلك مطلقًا، و ليس من المنطق لعقل متّقد أن يفسّر بطريقة دحض الدّوافع غير الموجودة، و ترك المغزى الحقيقي بلا مناقشة جادّة.
فالنّصّ يحاول أن يبني فكرة مبدئية حول الحسرة على انعدام العيش في حلم حمل، دون أن يعي أن الحمل ليس محمودًا دائما، و هنا جمالية الحدث و تذكير بالإيمان بالوقت نفسه.
ارض بقدرك و لا تتدخّل في عمل الخالق، فلو شاء لأعطى و لو شاء لأمسك.
((مسح على رأسها بحنو وبصوت هادئ:
- توبي لربك يا امرأة، إنه امتحان من الله.))

الخاتمة
عشرون سنة، تحلم بداية كل شهر لفحصها الدوري في المشفى بسماع كلمة أخرى من الطبيب، ينهي بها عمرا طويلا رافقت فيه كلمة سلبية، ليحلّ بدلها ما تعارف عليه العقل السوي من اكتحال السّعادة في عيون الأمل، و سماع كلمة إيجابية.!
و هنا تأتي الخاتمة المباغتة، التي لم تكن (سلبية) لأنها سوف تنهي القصة بخط أفقي حتى اللحظة الحاسمة دونما إرباك أو إدهاش، و لو كانت (إيجابية) فإنها سوف تجعل القارئ في انزعاج كون النّصّ سيكون دعاء تجسّد إلى استجابة و حصل الحمل.
عندها يرى المتلقّي أن النّصّ أخبارًا لا أكثر أُثخنت و امتلأت ذاكرته بمثيلاتها سماعًا و مشاهدة، حقيقة و إطّلاعا.
لذا مزج الكاتب الفكرة الرئيسية، أو هكذا بدت، مع فكرة الوباء الحديث، و نص ّ يتحدّث عن قصة العقم الأزلية و الوباء المستحدث، و بلفظة واحدة متعددة المعاني على حسب ارتباطها بحدث دون غيره.
إيجابية
يصعق القارئ خيبة لثانية، و سرعان ما تتغيّر النتيجة إلى إدهاش مستحسن.
إيجابية بشكل آخر و معنى آخر و لون آخر، مفاده أن الحرمان قد يكون لونًا من السّعادة دون أن نعي أبعاده، ربنا لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به و اعف عنا و اغفر لنا...
إيجابية بحمل
و لكن حمل لا ينتج إنجابًا قدر ما ينتج عدمًا و موتا.
((_ إيجابية !
ترددها بغصة تخرج من فاهها المفغور 
_للأسف.. أنتِ حامل لفايروس كورونا.))

النّصّ كان رائعًا من ناحية السّرد، لم يستثقل القارئ جملهُ و انتقالاته، فكرته كانت سليمة و أضفت طابعا حديثا على الكتابة في إرشيف وباء كورونا الأدبي، الشّخصية الرئيسية في القصة جسّدت حقيقة أبطال حقيقيون في أرض الواقع.
اللغة جيدة، القفلة بحاجة لصياغة أكثر عمقا و تأثيرا بالنّفس.
و يبقى لنا وقفة بسيطة مع الاستهلال:
((ليلة واحدة هي الحد الفاصل لتنقلها الحياة من لقب الآنسة إلى السيدة، تنتظر نمو البذرة المنثورة على أرضها القاحلة كل شهر.))
الفقرة الاستهلالية غالبًا ما تكون سهلة و جُملها قصيرة، و مؤثرة في نفس القارئ بشدّة، و هنا نتساءل أي ليلة تلك الواحدة التي ستفعل كذا!
أي ليلة و هي تتكرر في كل شهر مع تكرار البذرة المنثورة كل شهر، و ما علاقة الربط بين العقم و آنسة، و الحمل و الإنجاب و لقب السّيدة؟
و بحث الآنسة و السّيدة طويل، و آراءه متعددة، منها ما طابق فكر الكاتب، و منها ما يذهب مع الشّيوع العام، من كون الآنسة غير المتزوجة، و السيّدة هي المتزوجة، و لم يكن هناك داع أن يُسوّق رأيا ضعيفا على رأيّ شائع، خصوصا أن ذلك لم يخدم الفكرة، و خصوصا أيضا إذا عرفنا أن اللغة العربية لم تحفل بمعنى مختص لآنسة أو سيدة.
فالآنسة من تؤنس الاب و الأخ و الزّوج سواء، و السّيدة من تستطيع تسيّد رأيها و انفرادها بقرارها، و ربما في الحياتين يمكن لها ذلك.!
أمنياتي لكاتبة النّصّ القاصّة نور الخالدي بدوام التّألّق و الإبداع.
تحيّني و الودّ.. عماد نوير
______________________________

النّصّ
قصّة قصيرة بعنوان:
خط سالب
نور الخالدي

خط سالب
ليلة واحدة هي الحد الفاصل لتنقلها الحياة من لقب الآنسة إلى السيدة، تنتظر نمو البذرة المنثورة على أرضها القاحلة كل شهر.

في ردهة الانتظار تدغدغها أحلام؛ يُخبرها المختص عن إيجابية النتيجة، الطريقة التي تزف فيها الخبر لزوجها، ترسل هدية مغلفة، جوارب طفل حديث الولادة، تقيم حفلة صغيرة أو ربما تضع تقرير الطبيب على مكتبه، دفء المشاعر عند إرضاعه ينسيها تعب الأشهر التسع وآلام المخاض، سهر الليالي، بكاءه، جدول لقاحاته وعطر البودرة الخاصة به...

- سلبية، لا يوجد حمل.

ينساب وقع حروفها كنوتات موسيقية ناشزة تعزف في رأسها حتى الشهر القادم، يتكرر الموعد ويتكرر عزف الموسيقار السيء.

كالمعتاد نتيجة سلبية، تلتهمها نظرات لائمة وهمهمات جزعة من أهل زوجها إلا هو الذي أصر على الوقوف بجانبها يردد: 

- إما أن يرزقني منها أو لا أريد.

تتذكر يوم أن قالت له:

- ما الضير لو كانت ايجابية؟! هل ستختفي الشمس وتتفشى الأوبئة وتنتهي حياة الكوكب ويفنى الكون؟! أمن العدل أن تنال النسوة ما يرغبن من أطفال وأنا أقضي حياتي أراقب حجم البويضة ومستوى الهرمونات اللعينة! .

مسح على رأسها بحنو وبصوت هادئ:

- توبي لربك يا امرأة، إنه امتحان من الله.

غالبا ما تنتهي محادثاتهم بنحيب وتراتيل دعاء على سجادة الصلاة

" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "

لم تطأ قدماها أرض المشفى إلا بعد عشرين سنة 
، تجلس في غرفة خاصة بقلق، تنتظر نتائج تحليلها، لكن هذه المرة تأمل أن يخبرها 

" بسلبية النتيجة "

تعج الحركة فجأة بالمشفى، الجميع مرتبك، تحركات مشبوهة، أبواب تغلق بسرعة، ركض في الممرات، همهمات غير مفهومة، تمسك يد زوجها الذي لم يفارقها يوما، رفعت نظراتها المتعبة باتجاه الطبيب الواقف أمامها على مسافة متر ونصف ولأول مرة تمنت لو تتكرر على مسامعها الكلمة التي ودت لو تحذفها من قاموس اللغة  "سلبية"  لكن تردد الصوت الخافت:

-إيجابية

_ إيجابية ! ترددها بغصة تخرج من فاهها المفغور 

_للأسف.. أنتِ حامل لفايروس كورونا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا