الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة القصيرة الايروتيكية ، عشتار العراقية مثالا

عدنان يوسف

2020 / 4 / 21
الادب والفن


قصة قصيرة ، من صفحتين للروائي سلام ابراهيم ، قرأتها في الفيسبوك واعتبرتها ثاني اجمل قصة قصيرة اقرأها منذ نصف قرن .
كان لقائي الاول مع اعمال الروائي سلام ابراهيم من خلال قراءتي لسرير الرمل ، مجموعة قصصية جميلة ، ابهرتني . وبسبب ذلك بدأت اتابع واترقب اصداراته ، واغلبها روايات ساد فيها الشخصي بنكهة العام ويصنفها البعض بأنها اقرب الى اليوميات منها الى الروايات .
الى ان قرأت قصته القصيرة في الفيسبوك "عشتار العراقية" فما تمالكت نفسي لشدة الاعجاب حتى انني عدت بالذاكرة الى سبعينيات القرن الماضي حين كتبت ملاحظة على صفحات عدد مجلة الثقافة الجديدة الصادر عام ١٩٥٣ ( على ما اتذكر ) عن قصة نشرت في ذلك العدد ، كتبت : "هذه اجمل قصة قصيرة في العالم" ، وكانت القصة لفؤاد التكرلي وعنوانها موعد النار . وظل هذا الرأي ملازما لي كلما قرأت قصصا لمؤلفين عراقيين او عرب او حتى القصص العالمية المترجمة ، ظلت موعد النار بلا منافس الى ان قرأت عشتار . واعترف الان بأنني كنت جاهلا في معرفة قواعد كتابة القصة القصيرة فقد فوجئت بأن عشتار المبهرة ليست من صفحتين كما رأيتها واحببتها بل من اثنتين واربعين صفحة وهي واحدة من قصص مجموعة المؤلف الصادرة عام ٢٠١٩ عن دار الدراويش في بلغاريا في كتاب بعنوان "طفلان ضائعان" .وقلت قبل ان اقرأ الاربعين الملحقة بالمبهرتين هل سيحافظ سلام ابراهيم على درجة الاتقاد التي اشعلت نار الحب في روحي وجعلتني اتذكر موعد النار ، هل سيحافظ على درجة الرومانس الرائعة في قصة رقيقة شفافة ولا يوقعها الايروتيك في شرك استعجال لم جمهور يبحث عن لذة حسية تنتهي بعد دقائق من بدء تذوق عسلها الاصطناعي .
عشتار في الفيس بوك جميلة رقيقة حالمة فيها من الوصف الاعجازي (لو جاز التعبير) للمكان والاشياء والناس والحبيبة ، ما يجعل المتلقي لا يمل من اعادة قراءتها لمرات عديدة ، بها فقرة في وصف رائحة جسد الحبيبة ، ساظل اتذكرها ، كلماتها لا تنسى :
"فلجسدها رائحة هي مزيج من الجوري والخباز وأعشاب البر التي كنتُ أجمعها من حواف سواقي الحقول المحيطة بالمدينة ،وأعصرها بقبضتي، ثم أستنشق بعمق ، ضوعها"
تبدأ القصة بالاعلان عن نفسها بعبارة موحية تطلقها الحبيبة :
"يا حبيبي أحنه في حكاية من ألف ليلة وليلة.!"ويتولى الكاتب الروي ، مباشرة بعد ذلك :
"قالتها ، وعيناها اللامعتان منشغلتان عني بالسقف الخفيض المغطى بلوحات محشودة بالجواري والمغنين والراقصات المتطوحات وكأنهن سيسقطن بعد لحظة في أحضان الرواد.
" كانت ترتدي بدلتها الترابية الضيقة حد الوركين ، توقفنا لبرهة مسحورين بمزيج الأضواء الخافتة التي تسقط من أركان غير مرئية وكأنها ظلال ألوان في لوحةٍ، تتخايلُ وسطَ بحرٍ من الشمعداناتِ الموزعة على طاولات صغيرة مرتبة بطريقة تجعل من المكان حميماً ونائياً بنفس اللحظة"

هذا الوصف التفصيلي ، الموجز والمكثف للمكان ، والصور التي نقلها الكاتب باسلوب شفاف عذب بإيقاع متصاعد ، تجعل القارئ ينغمر في جو المكان المدهش في تشكيله الصوري المنقول عبر الكلمات الادبية الفنية الزاخرة بالخيال والواقع معا.
وفي وصفه لتوزعه بين جمال المكان وسحر الحبيبة نقرأ بل نشاهد فيلما قصيرا لكنه مزدان بالوان وصور مدهشة يستغرق تأملها والابحار في تشكلها الفخم والمتسع ، وقتا يبدو بلا نهاية :

"وتركتني بمواجهتها مزدانة الجوانب، بمشاكي الجدران الناثرة رذاذاً ملوناً خافتاً من أضواء تنتشر من باطنها دون رؤية مصدر النور ،نوافذ عمياء صغيرة، درفاتها ملونة نصف مفتوحة على عمق أزرق كأنه فضاء نهارٍ صيفي رائق"

ثم ينتقل الى تأمل الحبيبة "الجنية" كما يصفها في مكان آخر بأبدع ما يتوفر له ، بتأثير سحرها ، من شعر منثور بكلمات تسلب اللب :

"في فسحة الصمت التي استطالت كنتُ أمسح بعيني الشغوفتين نحول كتفيها العاريين، عنقها الأتلع ولون مهبطه الأشد سمرة، وما يكشفه الزيق المخّروم من تدوير الثديين الصغيرين اللذين بديا لشّدة طلاوتهما وكأنهما مطليان بزيتِ الزيتون الخالص"

هذا المقطع ،على جماله، (اضافة الى الاشارة التي وردت في مطلع القصة الى الف ليلة وليلة) ،هو الذي دعاني للتخوف من التحول الى الايروتيك قبل ان اقرأ النص الكامل في " طفلان ضائعان" وبالفعل فقد حدث ذلك ، قرأت في الصفحة 23 وصفا لحاله مع الحبيبة النائمة بفعل السكر على سرير وثير في غرفة بفندق يقع على سفح جبل :
"أدخلتُ رؤوس أصابعي تحت حافة الفستان .سحبته إلى الأسفل بأناة سحباً خفيفاً، فتعالى في صخبي حفيف احتكاك الثوب باللحم الأسمر البض. راح جسدها ينكشف بوصة.. بوصة مع شدة بطء السحب. حررت الذراعين الممتلئين المزيتين، النهدين المختبئين تحت قماش الحمالة الضيقة والذي لا يخفي من صرختهما سوى جزء يسير يعلو الحلمة النافرة الرامحة الدافعة نسيج الحمالة الترابي الشفيف.. الحلمة الداكنة بادرة فلقت قلبي. انكشف مهبط البطن الضامرة المؤدية إلى قاع الصرة المعتمة"

ويستطرد الكاتب على مدى مساحة صفحات عديدة لاحقة ، بهذا الوصف المتصاعد في شبقيته حتى يصل الى ما يشبه الهذيان يقول متماديا (ص29)

"فككت زر مشد الصدر، وتركتها تستلقي ثانية على نفس الوضع .سحبت المشدَّ ببطء عن النهدين الصغيرين المتماسكين اللامعين. احتكت أصابعي بالحلمتين النافرتين المتوترتين ،فارتجفتُ فهوت قطرات من جبيني المتصبب غزيراً. سقطت على منحدر الثديين. رحتُ أتابع انحدارها السكران على المسلك المزيت الضحل الهابط نحو فنجان الصرة. تأملتُ نهرها الصغير الدافق، وهي تملأ حوض الصرة الصغير ،لتفيض هابطةً من حافتها السفلى، ممسحةً جانبي الخاصرة الضامرة لتستقر على نسيج الحرير الضيق الذي يخفي الكنز الحبيس. توهجتْ أصابعي عند تمسكها بدانتيل الحرير. سحبتُ القماش اللين، فأنزلق بين الفخذين. وقعت في شرك الشق.. في غموض باب كونها الساحر"

ويسير قدما بهذا الاتجاه الاباحي مخاطبا عضو التناسل الانثوي :
"ليس لطعمك مثيل في اللمس والتقبيل، في الرضع والإيلاج"

توقفت عند هذا الحد من القراءة بحثا عن استراحة او ربما لالتقاط الانفاس واقترحت على نفسي القيام بجولة في عالم الكتب للبحث في الادب عامة والرواية الايروتيكية خاصة . وجدت بحثا تضمن مجموعة اسئلة كانت لي رغبة وحاجة لمعرفة اجاباتها :
"هل ثقافتُنا ترفضُ الأدبَ الآيروسيّ، وتتناولُهُ كمحظور اليوم؟ هل هناكَ فروقُ تمييزٍ بين الثّقافةِ الجنسيّةِ والبورنوغرافيا؟ وهل الإيروتيكا لغةٌ صفراءُ هدّامةٌ، أم خضراءُ بنّاءة"
ذهبت سائحا باحثا عن اجابات لهذه الاسئلة
قرأت محاضرات ومقالات وفصولا من كتب في تعريف الايروتيك :
"المحاورُ الّتي تدورُ في فلَكِها الآيروسيّةُ هي: الرّغبةُ الجنسيّةُ العارمةُ والجامحة، والجسدُ والانتشاءُ ما بينَ خمرٍ ومُجونٍ طائشٍ، وتجاربُ جنسيّةٌ عابثةٌ ظامئةٌ، تتلوّى على وترِ الشّرهِ والافتتان"
ووجدت في جولتي في عالم الكتب ايضا ان الادب العربي يزخر بكتابات كثيرة في الايروتيك ؛ شعرا كما في قصائد امرئ القيس وابي نؤاس ونثرا في مؤلفات باحثين ومفكرين كالجاحظ وعلماء دين كالسيوطي وروايات حديثة كما في رواية عالية ممدوح ، التشهي .
قرأت لكتاب ونقاد وهم قلة ، مع الايروسية . اما الكثرة الكاثرة فكانوا بالضد منها .
تقول الصحافية التونسية احلام الطاهر :
"قصص الجيب الرومانسية التي لم تكن تبالغ في صنع جماليات أدبية فائقة، لأنها لم تكن أدباً ببساطة.
ضربتنا ريح عاتية من الروايات الرومانسية الإيروتيكية وصفتها صحيفة «وول ستريت جورنال» بأنها: "مثل ساندويتش ماكدونالد لذيذة ورخيصة ومثيرة وتُستهلك خلال وقت قصير، وتشجع على المزيد. زبائنها بعشرات الملايين، وتنشر حول العالم“
وكتب حكمت مهدي جبار في قراءة لملحمة كلكامش
"كانت عشتار في عهد السومريين الهة الحب والجمال والخصب ، وصفها الشاعر البابلي بسيدة الحانة , بل سيدة البغايا والعاهرات" .
لقد اعتقد سكان وادي الرافدين ان للجنس عنصرا دينيا وكان هناك ما يسمى بالبغاء المقدس ,حيث كان يحتم على كل امرأة ان تستسلم في معبد عشتار لأول غريب يطلبها. لم يكن للسومريين في الماضي مشاكل مع الاثارة الجنسية ولم يكونوا خجلين عند تقديم المواضيع الأيروتيكية في ادبهم وفنونهم المرئية والالواح المصورة .
وفي مقالة للكاتب العراقي سعد هادي قول : إن البغاء في العهد السومري لم يكن محرما بل كان طقسا اجتماعيا ودينيا لم ينظر له كمتعة زائلة انما ممارسة تتسامى فوق اللذات بأتجاه تقديس النماء والتكاثر والخصب .
بينما يرى الناقد الأدبي حسام عقل، أستاذ النقد الأدبي بكلية التربية في جامعة عين شمس، "أن الأدب الإيروتيكي يظل له حضور قوي على المستوى السردي والقصصي،
ومن أبرز الأمثلة على ذلك كتاب “أحلام النساء الحريم” للكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي، وهي رواية تدور داخل حمام نسائي، واستمرت الموجة بعد ذلك، حيث ذهب بعض الكتاب إلى تسجيل لحظة الشبق، وآخرون استثمروا هذا القالب في تسجيل أنساق رمزية، في حين لجأ آخرون إلى استخدام الجنس لتحقيق أغراض تجارية، دون وجود أيّة أهداف فنية أو جمالية".

ولم يتسن لي الاطلاع على رواية التشهي ، فقرأت نقدا بخصوصها للدكتورة وسن مرشد قالت فيه :
"تمثل الايروتيكية فن راقٍ استعمله الكثيرون ولم يتقنه الا القلة من المبدعين والمبدعات ؛لأنه يخرق حدود الممنوع والمحرم ويتسلل داخل نطاق التابو، ويحتاج الى قلم كتابي حر يبتعد عن صياغة التقليد والخوف من خدش المحرمات الثقافية التي تفرض ضغوطها على الكثير من النتاجات الابداعية.
وحققت الروائية (عالية ممدوح) في رواية (التشهي)،خرقاً معلناً لحدود الممنوع والمحرم، من العنوان الذي اتخذ تسمية اشارت بصورة معلنة للفعل الايروتيكي .
أما المتن السردي فقد جاء بلغة جريئة ابتعدت عن الحشمة والتورية، لتكتب بصيغة جنسية معلنة"
بعد هذه الجولة - الاستراحة عدت الى توتر الكاتب الذي جعلني ابحث عن وسيلة لربط اراء النقاد بتصاعد سرده الذي كما يبدو لا يريد له ان ينتهي فأقرأ في صفحة34 من عشتار العراقية
"هاهو الشق الصغير الذين طلع منه البشر مفتوحاً مثل وردة جوري حمراء، مفتوحاً بين الفخذين اللذين ارتفعا منفرجين قليلاً"
ما هذا الحصار ! ، كيف اخرج من دائرته لأقول رأيا في القصة التي قد يعدها احد منتجي افلام المقاولات لتكون فيلما لأحد اعياد-نا- الكثيرة والمليئة بالافراح !
وامعانا في مواصلة الاندماج مع التصاعد الهارموني للاثارة واصلت القراءة متجاوزا صفحتين لأقرأ مقتطفات مختارة تدور في السياق المضطرب السابق ذاته
"بجلال الردفين اللذين أكسبهما قوس الجذع الملموم ضخامة قدسية جعلتني أهبط على ركبتي وأمسح شفتي المنتفضتين الجافتين وجبهتي الراجفة بجدار الردف الطري المتماسك المستدير، الناعم في توتره، المصقول الصافي كأنه سطح مرآة"

وقبل الختام بقليل يتحول السرد الى جانب آخر ؛ مزيج من الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع كأن الكاتب يعد بحثا اكاديميا ،يتأمل من خلال جسد الانثى المدهش في الخلق الاول للكون ، للانبثاق من الماء ، باحثا عن استقرار لم يجده طوال ترحاله المضني بين السجون والجبال الثائرة والمنافي .
عشتار العراقية هي كل ذلك ، جرت احداثها في كل تلك الوهاد ، وفي كل مرحلة كانت انهار الخمر لا تتوقف عن الجريان . ارى ان الكاتب اخذ ، في محاولة للهرب الى الامام ،وهو ينهي عشتاره ،من تعريف ابن خلدون للادب "انه الاخذ من كل علم بطرف" :

"ستصحو عشتاري.. ستقوم من روح الصلصال الصلد الطيع المتلوي المتكور المنبسط في وهاده الشاسعة"

"كقشةٍ هشة خرَّ جسدي أسفل ركن الغرفة، في الزاوية المحصورة بين سطوع الفجر وسطوع عريها المضمخ بعطره المسكر ورائحة الفجر والبخور والحرمل ، قشةٌ تجود بنفسها في رمضاء جسدٍ لا رواء منه."
"وانفجرت في نشيجٍ خافتٍ رائياً بوضوح استحالة احتواء كيان المحبوب الذي كنتُ أظنه صار واقعاً حال سفرنا ونجاح ارادتنا في مواجهة تقاليد مجتمعٍ معادٍ للحب".

عشتار العراقية قصة فكرية رغم اغراقها بمشاهد جنسية اضعفت توجهها الفلسفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي