الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حائحة كورونا ومفهوم الإنسان

محمد قرافلي

2020 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


جائحة كورونا ومفهوم الإنسان؟
وحده الإنسان يمتلك المقدرة على التسمية والترميز، يجند هذه القدرة السحرية للتعريف والتصنيف والترتيب، لأجل الحكم والمحاكمة، بعبارة أدق للتمييزوالتميز!
لعبة غير بريئة تورط فيها الإنسان وورط معه الكائنات والوجود!
حيت صار وجود الإنسان في هذا العالم جائحة!
لنقلب اللعبة وننعث الإنسان بالكائن الجائحة، بوصفه ذاتا تنزع باستمرار إلى الجيحان !
سواء تم النظر الى الجائحة كصفة قارة أو عارضة تميز الإنسان، أو كقوة تدفعه الي الإقدام على أفعال تلحق الفساد والتخريب والهلاك بالطرف الآخر،ببني جنسه، بالكائنات وبالكوكب الأرضي!
كما يتعرض الإنسان إلى جوائح في غفلة منه ويكون مصدرها خارجي مثل جوائح الجراد والجفاف والكوارث الطبيعية!
عموما يمكن التمييز بين شكلين اوفئتين من الجوائح، الأولى طبيعية، لادخل للإنسان فيها، ذات مصدر خارجي، تخلو من القصدية وتفتقد للدلالة والمعنى!
تكاد تكون ظرفية وعابرة!
قابلة للرصد ومنطقها قابل للتعليل والتفسير والضبط!
يمكن أحيانا مواجهتها أو الحد منها ومن وقعها!
بالمقابل فإن الثانية بشرية، ذاتية مصدرها الإنسان تعرف القصدية وتحمل الدلالة!
تعرف المخاتلة والتحجب وتتقن فن المواربة!
تتقن لغة الأقنعة والتخفي عدواها لا حدود لها، تخترق كل الحدود!
يصعب تعينها،أو تفسيرها او ضبطها!
تكاد تكون ملازمة للإنسان مثلما يشهده عالم الاجتماع البشري والعلاقات الإنسانية من نزاع وصراع واقتتال وهمجية على كل شئ وباسم كل شئ!
شتان بين الجائحتين من حيث حضورهما وقوتهما وبطشهما!
ما كان أن يفلت الإنسان من الجوائح التي تهدد وجوده، مالم يتمكن أن يركب منطق الجوائح ويختبرها ويعيشها ويعايشها،ليتسنى له خبرها وقهرها وترويضها!
ترسخ هذا الدرس في الفكر الاسطوري والملحمي برمته، بدءا بملحمة الخلق وصراع "إنكيدو" من أجل البقاء ضد الإله "مردوخ"، كل الأساطير اليونانية تكاد تجمع على هذا الصراع الأبدي ضد مختلف الجوائح ومصادرها، "إيليس" والحوريات وتجرأه على نزع الصمغ عن أذنيه لينصت إلى لحنها العذب القاتل!
إذا كان قدر الإنسان السيزيفي أن يحيا ليموت ويحترق ليبعث،.... فإن المتن الفلسفي في عمقه صرخة في وجه هذا العالم الكارثي!
محاولة منه لتجاوز العشوائية والصدفة ودحر كل أشكال الاستسلام واللامبالاة ودعوة للإنسان إلى أن يعتني بمصيره ويتحمل عبء وجوده!
نفس الهم يتوزعه المتن الديني، لا من خلال شخوصه وسيرهم وعلاقتهم بالوجود، كقصة النبي نوح والطوفان، والنبي أيوب وابتلاءاتهم المتعددة مع كل أنواع الأوبئة... كما أن السرد الأدبي في مجمله رفع لهذا الوضع الأصلي للوجود الكارثي للإنسان إلى مستويات أعلى من اللمعان والسمو والطهارة من خلال تحويله إلى متن سردي يضفي على شخوصه البطولة والفرادة والتميز والأسطرة!
حيث يصير الموت مطلوبا ومقياسا للحياة ومثالا وانموذجا يحتذى!
يتبين أن الغرض من الملمح أعلاه رد الاعتبار أولا إلى هذا "البعد الكارثي" للوجود الإنساني:
ليس بغرض تبريره او التباكي عليه ولا الإشادة به في هذه الظرفية الحرجة التي اضطربت فيها اللغة واضحت في ذاتها جائحة تهدد الإنسانية!
وإنما رغبة في الكشف عن هذا البعد الملازم للوجود الإنساني، الذي يلزمه ملازمة الظل لصاحبه!
لربما تناسى إنسان التقنية والعلم هذا الأصل!
بهاجس تحويل الإنسان إلى حيوان استهلاكي يتم غرس في عيونه وآذانه صورا للحياة المتعية النجومية!
ويتم وشم جسده بكونه آلة جاذبة ومجذوبة!
كذلك بداعي تبرير نمط معين من الحياة المتبرجزة التي تنعم بها فئات محدودة على حساب الأغلبية المسحوقة!
هذه الأخيرة من شدة الترويض تكيفت مع هذا النمط من الوجود المصنع والمقنع!
أما الهدف الثاني من الملمح فإنه يكمن في العمل على الوقوف على مختلف أشكال التعامل مع هذه الجائحة ومساءلتها ومعرفة مبرراتها وخلفياتها.
حيث يظهر جليا ان شكل التعامل الذي نعاينه اليوم مع هذه الجائحة يؤشر على استفراد السياسي "الدولة"بالريادة في مواجهة هذه الكارثة. إذ تمكن السياسي من إحكام قبضته على المجال ككل ونصب نفسه الآمر والوصي على كل السلطات العلمية والفكرية والدينية!
السياسي من يحسم ويتحكم في المعلومة،حول الوباء، حول من له الحق في الكلام وباسم ماذا يتكلم، ومتى يتكلم واين يتكلم ومع من يتكلم! من يقرر! باسم ماذا يقرر؟ ويختار أين ومتى وكيف يقرر؟
كذلك على مستوى تقطيع الزمن وتنظيم العمل وضبط الحركة والفعل، حيث تم العمل على تكييف إيقاع جديد للحياة ونظام الحياة يتم فيه اختراق ماهو خصوصي!
هكذا تعطلت القوانين، وتغيرت طرق وأشكال التعامل والتواصل ونمط العيش!
لأجل ذلك عمل السياسي على استنفار كل إمكانياته وشحذ كل ترسانته الآداتية والتقنية والإدارية والعسكرية لمواجهة هذه الجائحة. كما عمل بموازاة ذلك على توظيف كل منابره الإعلامية وجيوشه الرقمية المرئية واللامرئية لإنجاح هذه المهمة.
عرفت كل المجتمعات هذه اليقظة للسياسي بأشكال ودرجات مختلفة وبإيقاعات مختلفة وتلوينات متعددة.
بل حصلت عدوى في انتقال أشكال التدبير وتداولها من دولة لأخرى إلى درجة التنافس والصراع المحموم بين الدول، وماخفي أفظع!
استحسن البعض هذه الهمة غير المألوفة من قبل السياسي في تدبير اليومي في ظل الجائحة!
بل اعتبرها البعض نقلة وربما عودة إلى القيم الحقيقية التي شكلت اساس الفعل السياسي كقيمة العدالة والحق في الحياة..... وبعث لروح قيم الجماعة وقيم التضامن واعترف بالاخر!
بل يهلل البعض بكون الجائحة فرصة ولحظة تاريخية لبناء نمط جديد لانسان جديد ولأسلوب حياة جديد، حقيقية وحقة!
مقابل حياة مزيفة كنا نحياها قبل الجائحة، حياة مصطنعة، مزيفة ابطالها مزيفون ومصطنعون وتافهون!
وداعا للتفاهة! وداعا لحياة التفاهة! وداعا للإنسان التافه، للفن التافه، للإعلام التافه!
لكنهم تحت صدمة الجائحة يستثنون ما يبدو لهم أنه كان في منأى عن التفاهة كالتعليم والطب.....
بالفعل الكل يحلم بهذا النموذج للممارسة السياسية! لكن ما يغيب عن البعض انه نفس المنطق الذي كان قبل الجائحة هونفسه أثناء الجائحة!
لما هو كذلك؟ منطق مزدوج، يحبل بالمفارقات! مالذي يضمن استمراريته؟ من يتحمل مسؤولية ترسيخه؟ الفاعل السياسي؟ ام المفعول به وفيه؟ ام هما معا؟ أم كلاهما ضحية لمنطق الفعل السياسي والممارسة السياسية كما ترسختا طيلة قرن إن لم نقل قرونا خلت؟….… يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر