الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكورونا يقوض اسس النظام الليبيرالي الرأسمالي الغربي

جورج حداد

2020 / 4 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*


منذ الاعلان عن بداية تفشي وباء كورونا في مدينة ووهان الصيتية في كانون الاول 2019 تناقلت الانباء اتهامات وجهتها الصين اعلاميا ضد الولايات المتحدة الاميركية بأن الفيروس هو صناعة اميركية انتجته المختبرات العسكرية الاميركية المحيطة بالصين ووجهته ضد الصين لتخريب اقتصادها، كجزء من الحرب التجارية والاقتصادية التي تشنها اميركا ضد الصين.
وحينما بدأ انتشار الوباء في اميركا في اواخر كانون الثاني 2020 اطلق الرئيس الاميركي ترامب، ولا يزال، اتهاماته ضد الصين بأنها هي السبب في هذا الوباء، وسمّى فيروس كورونا الفيروس الصيني او فيروس ووهان (المدينة الصينية التي انطلق فيها الوباء).
ولكن هذه الاتهامات المتبادلة ظلت في نطاق الاعلام، ولم تصل الى حد تقديم البراهين العلمية الواقعية على صحتها.
وخلال هذا الوقت المأساوي اصيبت اوروبا الغربية واميركا بشدة بالوباء، اكثر بكثير مما اصيبت به الصين وروسيا وايران، اي دول "المحور الشرقي الجديد" المناوئ لاميركا. وانتشر الوباء بسرعة في اوروبا واميركا. وحينما تجاوز عدد الوفيات فيهما 160 الف نسمة، لم يكن عدد الضحايا في الصين وروسيا وايران مجتمعة قد وصل الى عشرة الاف ضحية، مع ان عدد سكانها هو ضعف عدد سكان اوروبا واميركا معا.
وليس هناك اجماع بين المحللين حول صحة الاتهامات بأن الوباء هو شكل من الحرب البيولوجية، من هذا المعسكر او ذاك، او من الاثنين معا.
وسواء كان انتشار الوباء حربا بيولوجية، او نتيجة "خطأ بشري ـ تكنولوجي" ادى الى فقدان السيطرة على بعض التجارب المخبرية، او لاسباب "طبيعية"، فقد ظهرت بشكل فاضح وصارخ هشاشة النظام الصحي ـ الاجتماعي في اميركا والكتلة الغربية الموالية لها، بعكس الكتلة المناوئة لاميركا التي تصدت بحزم للوباء وامكنها السيطرة عليه، على الاقل حتى الان، وذلك بالرغم من جميع العقوبات والحرب التجارية والمقاطعة التي تشنها اميركا وكتلتها ضد دول "المحور الشرقي الجديد".
ولعله من المفيد ان نذكر هنا من باب المقارنة ان الميزانية العسكرية لروسيا والصين وايران تبلغ حوالى 50 مليارا، و150 مليارا، و20 مليار دولار للدول الثلاث بالتتالي. في حين تبلغ ميزانية الولايات المتحدة الاميركية 750 مليار دولار، والميزانية المشتركة لحلف الناتو حوالى تريليون (الف مليار) دولار، وهذا عدا عن الميزانية الحربية الضخمة لكل دولة اوروبية غربية على حدة. وبموازاة هذه النفقات العسكرية الفلكية لاميركا والدول الناتوية الغربية، فقد ظهرت بشكل فاضح هشاشة المنظومة الدفاعية الصحية والنظام الصحي عموما للدول الناتوية وعلى رأسها اميركا. وهذا يعني ببساطة ان النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري الاميركي والغربي قد خسر المعركة وسقط في الامتحان، وتأكد ان هذا النظام هو نظام للاحتكارات الرأسمالية الكبرى وللتسلح والعدوان والقتل، ولكنه ليس بأي شكل من الاشكال نظاما للدفاع الفعال عن شعوبه بالذات، التي هي ضحية لهذا النظام في كل الحالات السلمية وغير السلمية.
لقد وجه الوباء ضربة شديدة لـ "حضارة السوق" الغربية، وقلب ميزان التوازن العالمي رأسا على عقب، وكشف تماما الزيف الكلي للنظام الرأسمالي الليبيرالي، وحقق نوعا من الانقلاب في مفهوم النظام العالمي السائد والمفروض من قبل اميركا حتى الان. والثمن الاكبر تدفعه اميركا ذاتها التي تمثل العمود الفقري لهذا النظام. وقد بدا الوباء وكأنه آخر مسمار في نعش ايديولوجية العولمة والزعامة العالمية لاميركا. وفيما يتعدى كل الاتهامات التي وجهت اليها حول عدم الشفافية في الاعلان عن الوباء، فإن الصين اسرعت لمد يد المساعدة لعدد كبير من الدول الاوروبية وغيرها، لمكافحة الوباء. وفي الوقت ذاته انكشف الخلل في النظام الاطلسي النيوليبرالي، القائم على الارتباط المتبادل والمطابقة فيما بين دول الاتحاد الاوروبي، وبينها وبين الولايات المتحدة الاميركية.
واصبح هناك الان سيل من التحليلات والتوقعات حول النظام العالمي الجديد خلال انتشار هذا الوباء وخصوصا لما بعده.
وفي هذا السياق تبينت افضلية وجود انظمة دولة تعتمد بقوة على القطاع الاقتصادي العام وتمتلك توجهات مجتمعية شاملة ايا كانت الاختلافات في ايديولوجياتها القومية او الاجتماعية ـ السياسية او الدينية، كما هي روسيا والصين وايران.
لقد نزع وباء الكورونا "الاقنعة الحضارية" عن وجوه اميركا والدول الغربية الاخرى التي لم تتقاعس فقط عن تقديم المساعدة للغير وحتى لبعضها البعض، بل وصل بها الامر الى حد الاستيلاء على المواد الطبية العائدة للغير. ولهذا يرى الكثير من المحللين انه في حال طالت فترة الوباء او ما بعدها ستحدث مراجعة للستراتيجية الوطنية والعولمية للدول الغربية، وستحدث زلازل سياسية في العلاقات بين اوروبا واميركا من جهة، وفي داخل الاتحاد الاوروبي من جهة ثانية، وزلازل سياسية واجتماعية داخل اميركا والدول الاوروبية من جهة ثالثة.
ولقد انحدرت اميركا من موقع "الزعيم" الى موقع "الرجل المريض" داخل الكتلة الغربية. وهذا يعني انها خسرت الجولة الاولى من الحرب الباردة الثانية بينها وبين "المحور الشرقي الجديد" المتمثل في روسيا والصين وايران. وليس من الصدفة ان الدهقين هنري كيسينجر ذاته كتب مؤخرا مقالة في "وول ستريت جوررنال" تحدث فيها عن انهيار النظام الليبيرالي العولمي.
والولايات المتحدة التي لا تزال تسيطر عليها اوهام الزعامة العالمية لم تعد لها حظوظ نجاح في مرحلة ما بعد الكورونا، لان تهافتها الخاص قد انكشف للجميع، وكل تهديداتها وعقوباتها وعدواناتها لم تعد تخيف احدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استئناف مفاوضات -الفرصة الأخيرة- في القاهرة بشأن هدنة في غزة


.. التقرير السنوي لـ-مراسلون بلا حدود-: الإعلام يئن تحت وطأة ال




.. مصدر إسرائيلي: إسرائيل لا ترى أي مؤشر على تحقيق تقدم في مسار


.. الرئيس الصيني يلتقي نظيره الصربي في بلغراد ضمن جولة أوروبية




.. جدل بشأن هدف إنشاء اتحاد -القبائل العربية- في سيناء | #رادار