الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونيات (8)

محمد بقوح

2020 / 4 / 23
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


استيقظت باكرا. فكرت. أنا البصير ككل ملتزم بعزلته المختارة، وغيري من الخوارج أعمى لا محالة. الساعة تشير إلى الثامنة و النصف صباحا. هذا الوقت بالنسبة لزمني المعطل بسبب كورونا، وقت مبكر. امتدت يدي إلى الهاتف النقال الذي بات أكثر نشاطا مني. الرقم 143. عدد الإصابات المؤكد بالفيروس اللعين. كورونا. انتقلنا في مغربنا الحبيب من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. تحرير الوطن. نحن بلا شك في حرب غير معلنة. الجهات الرسمية، بعد فرض الحجر الصحي، وفرض حالة الطوارئ، وحظر التجول.. تم بدءا من البارحة فرض إجراء وقائي جديد هو تقييد أمكنة التنقل. إنه كلها تجليات مؤشر الحرب التي يخوضها العالم ضد فيروس كورونا. سلاحنا الوحيد لردعه هو محاربته بما سمي بالحجر الصحي. بالتزام جميع ساكنة الأرض بالبقاء في بيوتهم. لقد خرجت الصين منتصرة في معركتها مع كورونا بنفس السلاح. بتجنبه و الاختفاء وليس بالتعنت والدعاء و العناد معه.
نهصت من فراشي. شعرت بصهد واضح. فكرت في الجو الحار الذي يمكن أن يطوق أنفاس كورونا اللعين. هذا ما قرأته في إحدى المنشورات الفايسبوكية. فتحت النافذة. عانقتني أشعة الشمس الدافئة ككل صباح. نظرت بعيدا إلى الشارع، في اتجاه الساحة أمامي. أجواء ساكنة وهدوء تام يسود. كأن الزمان توقف. أكاد ألمس هذه السكينة خارج البيت. المكان قائم والزمان منعدم. عدت بنظري إلى النخلة الشامخة التي تحرس مقامي. حارسي الوحيد في الحجر الصحي. عزلتي ليست غريبة عني. بل ربما جاء الوقت لأقول للتاريخ أنك أخطأت حين وفرت الشروط لهيمنة الآلة. بعد الآلة تجبر الإنسان الآلي. صارت المدينة مجمعا لعبيد جدد. مصيرين ومتحكم فيهم كالآلات تماما.
هبوب ريح خفيفة تحرك سعف النخلة أمامي. لونها الأخضر ضمن نسيج ألوان الشمس، صامد بليغ كعادته حين ينتعش في فصل الربيع. تأملت أشعة الشمس التي ترقص بيني وبين النخلة الواقفة، و القريبة مني. نفس الألوان ونفس الضوء الذي يزورنا كل يوم في مدينتنا و على أرضنا. الأرض البشرية التي باتت قريبة من الخراب بسبب فيروس كورونا. هل هو التحقق الفعلي لنبوءة قصيدة أرض الخراب لإليوت.. ؟ أتمنى أن تكون هذه الفكرة مجرد إحدى هلوساتي الصباحية. خرجت من غرفتي قاصدا المرحاض. غسلت وجهي. الماء دافئ إلى حد ما. نظرت إلى قنينة الصابون وكأنها تحدثني. تبتسم في وجهي. تتوقع أن تمتد إليها يدي. فكرت. لا داعي لاستعمال الصابون ما دمت بعيدا عن اللعين كورونا. أنا رهين الداخل ولست من الخوارج.. الكائن المجهري الذي زلزل العالم بكامله. مسحت وجهي ثم خرجت. اتجهت إلى الباب الخارجي للبيت. فتحته. رأيت السماء كما تركتها البارحة. ربما ستمطر.. زقزقات العصافير وأحاديث الطيور التي لا أفهمها، تصلني من شجر الإقامة. الطيور غير معنية بكورونا. تمنيت لو كانت لدي أجنحة. لكنني تداركت في التفكير. المشاة بالقدمين على الأرض وحدهم من استطاع أن يمكن هذه الأرض حية إلى حد الساعة. لهذا لابد أن تبقى هذه الأرض والحياة فوقها لمن يستحقها.. لابد من مواجهة هذا الوباء اللعين بسلاح الفكر و التنظيم، و العقل الإنساني المدبر. وليس بالهروب منه.. عدت إلى المطبخ. امتدت أصابعي إلى برتقالة. أكلتها جالسا على الطيراس.. الكرسي محضرا دوما للجلوس بصحبة كتاب وفنجان قهوة.. فكرت في موقف نيتشه من أوربا وحضارتها السريعة التي انفجرت في بداية العصر الحديث.. ق 17..خاصة مع الإفراط في المكننة و التصنيع.. وما نتج عن ذلك من دكتاتورية المال وعولمة السلطة وموت الإنسان.. ثم بعد ذلك، تكريس الفكر القبلي وعقلية القطيع والخرافة في الأمم المتخلفة عن ركب تلك الحضارة، لضمان ضعفها وتبعيتها لها، وللسيطرة على الموارد الأرضية و البحرية لصالح طغاة العالم المتحكمون بالقوانين الشرعية، وبصناديق الاقتراع الشفافة في مصير الأفراد والشعوب.. ظهرت فلسفة نيتشه في القرن 19 لتقول لا وألف لا لعالم التفقير والتجهيل والتسليم.. لا لحكم طغاة الأسياد و اندحار العبيد الجدد.. عبيد يخضعون بمحض معرفتهم و علمهم و إرادتهم للسيطرة و التفقير و التشييء.. لهذا، ووجه نيتشه كفيلسوف معارض لكل عصره، بالعنف والتشويش، وحورب فكره الفلسفي النقدي من طرف دولته ألمانيا أولا.. ثم من طرف أوربا كلها ثانيا.. لأنه انتقد واقعها العبثي المبني على الفراغ القيمي الإنساني. قال عن الحضارة الأوربية في عصره بأنها مريضة.. وكان بالأحرى أن تقتدي في نموذجها التنموي الذي سمته بالحداثي، بواقع حياة الحضارة الإغريقية قبل المرحلة السقراطية. وإذا استمرت في انهاك وإهمال الإنسان كقوة فكرية، تحركها القيم قبل النزوعات المادية والمالية.. لابد أن تنتهى إلى مشاهد تراجيدية شبيهة بما نراه اليوم مع محنة فيروس كورونا المستجد.. هل يمكن القول، أن فلسفة نيتشه يسجل لها هذا السبق في التنبؤ بالمستقبل المأساوي لأوروبا وللعالم بأسره، نتيجة استسلامه الواضح لقدر سلطة الرأسمال المادي المفرط والمتوحش، على حساب العمق الفكري والاجتماعي وقتل الإنسان كمنظومة قيم.. ؟؟؟
توقفت عن التفكير. هذه الأسئلة وغيرها من القضايا باتت الهم اليومي لإنسان اليوم.. حتى الناس العاديين أصبحوا يشعرون بها، وإن كانوا لا يطرحونها في روتينهم اليومي.
فتحت كتابا. منطقة أيت باعمران-ملحمة البطولة لمحمد الوديع الأسفي. كان ضمن الكتب التي اخترتها لزمن العزلة ومضادها كورونا. قرأت سطرا واحدا. أغلقت الكتاب.. نظرت حولي إلى حديقتي الصغيرة.. وقفت. وريقات النعناع تتفسخ.. ربما قد يكون ذلك نتيجة المرض. أمعنت النظر في الورد والإحباق وأنواع أخرى من مزروعاتي.. كانت كلها سليمة.. الأصل هو المرض. لهذا فالأجسام كيفما كانت مطالبة دوما وأبدا بتوقع المرض، والعمل على هزمه بتقوية إجراء الوقاية المستمرة، قبل السقوط في فخ خبيث قد يصعب الإنفلات منه..
عالجت الوضع بتغيير النعناع.. تغيير جذري بنبات الخزامى المعطر .. ثم شذبت ما يلزمه التشذيب. فسقي وري..
ثم انتهت الحكاية..
24- 03- 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية