الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات عجلات الزمن والعربات

سعد محمد موسى

2020 / 4 / 23
الادب والفن


كانت العربة الخشبية المتهالكة تتكأ على جدارٍ عتيق حفر فوق تضاريسه تأريخ الأزمنة المتعبة وتداعيات العابرين الذين يتأملون ظلالهم على الجدار وهم ينقشون طلاسمهم وذكرياتهم على السطح الذي بات متحفاً لذاكرة المحلة الشعبية البائسة والمنسية في أطراف محلة " السيف"
لقد إعتاد أهل المحلة مشاهدة العربة القديمة الموثوقة من حافة عجلتها بسلسلة حديدية الى عمود الكهرباء الخشبي وهي تسترخي في قيلولتها بعد عملها المضّني كي تأخذ قسطاً من الراحة.
بينما صاحبها الكادح القنوع الذي توارث العربة النبيلة الموشومة بعبارة "هذا من فضل ربي" من أبيه الذيّ أحيل الى الشيخوخة . حين نزح الاب مع عائلته قسراً في سنوات الجفاف من أعماق الاهوار بعد أن أحرقت طائرات النظام قصب البردي ونفقت الجواميس وترك مشحوفه وجاء الى المدينة وصنع تلك العربة الخشبية.
كان الحمّال يقطع الأزقة باتجاه سوق "الصفاة" ملوحاً بالتحايا الى رفاقه من العتالين والحوذيين والبقالين وهو يشكر الله بما حصل عليه من قوته اليومي الكافي لشراء أرغفة خبز وخضار الى أطفاله الجياع الذين ينتظرون عودته في الدار والتي لا تقل شقاءاً عن العربة في أطراف مدينة الناصرية القريبةً هناك من موقع "زقورة أور" حين أخترع أسلافه السومريون أول عجلة في تأريخ البشرية في تلك المملكة المعجونة بأساطير سحر الطين وأزلية الرافدين.
ثم أورثوا عرباتهم من طرقات "أوروك ولارسا"
الى أحفادهم الذين حملوها بالكد وعذابات الأزمنة والى طرقات الناصرية وأسواقها وأزقتها المعفرة بغرين نهر الفرات.
ربما كانت فكرة إختراع العجلة نابعة من تأمل أحد الحكماء أو الفنانيين السومريين حين تجلت في مخيلته قطع جذع شجرة ضخمة بشكل عرضي ودائري كي تكون ولادة مشروع العجلة أو نحت فكرة العجلة بالطين ثم جففها تحت الشمس والقاءها وفخرها في تنور النار.
بعدها تنوعت صناعة العربات ما بين عربات الدفع اليدوي الى عجلات تجرها الثيران والخيول والحمير.
ثم تطورت الى عجلات خشبية وعبر الحقب الزمنية تطورت وتحورت الى عجلات حديدية وبعدها تحورت الى إطارات مطاطية تحيط عجلات مصنوعة من مادة الالمنيوم.
لكن العربة التي دخلت الى المدن والاسواق والارياف والحقول بقيت مصدر رزق وعمل للناس البسطاء وواسطة عمل للبناء والصناعة والزراعة والري والطحن وصناعة الفخار.
ما زلت أنظر للعجلة السومرية من المنظور التأريخي والحضاري إنها إختراع أنساني وجمالي لا سيما أن الحضارة السومرية كان جّل إهتماماتها في الزراعة والتجليات الروحية والدينية والمعابد.
لكن العجلة وتطور العربة حين أستخدمها فيما بعد الأشوريون والإغريق والرومان في الحروب والغزوات العسكرية والذين كانوا يرمزون بها لقوتهم وهيبة سلطتهم وملوكهم ومقاتليهم القساة من ذويّ العضلات المشدودة تعطي مقارنة مختلفة عن مفهوم وبراءة اكتشاف العجلة السومرية الأولى التي كان يدفعها المزارع الطيب والمسالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا