الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا وإعادة النظر في التعريفات.

الاعرج بوجمعة

2020 / 4 / 24
كتابات ساخرة


عُرّف الإنسان على أنه كائن اجتماعي، أي يميل بالفطرة إلى الاجتماع والتعاون مع بني جنسه(ابن خلدون)، لكن مع كورونا الوضع اختلف، وعلينا إعادة النظر في هذا التعريف ليتلاءم مع ظروف الحجر الصحي، حيث أصبح الإنسان يعيش منعزلًا، بعيدا عن الجماعة ووحدتها ولُحمتها، مما فقام من وضعه النفسي المتأزم، وكأننا أمام عقاب إلهي، بنفس العقاب الذي تحمله "بروميثيوس" عندما سرق النار من الآلهة ومنحها عطفا منه للبشر، فواقع كورونا ينبئ "بثورة كوبرنيكية" ستقع في نظام الطبيعة، ستتغير التعريفات وموازين القوى، وسيعاد طرح سؤال ما الإنسان؟ في أبعاده الوجودية، والروحية، والاجتماعية والاقتصادية، سيعاد النظر فالأولويات داخل الحكومات، والنظم السياسية، هل الأولوية للتعليم والصحة أم للفن والرياضة؟
فمن تتبع المشهد السياسي سيدرك أن القيمة ينبغي أن تكون للعلم في مناحيه المتعددة، وخاصة الجانب الذي يخدم الإنسان في بعده الطبي، أي الاهتمام بالصحة، لكن قد يتساءل أهل السوسيولوجيا، أن الاقتصاد لا ينفصل عن الدين (ماكس فيبر)، يعني الاهتمام بالعلم وبالاقتصاد، ينبغي أن يوازيه اهتمام بالبعد الروحي، أي حقوق الإنسان، لن تكتمل إلا بإدراج الجانب الروحي، التعبدي في قائمة حقوق الإنسان، وهنا نجد اليوم الدين يعود بقوة إلى الساحة، ولا أقصد هنا الاستغلال السياسي للدين، وإنما أقصد حق الإنسان في تعبد روحي، يحضرني صراع "محمد أركون" وسط المناخ الفكري والجامعي الفرنسي، كان يصرخ دائما أن "العلمانية الناقصة" حرمت الفرنسيين من بعدهم الروحي، فجعلت منهم كائنات مادية، ينقصها الجانب التعبدي الشعائري كحق من حقوق الإنسان، لذا كان يدعو (أركون) إلى "علمانية منفتحة"، منفتحة على الدين وعلى القيم الروحية الأخرى.
فالمدخل الأساسي لتحقيق مطلب إعادة النظر في التعريفات، هو فتح المجال للسوسيولوجيين والانثروبولجيين، لرسم خريطة الإنسان ما بعد العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، بحيث ظهرت قيم جياشة عند الأفراد، على سبيل المثال نجد في المغرب تعاطفا مصطنعا أو مبالغ فيه في زمن كورونا، فانتشرت قيم التضامن والغيرية، كما انتشرت أيضا قيم الأنانية والفردانية السلبية، عندما تخوف المغاربة من كورونا وتوجهوا إلى المحلات التجارية، فأفرغت عن بكرة أبيها، وكأن الفرد لم يبال بالجار غير الموظف، غير الحكومي، الذي يكسب رزقه من تعبه اليومي، فهنا السوسيولوجيا كعلم قائم بذاته يمنحنا فرصة لتشريح المجتمعات ما بعد كورونا.
قلت السوسيولوجيا هي المدخل لمقاربة المسألة الدينية في المجتمعات، حيث التعبد الشعائري للأفراد تأثر أيضا بفيروس كورونا، حيث ثم إلغاء كل المناسبات الدينية، سواء عند المسلمين، كصلاة الجمعة أو الصلوات الخمس في المسجد، أو أيضا فريضة الحج، كطقس تعبدي أساسي عند الفرد المسلم، وأيضا أُلغيت التجمعات الدينية عند اليهود والمسيحيين، كنتيجة لتفشي وباء كورونا. فالسوسيولوجي لا ينبغي أن يتسرع في الحكم، وإعطاء نتائج سريعة، وهذا ما يميز السوسيولوجي عن الصحفي، هذا الأخير مطالب بتقديم تعليقات يومية وسريعة عن الحالة المجتمعية، أما عالم الاجتماع يتوخى الحذر في إصدار الأحكام، وبالتالي متى يصبح الوباء ظاهرة سوسيولوجية؟ كجواب سريع هو عندما تكون الظاهرة قابلة للتكرار، ويمكن عزل عناصرها المدروسة.
من وجهة نظري، أن واقع ما بعد كورونا سيكون أصعب، لذا نحن في أمس الحاجة إلى قيم إنسانية نبيلة، أو إلى "دين الإنسانية" حسب تعبير "أوجست كونت"، لأن في لحظة الألم، تنتفي الخلافات والأيديولوجيات ونتوحد لخدمة الوطن، ولخدمة الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب