الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نساء عبد الله قش والعنف المركّب

هدى بحروني

2020 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


شهد مجتمعنا التونسي في السنوات الأخيرة، تصاعدا كبيرا في وتيرة العنف وتعدّدا في أشكاله في مختلف الفضاءات العامّة والخاصّة بشكل لافت للنّظر، ولم تكن الحياة السياسيّة إلّا مسرحا للتّدافع والصّدام والعنف المتبادل بين الفرقاء السّياسيين(حزب النهضة ، حزب نداء تونس، الجبهة الشعبية...)، فقد كان البرلمان مشهدا يوميّا حيّا على خصومات استخدم أطرافها أشكالا مختلفة من العنف كالكلام النّابي والتّنابز بالألقاب والتّراشق بالتّهم، وآخرها ما صرّحت به النّائبة عبير موسي عن "الحزب الدستوري الحر" من تعرّضها للثّلب من قبل زميلها عياض اللومي عن حزب "قلب تونس""، فقد ادّعت أنّه قال لها أثناء انعقاد جلسة لجنة الماليّة بتاريخ 21أفريل 2020:" أنت بلاصتك في عبد الله قش"، وهو ما أنكره هو في وسائل إعلاميّة مختلفة. وقد اختلفت المواقف ممّا وقع خاصّة على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، فانقسم المتفاعلون إلى شقّين أحدهما يناصر النّائب ويرى أنّه ضحيّة ادّعاء كاذب لغياب الدّليل الماديّ المدين له، والثّاني يدافع عن النّائبة ويعتبر الاعتداء عليها هو اعتداء على المرأة وعنف ضدّها، ومن أمثلة ذلك موقف القاضية كلثوم كنو الّذي نشرته في شكل تدوينة على حسابها الفايسبوكي بتاريخ21 أفريل 2020:" كان بالحق فما نائب قال لزميلته: مكانك في" عبد الله قش " ويقصد بذلك ماخور ( سامحوني في الكلمة) هذا النائب ارتكب جريمة ممارسة عنف سياسي ضد المرأة مبني على الجنس نص عليها الفصل 4 من القانون عدد 58 المؤرخ في 11 أوت 2017 ولازم تتقدم ضده بشكاية". وكلا الموقفين ذكوريّ بامتياز، غير أنّ الفرق بينهما أنّ الأوّل صريح معلن والثّاني ضمّنيّ يوهم بالدّفاع عن المرأة ولكنّه في الحقيقة دفاع نخبويّ يناصر النّساء بالنّظر إلى انتماءاتهنّ الطّبقيّة. فها هي القاضية تعلن عن موقف تسكنه تناقضات فاضحة تجلّت في مستويين: مستوى أخلاقويّ دلّ عليه ما ورد بين قوسين من اعتذار على استعمال كلمة" ماخور"، معتبرة أنّها كلمة محرجة وخادشة للحياء، ومستوى نسويّ يحاول أن يوهم بمناصرته لكرامة المرأة من خلال تجريم النّائب وحثّ النّائبة على التّقاضي لردّ اعتبارها. ولكنّها مناصرة على المقاس، أي إنّها أخضعت النّساء الحاضرات والغائبات في هذا الخطاب إلى الفرز والتّرتيب واعتبرت أنّ عقد المشابهة بين نائبة في برلمان ومومس في ماخور عنف سياسيّ وجريمة تقع تحت طائلة القانون.
وهنا نتساءل، هل كانت المواقف ستصمد على" مبدئيّتها"لو حصل العكس، أي لو شتم أحدهم "مومسا" مشبّها إيّاها بنائبة في برلمان؟ قطعا سيكون الأمر من قبيل السّخرية والهزل وتنتفي عنه صفة العنف، فنحن نعيش في مجتمعات تضع "العاملة بالجنس في موقع الإدانة والاتّهام لا في موقع الضحيّة، ونسمع فيها خطابات تحمّلها مسؤوليّة اختلال الأمن الاجتماعيّ، وتدنيس الرأسمال الرّمزيّ وتلويث الشّرف الذّكوريّ. ولا ترى أنّ "عاملات الجنس"" هنّ في الحقيقة ،ضحايا حيف مجتمعيّ متراكم عبر الزّمن. فهنّ ضحايا سلطة ذكوريّة تعبد الشّرف ولكنّها لا ترى مانعا في أن تعيش من التّجارة بالجسد، وضحايا الدّولة الّتي تخلّت عن دورها إزاء الطّبقات الاجتماعيّة الهشّة ولم تحقّق المساواة في فرص العمل، بين النّساء والرّجال بل أسهمت في تعميق الفجوة بين النّوعين وحتّى بين المنتمين إلى النوع الواحد. فأقصى ما قدّمته لهذه الفئة من النساء هو مأسسة الجنس بشكل يضمن تسليع أجسادهنّ ويستديم استعباد الرّجال لهنّ، ويتيح لخزينتها الانتفاع بجزء من عائدات المواخير في شكل ضرائب مفروضة، ولكنّها تتخلّى عنهنّ عند انتهاء صلاحيّتهنّ وتتركهنّ بلا حماية ولا تغطية اجتماعيّة. وقد عرّى استحضارهنّ في خطاب الوصم زيف شعارات المساواة والعدالة والديمقراطيّة والمواطنة والحداثة الّتي يرفعها الكثير من السّياسيين والحقوقيين ويزايد فيها كلّ طرف على الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة