الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصم المصابين بكورونا...ينشر العدوى

عبدالله حناتله

2020 / 4 / 24
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الوصمة هي محاولة تصنيف شخص أو مجموعة ممن يتشاركون بخصائص معينة مثل الحالة الاجتماعية، أو الصحية، أو الاقتصادية، أو الإصابة بمرض ما، أو التعرض للإصابة به، ووصفهم بصفات ونعوتٍ سلبية، بهدف تمييزهم وتحديد طرق التعامل معهم؛ هذا السبب الظاهري للوصمة، أما السبب الأكثر عمقاً؛ فهو محاولة التصنيف بـ (نحن وهم) وهي محاولة لاستثناء (نحن) مما يتعرضون له (هم)، وإخلاء مسؤوليتنا عما يحدث لهم، والوصمة في سياق الصحة هي الربط بين شخص أو مجموعة من الأشخاص يشتركون بخصائص معينة أو بالإصابة بمرض وما ينطوي عليه هذا الربط من إقصاء ورفض.
ولا شك أن فيروس الكورونا( (COVID19 نال من الوصم والتمييز ما لم يصل اليه سوى فيروس نقص المناعة البشري(HIV)، وذلك بسبب الرُّعب والفزع الذي اجتاح العالم مع انتشار جائحة COVID19 كونه فيروس مُستجد، مجهول يكتنفه الغموض، العلم يعتريه النقص أمام كشف جوانبه المختلفة، إضافةً الى قدرة الفيروس الفائقة على سرعة الانتشار الذي أصاب حتى الآن ما يزيد عن مليونين ونصف المليون شخص، وتسبب بحدوث ما يزيد عن مائة وخمسة وسبعين الف وفاة، كما ساهم انتشار المعلومات المغلوطة التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي وما رافقها من شائعات في زيادة الوصم والتمييز، ناهيك عن المغالطات الإعلامية التي شكلت و تشكل اللغة الشعبية في التواصل حول الفيروس، وأكثر ما عزز الوصم والتمييز شدة التخوف والتهويل الذي قامت بها بعض المؤسسات وبعض المختصين بلغة مرعبة ومفزعة حول الفيروس ، والتشدد بإجراءات دفن المتوفين بسبب COVID19 الذي قاد عائلة طبيبة متوفاة بسبب COVID19 في مصر الى رفض دفنها في مقابر العائلة، وفعلت عائلة الزوج الأمر ذاته، كلُّ ذلك عزَّز من الاتجاهات والمواقف السلبية الواصمة والمميزة تجاه المصابين بالفيروس والأشخاص المعرضين للإصابة به.
إنَّ ما تتناقله وسائل الإعلام؛ ويقوله أصحاب الاختصاصات عبر الشاشات والفضائيات يساهم في صياغة وعي الناس ويؤثر في استجابتهم ، ونظراً لتركيز الخبراء على الجانب العلمي فهم يُغفلون تأثير بعض الكلمات على المتلقي خاصة إذا كان لها ارتباط بدلالات غير محببة في الذهنية المجتمعية ما يغذي المواقف والاتجاهات المعززة للخوف والرفض للآخر فمثلاً كلمة الحجر والعزل كلاهما لفظان يدلان على معاني الابتعاد والانعزال وسمعنا في بداية الوباء احتجاج البعض على استخدام لفظ الحجر وقال أنه لا يليق بالبشر علما بأن الحجر الصحي كلمة ذات دلالة محددة في علم الوبائيات، كما يستخدم الخبراء في الحديث عن توقع الإصابة أو التعرض لها التعريف الوبائي فيقولون المشتبه بهم أو الحالات المشتبهة؛ وهي ألفاظ لها في الذهنية المجتمعية دلالات بوليسية أو جرمية، ولها وقع سلبي على السامع، ومن خلال المتابعة الإعلامية الحثيثة لعدد الإصابات المسجلة والفحوصات التي تجرى تستخدم عبارات: عدد الحالات الإيجابية والأخرى السلبية، علماً بأن اللفظ الأكثر ملائمةً هو الحالات الموجبة والحالات السالبة ابتعاداً عن وصف الإيجابية لمن تثبت إصابتهم وكأننا فرحون بذلك والسلبية لمن تثبت عدم إصابتهم وكأننا حزينون لذلك، كما كنا نسمع من وسائل الإعلام والخبراء عند الحديث عن الحجر الصحي قولهم إخلاء سبيل المحجورين أو إطلاق صراحهم أو فك الحظر عنهم، وهي أيضاً كلمات ذات دلالات ترتبط بالعقاب وحجز الحرية، وهذا ما يعزز الوصم والتمييز في حين من المفضل وصف ذلك بكلمات توحي بفعل يقومون به ويشيرُ إلى ارادتهم له مثل سيعودون الى منازلهم أو سيغادرون الفنادق خاصة أنَّ التجربة الأردنية كانت رائدة في هذا المجال.
تجلت الوصمة والتمييز عندما وصِفَ المرض’ بأنه صيني المنشأ، ووصف الصينيون بأنهم أولئك الذين يأكلون الحشرات ولحوم القطط والخفافيش؛ بل ذهبنا إلى أنَّ المرض أصابهم لعنة من الله، ما قاد نفر بالاعتداء على شخصٍ من جنسية آسيوية بالضرب المبرح هذا الشخص الذي حمَّله شكلُ عينيه مسؤوليةَ كورونا، وعكست مواقع التواصل الاجتماعي نبض الشارع الواصم عندما انهالت على المريض الذي خرج أو هرب من مستشفى الأمير حمزة بأقذع الشتائم والسباب، وعلى الطبيب الذي عاد من إسبانيا، وتسبب بنقل العدوى لعدد من أفراد أسرته بوصفه بالجاهل، والمطالبة بسحب شهادة الطب منه، ولم تنجُ الممرضة التي فقدت أَعزَّ الناس اليها والدها وجدتها حيث جُرّمت اجتماعياً وتم تحميلها المسؤولية ، واتهمت بقلة المعرفة والوعي؛ بل تجاوز الأمرُ ذلك إلى تناقل الفيسيبوكيين والواتس أبيين تهماً لكل الكوادر الصحية من أطباء وتمريض وصيادلة وغيرهم، وبدلاً من تعزيزهم والوقوف إلى جانبهم، وتقدير المجهود الذي يبذلونه صار البعض يستظرف عليهم ويسخر منهم، كما تعرض صبحي العامل في أحد مستودعات الأدوية، والذي أخفى سبب وفاة الده إثر إصابته بـ COVID19 - تعرض لتنمرٍ مجتمعيٍ وعنفٍ غير مسبوقين، دون أن يتريث أحد ويفكر بهؤلاء وحجم ما يعانون من إحساس الفقد أو تأنيب الضمير أو الندم بتحميل البعض نفسه مسؤولية نقل العدوى لأقرب وأحب الناس اليه ، ولم يفكر أحد بالدوافع وراء تصرفاتهم تلك والعوامل التي قادتهم اليها.
نعم نحن حكميّون لا نتردد بإصدار الأحكام، ودوماً ننظر إلى أن العرس عند الجيران، ولم يجرب أحدٌ منا وضع نفسه بمكان من نحكم عليه؛ ولو لدقائق محدودة، ودونما أن نفكر بأننا قد نكون جزءاً من دوافع سلوكياتهم تلك لأننا نحن من نخافهم ونخوفهم، ونصمهم ونعزلهم، وإن لم نعِ هذا الأمر جيداً سيكون له انعكاسات سلبية على هؤلاء الأشخاص وذويهم وأطفالهم، ولنا أن نتخيل حالة تنمر يتعرض لها طفل في المدرسة يتبعه مجموعة من الأطفال ينادونه (يا إبن المكرّوِن) والأذى النفسي الذي سيلحق به.
ولا تقف آثار الوصمة والتمييز على الأذى النفسي الذي يلحق بالشخص الذي اكتسب العدوى وذويه أو من يُتوقع بتعرضه للعدوى، بل تتجاوزه أحيانا الى البلدة أو القرية أو المدينة بل إلى دولة بكاملها ومجتمع بأسره. ولا تقف أيضاً آثارها عند حرمانهم من الخدمات، وتشكيل عائق أمام التماسهم لها، بل قد تحول دون طلب إجراء الفحص لمعرفة الإصابة، ما يقود الى إخفاء الإصابة، وانتشار العدوى، وعدم السيطرة على المرض، وتقويض التماسك الاجتماعي، وثني الناس عن تبني السلوكيات الصحية ويؤدي الى نتائج وخيمة ليس أقلها انهيار النظام الصحي؛ وما يتبعه من آثار اقتصادية واجتماعية.
وحيث أننا نحن جزء من عوامل الوصمة والتمييز؛ علينا أن نكون جزءاً من الحلِّ أيضا، فواجبنا اليوم هو الوقوف جميعاً إلى جانب المرضى ومساندتهم ودعمهم والتعاطف معهم، وعلى الخبراء والمختصين الحذر في المصطلحات التي يستخدمونها، بل عليهم استخدام المصطلحات البديلة التي تعزز الإيجابية، وعلى الإعلام أن لا يكون شغوفا بالأرقام قدر تركيزه على القصص الإخبارية، والبرامج الإعلامية التي تتناول معاناة من أصيبوا بـ COVID19، وبيان كيف تغلبوا على الإصابة، وكيف كان لأسرهم ومحيطيهم دور في دعم محبيهم وشفائهم؛ وذلك لتقديم مثال إيجابي في مقاومة العدوى والشفاء من المرض، ويجب أن ينزع الاعلام فتيل الرعب الذي ينفجر وصماً وتمييزاً في المجتمع وعليه أيضاً تنفيذ حملات إعلامية لأبطال المرحلة من مقدمي الرعاية والخدمات الصحية تكريماً لهم لما يبذلون من جهد، ولما يتعرضون له من احتمالية الإصابة، وكذلك لتعرضهم لأنواع من الوصم والتمييز، وتخوف محيطهم منهم لأنهم على خط التماس والمواجهة مع الفيروس، وعلينا نحن استقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة فقط، ومحاربة الشائعات والمغالطات، والمساهمة في رفع الوعي ومحاربة الوصمة والتمييز، واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي بما ينفع وليس بما يضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل