الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن نستفيد من عزلتنا

سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)

2020 / 4 / 25
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لن نستفيد من عزلتنا !‏
وكان الحكيم المعروف سينيكا (4 ق م – 65 م) من الذين غضب عليهم "نيرون" وآثر ‏العزلة إلى أن حاك له جملة اتهاماتٍ؛ وفتَك به، وقال بحق عزلته: "قرّرت الانغلاق بين أربعة ‏جدران، لا أحد يستطيع أن يسرق مني نهاري"‏‎.‎‏ ترى؟ من الذي يسرق النهار؟ ‏
إنّ أكثر الأوقات اقتراباً من السعادة عندما يكون الإنسان بمفرده. صحيحٌ لا نعرف ‏المقصود تماماً بمفردة السعادة، غير أنها هدف لا يستهان به، ربما لو كنا نعرفها ما كنا نجدّ في ‏طلبها، فالأوقات التي نُخمّنها أوقاتَها، هي الأوقات التي لا يعترف بها الزمن؛ فنعتقد أنها وراء ‏جدار ما، أو بعد يوم ما، أو قبل يوم ما. فالعزلة التي قررها "سينيكا" قبل مقتله؛ كان يتوقع ‏السعادة فيها، يجول في أنحائه الداخلية، يتعرف على كلماته التي لم ينطقها، أو يتعرف أكثر على ‏آخرين يقيمون فيه من صغره، أو يحاول أن يبحث عن ابتساماتٍ مخنوقة ليمدها بالحياة وتمده، ‏أو يداري أحزانه المكبوتة حتى لا تنفجر في وجهه دون أن يدري أحدٌ سبب الانفجار. ربما تكون ‏السعادةُ في العزلة. ولكننا نرى أنّ شروط العزلة الناجحة، هي أن لا يدخلها التلفاز وفي ألوانه ‏حشدٌ هائل من المنغِّصات التي لا تدعك وحيداً، فتسرق نهارك منك، وليلَك. كذلك ينبغي أن لا ‏تكون نوافذ حاسوبك مفتوحةً على محترفي النكَد اليوميّ، من الذين يستمتعون بما يسرقون من ‏أطراف حياتك الخاصّة. وهناك شروطٌ كثيرة ينبغي توافرها لتحقيق العزلة الناجحة كي نعيد ‏صياغة الأفكار والأوهام واللغة، وأبرز ما يجب توافره من الشروط هو أن لا تكون تلك العزلةُ ‏بالإكراه، سواء أكان من يمارس الإكراه "فيروس" قاتل، أم حاكم ظالم، أم حربٌ شعواء لا تميز ‏الخبيث من الطيب....‏
انتهت عزلة "سينيكا" بمقتله، كيف ستنتهي عزلتنا الكورونية، ولو كان ادعى أنه قرر ‏العزلة، إلا أنّ الفاعل الحقيقيّ المؤثر في اتخاذه هذا القرار، هو نيرون نفسه، وقد كان "سينيكا" ‏مستشاراً له. وأجسادنا كانت أكثر من مستشارٍ لهذا "الفيروس" القاهر، فهي مساحات من ‏الطبيعة، تتحرك مثلما تتحرك عناصر الطبيعة، تتشكّل من خلايا وجراثيم وبكتيريا وفيروسات ‏أليفة ومعادية، فهل ستنتهي عزلتنا كما انتهت عزلة "سينيكا"؟
هناك خارج جدران العزلة من يتقن سرقة النهار، يتقن أساليب النطق بالظلمات بعضها ‏فوق بعض، ليلقيها علينا من نافذة التلفاز أو الحاسوب، يدرك صعوبات الأحلام تحت وطأة ‏الإكراهات المتلاحقة، فيحبط هدوء خيالاتنا المسافرةِ إلى ما وراء الجائحة اللئيمة.‏
إذن، لا علاقة للعزلة بالسعادة، ولا علاقة للسعادة بحياتنا أصلاً ، سواء كانت في العزلة ‏أو بعدها. ما انتهت إليه عزلة "سينيكا" ستنتهي إليه عزلتنا، بغض النظر عن مظهر القتل أو ‏طريقته، فحياتنا هي في مقدار عقولنا، وعندما يتم ربط عقولنا بآثار الفساد المدمّرة، ولا نملك ‏القدرة على التفكير إلا وفقَ ما ألقي علينا، وعندما تذهب عقولُ الجميع باتجاه مقلقٍ صوب اللقمةِ ‏والدواء والعمل الذي طردونا منه أو يهددوننا بالطرد منه، فنكون قد قتلنا، ومراسم الدفن تقررها ‏الأنفاس المتبقية. شكراً "سينيكا"، وشكراً "جان جاك روسو"، سننسحب من التفكير انسجاماً مع ‏قولك: "الحياة السعيدة منسحبة من العالم، متحررة من الزمن نفسه، ومن كل ما يرافقه كالندم ‏والأمل والخشية". ‏
لست أدري إن كان يحق لنا الرهان على انتفاضةٍ تحمل في ثناياها جيلا يعرف مفاسدنا! ‏ولكننا لا نملك خياراتٍ متعددة، فالانتفاضة رهاننا الوحيد وعلى كلّ المستويات. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24


.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟




.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /


.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟




.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم