الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونيات (9)

محمد بقوح

2020 / 4 / 25
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


كنا نعاني من العزلة والانعزال في إطار حياة الحركة، وشاءت صدف التاريخ أن يفرض علينا كائن مجهري، هو فيروس كورونا، حياة الثبات في أمكنتنا..، حياة مختلفة تماما عما ألفناه من قبل، لم يتغير فيها وجودنا ككائنات اجتماعية فقط، بل وكذلك كموجودات حية تفكر في ربط حلقات الحياة بين الذي حصل فعليا في حاضرنا، بدءا بظهور كورونا في عالمنا البشري، وبين الذي سيحصل، مستقبلا، من تحولات جذرية عميقة في حياة هذا الإنسان القادر على البقاء بتجاوز محنته طبعا، و استيعاب دروسها.
إنها أنطولوجيا كورونا، ككائن طبيعي أو مختلق..، نجح في عرض قوته وتعرية ضعفنا..، بزعزعة البديهيات، وتثبيت الإنسان عند حد بيته، لعله يفكر ويتأمل، ويعيد التفكير السليم بإعادة ترتيب علاقته بذاته، وبعالم الأشياء والأحياء من حوله، بطريقة العقل الخالص من كريمات عصر موضة المال وتجارة الدين، وتسويق العنف، وسلطة الإعلام الفاسد.
إنها دعوة فلسفية عميقة من منظور مختلف، وفرصة تاريخية نادرة يضعها كورونا القوي في طبق من ذهب للإنسان.. إنسان هذا العالم المتهافت، وخاصة لذوي النزوع السلطوي الأناني الذي يقتات من التفكير الشمولي المتخلف القاصر، وذلك من أجل توقيف نزيف الظلم إرادة التنميط والتقليد، والكراهية والعدوانية الكامنة داخل غشاء ادعاء المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، ضد ما هو إنساني في الإنسان.
من هنا، فلحظة العزلة والإنعزال لا تعني دائما التراجع والابتعاد عن الحقيقة المرجوة، بل أكاد أقول أنها تمثل أداة للحوار، و السلاح الفكري والمعرفي الفعال الذي يقرب الذات في حالة انكسار إلى تماسكها، ونسيج بناءها، وتوحدها، والتئامها وعلاجها، و يقربها من الآخر و من العالم بأسره.
نقتبس هنا نصا جميلا للمفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي في كتابه (الفلسفة أداة للحوار)، يحتفي فيه بالقيمة الرمزية للعزلة القصوى، اعتمادا طبعا على المرجعية الفلسفية الهايدغرية.
يقول هايدغر :
(غالبا ما يندهش أهل المدينة من انعزالي الطويل الترتيب في الجبال مع الفلاحين. إلا أن هذا ليس انعزالا، وإنما هي الوحدة. ففي المدن الكبيرة يستطيع المرء بسهولة أن يكون منعزلا أكثر من أي مكان آخر، لكنه لا يستطيع أبدا أن يكون فيها وحيدا. ذلك أن للوحدة القدرة الأصلية على عدم عزلنا، بل إنها، على العكس من ذلك، ترمي وجودنا بأكمله في الحوار الواسع مع جوهر الأشياء كلها).
30 - 03 - 2020

الفلسفة أداة للحوار، عبد السلام بنعبد العالي، ص 10، ط1، 2012، دار توبقال للنشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟