الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا شيء يداوي غير جذوة الإبداع .

يوسف حمك

2020 / 4 / 26
الادب والفن


من أعظم المصائب تعطيل العقل و إغلاقه محكماً ، دون منفذٍ لاستحالة استقبال أي جديدٍ ، كي يتغذى بالعتيق الآسن ، و يترعرع في ظل إرثٍ تليديٍّ راكدٍ .
و من أكبر الكوارث تحصنه ببرمجةٍ منتظمةٍ لسهولة الانقياد ، و العمل طبقاً لنظام قطيع الخرفان ، و الانسلاخ من الواقع لاستلاب الإرادة و توريث الخنوع و الاستسلام ، أو أدلجة الفكر و تقييده بأحكامٍ مسبقة الصنع لا يمكن القفز عليها .
كما صياغة المفاهيم على مقاس منطقها و عدم تجاوز دائرتها المسيَّجة بقوالب جاهزةٍ ترقى إلى درجة القداسة ، بحيث لايمكن المساس بها أو هدمها للخروج إلى فضاء الوعي الرحب .
و غالباً إسباغ النزاهة على بعض الرموز ، و امتداحهم بصفاتٍ خارقةٍ للطبيعة البشرية المألوفة ، ثم تأليههم و العبادة لهم .

بائسٌ ذاك العقل الرازح تحت وطأة عباءة ثقافة المجتمع الرثة ، و قبوله الأداء بدور مرآتها العاكسة . ولا يسعى للارتقاء و الإبداع .
مسكينٌ ذاك الفكر المكبل بخيوط العقل الجمعيِّ ، يزهق سنين عمره هدراً ، يحرص على عدم خرق المتداول المألوف ، ولا يلمع في حياته . كي يقال له : " إنه درة مجتمعه المكنونة "
غير أنه في داخل تلافيفه مفلسٌ من الكفاءة و القدرة الخلاقة .
يسد منافذه عن سماع دويِّ الحقائق ، لعدم الخروج من العُرف و الإجماع .

إرثٌ ثقيلٌ من ( التكرار والاجترار ....الاتباع ... التقليد ... الانقياد... الغفوة ... التحجر .. التكلس .. القمع ... الجمود .. الفشل .. الجهل ... الظلام .....)
و بدلاً من أفول شمسه ، و الأمل بزواله . يزداد شروق الجهل ، و يستكثر السير على نهج القدماء و محاكاتهم تقليداً حرفياً بغير تأملٍ و ابتكارٍ .
ولا أقصد الانتهازيين و المنتفعين و تجار السياسة و الدين و الثقافة ، فهؤلاء يصمون آذانهم ، و يغلقون بصيرتهم عمداً للحفاظ على مكتسباتهم و منافعهم الشخصية .

و في ذات السياق يستحضرني قول الشاعر إبراهيم اليازجي في هذا البيت من قصيدته ملحمة الأطلال :
ما قضينا ساعةً في عرسه و قضينا العمر في مأتمه .
و يسعني هنا أن أقول على منوال هذا البيت :
يا عقلاً ما قضينا ساعةً في نوره و قضينا العمر كله في ظلامه .

نعم تُدجًّن العقول بالقهر المجتمعيِّ أيام الصغر ، و تُلقَّن بتعاليم شيوخ الدين ، و تُضلَّل بمكر السياسيين .
و بقوة فتاوى خطباء المنابر تُغسل الأدمغة ، و المغرر به يملأ الدنيا قتلاً و ذبحاً ، و يعيث في الأوطان فساداً و دماراً ، و يجعل من نساء الأرض مطيةً لنكاحه إشباعاً لشبقه الجنسيِّ .
ظناً منه أنه على صوابٍ ، و يحسن صنعاً لإرضاء الله .

لتعطيل العقل هلاكٌ حتميٌّ ، و لانغلاق الفكر لعنةٌ و سمٌ قاتلٌ ، و لانسداد الذهن أفةٌ لامفر منها ، و للتباري في الخضوع بكل طواعيةٍ إهانةٌ للحياة ذاتها و انتزاعٌ للحرية فإطفاء نور كل جديدٍ . كما تأخرٌ عن ركب الحضارة و المضي للخلف نحو المتنائي .

أما طوق النجاة فيكمن في التفكير الحر بلا قيودٍ ، و وضع رؤوس الأنظمة تحت مقصلة القانون و مجهر التشريع .
فمن تغلب على تلك القيود فقد فاز ، و وصل إلى ضفة النجاة ، و بنى عقلاً رائداً ، و ذهناً لامعاً ، و فكراً مبدعاً ، و مجتمعاً منتجاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقع لفنانة حول كارثة مدمرة في اليابان يثير زوبعة في البلاد.


.. السيدة الأنيقة أيقونة الرُقي والفن ?? ذكرى رحيل الفنانة القد




.. تأملات - الأدب بين ويلات الحرب والسلام


.. أغنية الوداع من أم كلثوم لجمهورها.. آخر أغنية على المسرح




.. صور نادرة جدًا لأم كلثوم