الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكارى

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2020 / 4 / 26
الادب والفن


سكارى ...
جهّز عُدّته وما يلزم وتصدّر غرفة صالته ، أمامه الطاولة عامرة تُزِيُّنها زجاجة من الوسكي الفاخر المُعتّق التي يفوق ثمنها الألف دينار ، اهداهها اليوم أحد معارفه ، ملأ كأسه وتلذّذ بتذوق الجرعة الأولى ، اه كم هي رائعة ، ثم كأسا ثانية فثالثة ، التلفاز يعرض برنامجا اجتماعيا ، سحب جهاز هاتفه وولج الفايسبوك ، كتب تدوينة درامية حماسية عن الفقر والبؤس والجوع و انتشاره في المجتمع ولم ينسى تحميل الدولة مسؤوليتها عن ذلك ، فهو مُناصر مُتلفز لقضايا العمال والمهمشين .
رنّ جرس الباب مرّة ، حاول النهوض فترنّح ، يبدو أن الويسكي أثر فيه سريعا هذه المرة ، أتراه فعل التعتيق ، ام لكونه لم يشرب منذ اسبوعين ، فاليوم هو النصف من رمضان ، هو لا يصوم في الغالب طالما لا تُقابله الكاميرا ولا يولي شانا كبيرا لذلك ، قرر عدم فتح الباب فليس من اللائق محادثة الناس وهو سكران في هذا الشهر . رن الجرس مرة ثانية وثالثة ، تذكّر أن مصابيح الحديقة مُنَارة وان صوت التلفاز مُرتفع ، رفع نفسه من على الأريكة وشخص من الشباك إلى باب الحديقة ، خُيّلَ له أن الواقف صبي أو ربما هو رجل قصير القامة ، دفع نفسه دفعا إلى الخارج بخطى متثاقلة .
بلسان ثقيل في الفم و كلمات بطيئة
- من هناك ؟ تفضّل آش تحب .
رد الصبي ، بلسان لا يَقِلُّ ثقلا وعيناه إلى الأرض خجلا
- صحة شريبتك خويا ، انا اجمع بقايا الاكل لأتزوّد واُطعِم بقية إخوتي وأمنا العاطلة .
بكلمات مبعثرة وصوت مترنح
- برّه عيش ولدي ، ربي ينوب ، ما عناش ، ونقّص من قلق الناس ، وبره شد داركم في هالليل راهو حظر تجول .
أنفطر قلب الصبي أكثر ، هو لم يطلب مالا بل بقايا اكل قبل أن يكون مستقرّها حاويات القمامة في الغَدِ ، فالحال جِدُّ سيِّئة وامه اقعدها الحجر الصحي عن عملها كمعينة منزلية ، فردّ بِصوتٍ مُنكسر
- سامحني ، وهم بالانصراف عندما أدار صاحب المنزل ظهره الى الداخل مُترَنّحًا ، خانته يده المُتّكِأة على الباب و التوت قدماه فخرّ على الأرض دفعة واحدة ، ركض الصبي نحوه وَجِلاً مُنَادِيا مُتَحرّيا ، فصرخ فيه ببذاءة
- تي ماو قلنا ربي ينوب ، آش تعمل في داري ، ناس تجيب صغار وتسيبهم ما أكثركم .
- انسحب الصبي مُتمتما لا أطلب شيئا ، خلتك مريضا وحيدا ، أو محتاجا طرحه الجوع أرضا كما يصنع مع أُمِّي احيانا كثيرة فَرِغِبتُ مقاسمتك بعضا مما جمعت هذه الليلة .
إنصرف الصبي غارسا رأسه بين كتفيه مُشفِقا عليهما .
أغلق الباب ورجع الى صدر صالته ، تناول قنينته الفاخرة نظر إليها بشغف المشتاق ، مفعولها سحري بنت الحرام "قطع عنا حبل الود إبن الحرام " ، تملّصت القِنّينة من يده و احدثت دويا مكتوما غاضبا على الأرض وهي تتقيّأ كل ما في جوفها ، ثَقُلت عينه حتى لوت عُنقَهُ الى الأسفل فنظر إلى بلاط الأرضية جزعا حزينا لِيرى انعكاس وجهه بين الشضايا مُراقا مع ما إندلق من ماء الحياة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا