الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الحراك: قراءة نقدية!

محمد المجوضي

2020 / 4 / 27
حقوق الانسان



لا أدري من أين أبدأ، فالتقريرالأخير الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان في المغرب حول الحراك الشعبي بالريف مليء بالمغالطات ومنحاز للسلطات الرسمية. هذا في حين أنه كان على مجلس يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن يلتزم بحد أدنى من الموضوعية في التعامل مع الملف الحراكي وما عرفه من خروقات حقوقية منذ بدايته الى اليوم. على أية حال، دعونا بدون مقدمة مستفيظة الدخول في الموضوع والنظر الى بعض هذه المغالطات التي تضمنها هذا التقرير الذي حاول أصحابه تصويره على أنه تقريرحقوقي مبني على معطيات وقراءة موضوعية لما حدث.
في التسمية
يعتبر التقرير أن ما وقع في الريف بعد إغتيال المرحوم محسن فكري مجموعة من الاحتجاجات وقعت في اقليم الحسيمة وفقط. هل هذه التسمية صحيحة؟ طبعا لا! الذي يجب معرفته في هذا الصدد هو أن التسميات السياسية، الحقوقية،... تكتيكات يستعملها أصحابها لتحقيق أهداف معينة. وفي هذا الاطار يجب فهم إطلاق المجلس تسمية "الإحتجاجات" على الحراك الشعبي بالريف، إما عن عمد أو غير عمد.
بالنسبة لي وللكثير من المتابعين، الملتزمين بحد أدنى من الموضوعية، يعتبر هذا الحراك، مهما اختلفت التسميات، حركة إجتماعية بامتياز، وليس مجرد سحابة إحتجاجات عابرة فاقدة للبوصلة. إنها حركة طبعت بصمتها في مسلسل الصراعات التاريخية للريف مع السلطات المغربية. إنها حركة اجتماعية لأنه تتوفر فيها الخصائص الأساسية التي تميز الحركات الإجتماعية؛ إنها كذلك لأنها شكلت –وستشكل- تحديات جماعية مؤسسة على أهداف مشتركة وتضامنات إجتماعية، في تفاعل مستمر مع النخب والمعارضين والسلطات" ؛ إنها كذلك لأنها بمثابة تحديات مستمرة  لمالكي السلطة بإسم السكان المحرومين الذين يعيشون في ظل الولاية القضائية أوحكام السلطة"[1]؛ إلخ.
إنها حركة أرغمت على نهج خيار الإحتجاج في أغلب الأحوال لأن السلطات لم تترك لها خيارا آخر. إذ أن الكل يتذكر جيدا الدعوات المتكررة للحراك لحوار جاد ومسؤول حول الملفات المطلبية التي طرحت سواء في الحسيمة أو مناطق أخرى من الريف. وهذا ما جاء على لسان قائد الحراك ورفاقه في مناسبات عديدة، وما تضمنته أيضا بعض البيانات الرسمية للجان الحراك الشعبي بالريف[2].
إنها حركة نظمت نفسها بنفسها بالإمكانيات المتوفرة، رغم حصار وقمع السلطات، لضمان انتاج قرارات ديموقراطية على المستويين التنظيمي والنضالي. وما الجموعات العامة الحراكية والأشكال الحراكية الاحتجاجية وغير الاحتجاجية التي أنتجتها طوال شهور إلا خير شاهد على ما نقول.
إضافة الى إعتبار ما وقع مجرد "إحتجاجات" حاول المجلس تمرير مغالطة أن هذه الاحتجاجات كانت منحصرة في إقليم الحسيمة. إنه لمن السهل دحض هذه المغالطة، لأن الأشكال الحراكية امتدت كما تابع الجميع إلى خارج إقليم الحسيمة. إذ هل بامكان المجلس إنكار الأشكال الحراكية التي أقيمت مثلا في الناظور؟ في العروي؟ في أزغنغان؟ ميضار؟ أبركان؟ زايو؟...ألا يعلم المجلس أن هذه المناطق كلها غير منتمية إلى إقليم الحسيمة؟ هل يمكن للمجلس أيضا إنكار أن الكثير من هذه المناطق -خارج الحسيمة- صاغت وصادقت على ملفات مطلبية محلية؟
إنه لمن العيب على مسؤولين حقوقيين، يفترض فيهم قسط أدنى من الموضوعية، تقزيم حركة إجتماعية فريدة، فتية، إلى إحتجاجات وقعت في إقليم الحسيمة وفقط.
مغالطات أخرى
من بين الأمور التي أثارت انتباهي في التقريرأيضا هو انتقاء واستعمال معطيات والتغاضي عن أخرى، عن عمد أو غير عمد، لتبرير مقاربة السلطات الرسمية لملف الحراك والمحاكمات السياسية التي وقعت في إطاره. في هذا الصدد يسقط التقرير مثلا في خطأ عدم التفريق بين الأشكال الحراكية وبعض "أحداث العنف" التي وقعت خلال فترات معينة من الحراك. هكذا يركز التقرير على بعض المواجهات التي حصلت بين مواطنين والقوات العمومية وإعتبارها أشكالا يتحمل مسؤوليتها الحراك وقادته. من بين هذه المواجهات ما وقع مثلا في إمزورن يوم 26 مارس. إنه لمن العيب على مسؤولو هذا التقرير التشبث بهذا الخلط في الأمور في حين أننا نعلم جيدا أن قيادة الحراك كانت واضحة منذ بداية الحراك على أن الخط السلمي للحراك واضح وغير قابل للتفاوض، وبأن مثل هذه المواجهات والأحداث لا علاقة لها بالحراك.
إنه لمن العار على مجلس يدعي الموضوعية أن يركز في تقريره على حصيلة الإصابات التي حصلت في صفوف القوات العمومية ويسكت عن الجرائم والخسائر التي كان سببها القوات العمومية إثر تدخلاتها وقمعها للأشكال الحراكية في مناسبات كثيرة (ص 12 و 13)!
هذه الانتقائية وتمرير المغالطات تجلى أيضا في:
-          التركيز على وانتقاء مقاطع من خطابات نشطاء الحراك  للترويج لنظرية أن الحراك ينشر الكراهية، في حين أن خطابات وبيانات الحراك الرسمية خالية من هكذا اتهامات وداعية للسلمية والتضامن وتحقيق المطالب الرفوعة. الخطير أيضا في هذا الصدد هو انتقاء مقاطع من كتاب حول الحراك وإخراجها من سياقها لتعزيز هذا الاتهام (ص62).على أية حال، أظن أنه على مؤلف الكتاب إبداء رأيه في هذا الأمر!
-          اعتبار إحتجاج ناصر الزفزافي على الخطبة المعروفة في إحدى المساجد "اقتحاما" (ص 13). في حين أن الصحيح هو أن ما وقع إحتجاج ومقاطعة للخطيب وحثه على التوقف على تسييس الخطبة الملقاة واستفزاز الحاضرون المتبنون للحراك. أليس من العيب على مهندسوا التقرير الدفاع على الحق في ممارسة العبادة والشعائر الخاصة بالدين بمأمن من الإستفزاز أو التحرش وفي نفس الوقت السكوت على الخطبة المسيسة والإستفزازات التي تعرض لها الحراكيون أثناء هذه الخطبة؟
-          محاولة تمرير مغالطة أن تقديم المطالب الحراكية ك"كتلة" شكل سببا رئيسيا لغلق الحوار بين قادة الحراك والسلطات الرسمية. هل إطلع مهندسو التقريرعلى ملف "إقليم الحسيمة"؟ ألم يلاحظوا أن الملف كان واقعيا و فرق بين مطالب إستعجالية وغير استعجالية؟  
-          تخصيص حيز كبير لما سمي ب"الأخبار الزائفة" التي روجها المتبنون للحراك في حين لم يتم الإشارة ولو مرة واحدة الى التضليل المتعمد والأخبار الزائفة التي روجتها السلطات عبر إعلامها الرسمي.
-          استنتاج التقرير أن أغلب المنشورات الحراكية على وسائل التواصل الاجتماعي آتية من خارج المغرب (و 19 في المئة فقط آتية من المغرب). انطلاقا من غياب مضامين المعطيات والمنشورات المعتمدة للوصول الى هذه الخلاصة يحق لنا القول أن هذه الخلاصة ليست بالموضوعية وغير علمية، والهدف الضمني منها في نظري هو استعمالها لتثبيت تهمة المؤامرة الخارجية على الحراك وقادته. ولنفترض أن هذه الخلاصة صحيحة، لماذا لم يقم المجلس بالوقوف عند الأسباب المتعددة التي قد تكون وراءها؟ أليس مقبولا وواقعيا إن اعتبرنا أن محدودية هذه المنشورات الحراكية من داخل المغرب ربما يعود لانعدام حرية التعبير في المغرب؟
كان هذا بعض من الكل الغزير من المغالطات الذي أثار انتباهي عند تصفح -ملخص- التقرير الذي ادعى أصحابه أنه حقوقي ومبني على معطيات وتحاليل موضوعية لما وقع بعد اغتيال الشهيد محسن فكري. رسالتي لمهندسي هذا التقرير: لقد اخترتم مرة أخرى -بهذا التقرير- الوقوف الى جانب السلطات التي تأمن دخلكم الشهري وخذلتم الأشخاص الذين كان يفترض عليكم الدفاع عنهم. إن لم تستحوا فافعلوا ماشئتم! ولكم واسع النظر!
محمد المجوضي، أنفرس البلجيكية، 26 أبريل 2020
 


Marco G. Giugni (1998), Was it Worth the Effort? The Outcomes and Consequences of Social: راجع مثلا  [1]
Movements: p.377   
 
؛ بيان لجنة الإعلام و التواصل  للحراك http://www.youtube.com/watch?v=eDemURv5FCo  على سبيل المثال: كلمة لناصر الزفزافي [2] الشعبي بالريف يوم  15 ماي 2017، والذي يؤكد على أن نشطاء الحراك الشعبي دعاة سلم وأهل حوار على أرضية الملف الحقوقي للساكنة
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة


.. مقتل عدنان البرش أحد أشهر أطباء غزة نتيجة التعذيب بسجون إسرا




.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟