الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلب من زجاج !

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 4 / 27
الادب والفن


( قلب من زجاج )

قصة بقلم #راوند_دلعو

أحبَّها من النظرة الأولى ، فبايعها على الدم ، و ألقى كل مشاعره بين يديها دفعة واحدة بمنتهى الوفاء و البراءة ... و كان منها أن أظهرت له علامات القبول و مبادلة العهد بالعهد ...

فتعلَّقَ بها ... عَشِقَهَا ... تَنَفَّسَها ... تتيَّمَ بها ... عَبَدَها ... تمرغ في إشراقتها ... غرق في همساتها ... و استسلم لعينيها ... رافعاً الراية البيضاء ملقياً بين يديها كل أسلحته !

و بمرور الأيام ، سوَّلت لها نفسها خداعه و من ثَمَّ خيانته ، فتركته ذبيحاً مدمَّراً غارقاً بدماء مشاعره النزيفة .... يرفع نحو السماء كفاً أحمراً ، و جرحاً عميقاً غائراً ! يخاطب السماء عبثاً ... يصرخ من عميق جراحه في أركان الكون .... أن عودي إلي يا حبيبتي و لا تتركيني ...

لكن لا مجيب ... !

و هكذا ... و بمنتهى الرضا ... استقبل طعنات غدرها بصدر رحب ، يحتضن سكاكينها بمنتهى اللهفة و الحنان ... و هو في كل ذلك يتفانى في إسعادها حتى اللحظة الأخيرة ... فحبه لها حقيقي نقي لا يموت ... !

ثم جاءت لحظة الفراق ... فحزمت أمتعتها و تهيأت للرحيل إلى حبيبها الجديد ... و عند وداعه لها ، نزلت من عينه دمعه بلورية ...

دمعة بلورية واحدة فقط ... !

واحدة فقط !

و بما أنه يقدس حبيبته إلى درجة الجنون ... خبأ دمعته البلورية في البطين الأيمن من قلبه الزجاجي الرقيق ... هناك بين حنايا ضلوعه ، حيث يعتني بها برفق بين الشغاف ... فهي كل ما تبقى له من ذكرى حبيبته التي أدارت ظهرها و تلاشت في أحضان الغياب .... !

أما دمعته التي ذرّفها فبقيت تنبض بنبض القلب الزجاجي في صدره الصغير !

ها هو يحتفل بدمعته اليتيمة و يخاطبها :

" يا دمعتي ، يا دمعتي ...

أنت الأثر الوحيد الذي تبقَّى لي من آثار حبيبتي ...

لك الحياة و الخلود ...

لك إخلاصي و محبتي ...

يا دمعتي ...

يا دمعتي ...

يا كل ما تبقّى من رائحة حبيبتي ...

يا كل ما تبقّى من عطرها الساكن في لهفتي ! ".

و مرت الشهور ، و لم تزل دمعتة تنبض في زجاج القلب ... يُجددها يومياً مع إشراقة كل صباح و إغفاءة كل مساء ... يحافظ على حيويتها و نضارتها ... يسقيها من ماءات حزنه و دِمَاءات نزفه المتجدد ...

يا لها من دمعة مفعمة بالحياة و الاستمرارية !!

ها هي تسرح كل يوم في قلبه الزجاجي ، فتُلقي بألوانها الشاحبة على تفاصيل وجهه ، تحرمه من الابتسام ، و تجهض جنين أي ضحكة قد ترتسم على شفتيه .... ! تتفنن في غرس الحزن و الشقاء في وجنتيه ... مع كثير من القهر و التوجع و المحزونيّة السوداوية ... !!

لكنه و بالرغم من تشاغُبِها الذي يشع الحزن في خطرات قلبه ، يعتني بها ، و يغني لها ، ثم يغطيها كي تشعر بالدفء و الحنان ... يسقيها بالأسى المتجدد ... يحافظ على ديمومتها ... يُكحِّلُها بالألم ... يزينها بالذكريات الحزينة ! فهي الذكرى الوحيدة المتبقية لحبيبته الغائبة.

و كلما حاول أن يتخلص من توهجات أحزانه الصادرة عن الدمعة ، اكتشف أنه لا بد له من تحطيم قلبه الزجاجي ، و من ثم إخراجها و التخلص منها ...

لكنه لم يجرؤ على التخلي عن دمعته ، فهي الذكرى الوحيدة المتبقية من حبيبته ! ... كما أن تحطيم زجاج قلبه سيؤدي حتماً إلى مقتله ... فلن تتحرر دمعتة البلورية إلا بمقتله ...

فاستسلم الرجل لأحزانه ، و تقبلها على أنها أقداره الأبدية ، إذ لا سبيل لإخراج الدمعة من قلبه الزجاجي إلا بجراحة ستؤدي حتماً إلى موته !!!

و مرّت السنين و السنين ... و لم يسمح لأي إنسانة أن تحل محل حبيبته الخائنة ... إذ لها في قلبه الزجاجي دمعة حية لا تموت ! ... فلا تزال دمعته طازجة في قلبه ... تخفق بخفقانه ... تُغسِّل نفسها بنفسها ... تُطهِّر حزنها بحزنها .... تُجدِّد ذاتها باستمرار !

و هكذا ... بقي صاحبنا وحيداً بلا حبيبة ... يعانق ملوحة دمعته البلورية ، ينام في أحضان أحزانه و انكساراته التي لا تنتهي !

و استمر الوضع على ذلك إلى أن طرق أحدهم باب غرفته و قال له :

" لقد ماتت حبيبتك .... ماتت تلك التي خانتك و أسلمت عنقك بلا مبالاة إلى سكين الحزن ينحرك لسنوات و سنوات ... استيقظ ... لقد ماتت حبيبتك !".

و عندما سمع هذه الكلمات استفاق غليان الحزن في صميم الدمعة البلورية ، تفور متخبطة في جدران قلبه الزجاجي ، ثائرة بشكل هستيري مجنون ... مدرارة حارة ، كأنها نزلت لتوها من موقه ... تخلب حيطان قلبه بأظافر من أسى وهاج !! تريد أن تخرج ... فكمية الأحزان لم تعد تطاق !

#الحق_الحق_أقول_لكم .... لم تعد الدمعة البلورية قادرة على البقاء في قلبه الزجاجي ... إذْ لا بد لها أن تخرج ... لا بد لها أن تتحرر !!

و لكن كيف لها أن تتحرر دون أن ينكسر زجاج القلب ؟ مستحيل !!

و هكذا ... أسرع صاحبنا الوفي إلى قبر حبيبته الخائنة ، فأخرج سكيناً من جيبه و كسر جدار قلبه ، ثم أخرج الدمعة من بين قطع زجاج قلبه المحطم ...

فسقط على قبر حبيبته نازفاً مُكَسَّر الفؤاد حَطِيمهُ ... يلفظ أنفاسه الأخيرة ...

نظر إلى الدمعة التي أخرجها للتو من قلبه ... فإذا بها نضرة حية ساخنة ... تشع حزناً طازجاً لا يَخلَق ... و ألماً متجدداً لا يفنى ... قرَّبها من ثغره بصعوبة و عناء ... قبَّلها ... عانقها ... تمسَّح بها ...تمرغ بها ... ثم حرَّرها ...

فمات بوهج حزنها ... !!

الحق الحق أقول لكم ... لم يكن من سبيل إلى التخلص من هذه الدمعة الصادقة إلا بأن يحطم جدران قلبه الزجاجي ... فينتحران معاً ... هو و دمعة الوعد الصادق تلك ...

و عند الصباح وصل بلاغ إلى مركز الشرطة مفاده :

لقد وُجد المهندس دانيال ( ٦٥ عاماً ) ميتاً على قبر الحاجة ندى التي قتلها زوجها المساعد أكثم ليلة البارحة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب


.. كلمة أخيرة - صدقي صخر: أول مرة وقفت قدام كاميرا سنة 2002 مع




.. كلمة أخيرة - مسلسل ريفو كان نقلة كبيرة في حياة صدقي صخر.. ال


.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية




.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!