الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوموسابيان و دودة الأرض

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 4 / 27
الادب والفن


( الهوموسابيان و دودة الأرض )

قلم #راوند_دلعو

قصتنا مع دودة الأرض قصيرة لكنها ممتعة و مليئة بالمعاني و العِبَر !

فهي قصة المُعلِّم مع تلميذه المُتَعَلِّم ، فهيا بنا يا سادتي الهوموسابيان ، لننطلق في رحلة قصيرة نتعلَّم خلالها معنى الحياة من الديدان !

دودة الأرض مخلوق ذو إرادة أصلب من الصخر ، فقد قهرَتْ بجبروتها قَهْرَ القَهْرِ ... و صبرَتْ حتى سَئِمَ من صبرِها الصَّبر ... ثم انتصرَتْ حتى هزَمَت بنَصرِهَا النَّصر ... ! إذ بالرُّغم من ظروفها الصعبة و عيشها المظلم في غياهب التراب ... تراها و قد رضيت بالتعايش مع الظلام ، ثم تأقلمت مع شروط الحياة تحت المداسات و الأقدام ... !

فلننظر إليها و قد طوَّرت أمورها و تكيفت مع الشيء الوحيد المُتَاح تحت الأرض ، ألا و هو التراب ! فخلقت لنفسها سعادة ما ، من خلال قضم التراب و فصفصة الرمل و قرمشة الحجارة و نقرشة البحص و عَلْكِ الطِّين ... !

فضربَتْ بذلك عصفورين بحجر واحد :

١_ احترفَتْ أكل الطين فوفَّرَت لنفسها مصدراً لا ينضب من الطعام ؛ ألا و هو التراب ... و بهذا أشبَعَت بطنها بأبخس الأثمان !

٢_ كما بنَتْ لنفسها بيوتاً على هيئة أنفاق للعيش تحت الأرض من خلال قضم و هضم التراب الذي يعترضها ... فجنت ثمار صبرها و ذكائها ، إذ حوّلَتْ ظلام التربة إلى قصور بأروقة و ( كوريدورات ) و أنفاق و زحاليق و منزلقات و مُتَزَلَّجَات و طرقات ! فاستمتعَتْ بالظل و التهوية و الرطوبة و الرذاذ و السَّكِينة و المطاعم و المنتزهات و الألعاب !

و بهذا انقلبَتْ مدفونيَّتها تحت التراب إلى جنة الجنان و بيت الأمان !! فغيَّرت ظروفها القاتمة المستحيلة التي تدعو إلى الانتحار ، و جعلت منها عوامل إيجابية و أسباب رفاهية و ترف و اقتدار !!

#الحق_الحق_أقول_لكم .... لقد أخلصَتْ دودة الأرض إلى التراب الذي نبتَتْ منه ، فحولته إلى وطن .... بينما قمنا نحن البشر بخيانة كوكبنا و تلويثِهِ فحولنا جِنانَهُ إلى كفن !!

يالنجاحها و عظمتها إذ صنعَتْ من التراب وطناً للرخاء ، مع أنها بِنْتُ التشرُّدِ و العراء !

و الأنكى من ذلك أنها تأكُلُ جثاميننا بهدوء و برودة أعصاب ! لتتغذى بذلك على قمة هرم السلاسل الغذائية ، ألا و هو الإنسان !... فبالرغم من تموضُعِها أسفل الهرم البيولوجي للكائنات الحية ، لكنها انتقلت بأكلها لجثامين البشر إلى فوق القمة ، و هي التفافة ذكية على تراتُبِ السلاسل الغذائية ، فهزمت بهذه الخدعة عنجهية الهوموسابيان إذ أتتهم من فوق !! و ما ذاك إلا لأنها أحسنت انتماءَها لأرضها ... و أخلصت لتراب وطنها .... و رضيت بواقعها !

و عندما تموت ، تموت شامخة ثابتة محلِّقَةً في فضاء موطنها الترابي بكل كبرياء و رفعة و شمم ، إذ لا تُوارَى و لا تُذَلُّ و لا تُدفَن !

يا لها من عظيمة !

الحق الحق أقول لكم ، إن دودة الأرض مثال على ميلاد الحياة من الموت ، و انبجاس الخلود من رحم الفناء .... فاستحقَّتْ بذلك يا سادتي أن نبايعها سيدة الأحياء !

و لو قُدِّر لي أن أحكم الوطن ... لحذفْتُ النجوم و النسور و الصقور و النمور و الآساد ، ثم وضعتُ صورة دودة الأرض على علم البلاد !

#راوند_دلعو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟


.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا




.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال