الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسطيني تحت ضرس الإعلام العربي

شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)

2020 / 4 / 29
القضية الفلسطينية


على مدار سنوات الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال تعرض الفلسطينيون كافة لهجمات إعلامية فظيعة ، طعنوا في وطنيتهم وفي نخوتهم وفي انتمائهم، حتى أصبح الأمر معتادا ، كانت معظم تلك الهجمات ممنهجة وموجهة من الأنظمة العربية ، وتتغير الموجة حسب طبيعة العلاقة بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وهذا النظام أو ذاك .
اعتاد الفلسطينيون على المستوى الشعبي ذلك، كانت ظروف إقامتهم في بعض الدول العربية تضطرهم للتأقلم وتحمل الإساءات التي تحدث لهم بسبب التحامل الشعبي الذي تكوّنه الهجمات الإعلامية البغيضة .
على المستوى السياسي أو القيادي كان السلوك تجاه ذلك متباينا ، وتختلف الردود بقوتها حسب المصلحة المتعلقة بالأنظمة واستراتيجية المنفعة ، كان ذلك سببه عدم وجود قاعدة ارتكاز ثابتة في أي دولة عربية ، وأي موقف يتخذ من المنظمة سيكون له انعكاس سلبي جدا على كافة الفلسطينيين في الشتات ، وهذا ما حدث بعد موقف منظمة التحرير من غزو الكويت ، وربما أدى للذهاب إلى أوسلو نتيجة انغلاق كثير من الأبواب في وجه الزعيم عرفات في تلك الفترة .
بعد تأسيس السلطة الفلسطينية اختلفت المواقف ، كانت السلطة تعتمد بالكامل تقريبا على المساعدات العربية والدول المانحة ، مما فتح المجال لكل جهاز مخابرات عربي أو غربي أن يكون له رجالاته داخل هيكلية السلطة بشكل أو بآخر ، وذلك جعل عرفات مهادنا إلى حد كبير مع الأنظمة العربية ويوصل الرسائل لتلك الأنظمة من خلال رجالاتهم الذين لم يكونوا بعيدين عن عين الزعيم أبدا .
خلال تلك السنوات توقفت أسطوانة بيع الفلسطينيين لأراضيهم ، والأسطوانات الأخرى الرديئة التي تسيء لكل فلسطيني ، وبات التعامل مع الفلسطينيين مقبولا نوعا ما أيضا ، واختفت الهجمات الإعلامية الموجهة التي كانت تنطلق من وقت لآخر وتؤلّب الشعوب ضد الفلسطينيين .
في عهد الرئيس محمود عباس انتُهجت سياسة حيادية تماما تجاه المواقف العربية ، حتى وصف البعض ذلك بالحياد المبالغ فيه بسبب المواقف المهادنة تماما لدول عربية تدخلت بشكل مباشر في دعم الانقسام وكان لها دور بارز في ترسيخ ذلك الانقسام ، لكن موقف السلطة الرسمي لم يتغير ولم يسمح بمهاجمة تلك الأنظمة بشكل رسمي على الإطلاق .
لكن في السنوات الأخيرة وخاصة ما بعد مرحلة ما يسمى بالربيع العربي والثورات المفاجئة ، عادت الحملات الإعلامية لتصدر المشهد بشراسة ، وخلقت أجواء غير مسبوقة من الحقد والضغينة ضد الفلسطينيين ، استغلت بعض تصرفات التنظيمات الفلسطينية لتكون سببا في حرب إعلامية ضروس ضد كل ما هو فلسطيني ، تعرض الفلسطينيون للأذى والإهانة في كل دولة عربية زاروها أو مروا خلال حدودها أو أقاموا فيها ، كل ما له صلة بالفلسطيني أصبح مستهدفا و عدوا لدودا بعد أن كان أخا عروبيا يتعاطف الجميع مع قضيته .
كان الموقف الرسمي الفلسطيني سلبيا تجاه ذلك للأسف طوال الوقت ، ولم تقم الجهات المختصة بحملات مضادة تدحض وتفند الروايات ضد الفلسطينيين ، بل هناك من ساهم في تأجيج الأحقاد بجهل أو بتعمد لمآرب مختلفة .
هذه الحملات ضد الفلسطينيين لم تقتصر على الموقف الإعلامي الموجّه ، فقد ألقت بظلالها على شرائح كثيرة من المثقفين والكتاب والمنتفعين ، وفي عصر السوشيال ميديا بات انتشار أي موقف أو مقطع مصوّر لأي شخص يهاجم الفلسطينيين وينعتهم بأقبح الاوصاف ، ينتشر انتشار النار في الهشيم، وتبدأ معارك التعليقات بين فلسطينيين ومواطنين من دول عربية ، هذا يسب ويشتم ، وهذا يخوّن ويلعن ، وفي وسط هذه النيران ، لم يغب الاحتلال عن المشهد ، فلا يمكن تفويت أي فرصة لتأجيج الفتن وبث الكراهية ، لذلك تعمل فرق صهيونية مختصة على كل الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي وتقوم بنشر تعليقات بشعة ومستفزة تزيد من حمى الخلافات والتي بات تداركها يحتاج إلى وعي مجتمعي كبير ، ونهج رسمي مختلف عن موقف المتفرج .
كما أن التغيرات التي حدثت في الأنظمة العربية جعلت مسيرة التطبيع تمضي بسرعة الضوء ، ولم يعد ذلك يخفى على أحد ، حيث أن توجهات تطبيعية على الصعيد الفني والثقافي والسياسي أيضا باتت واضحة تماما ، وبعد أن كان أي نشاط تطبيعي يحدث على استحياء ، بات كل شيء على المكشوف ، وأصبحت هناك أعمال فنية وصروح إعلامية عملاقة تحث على التخلي عن أي شيء يتعلق بقضية فلسطين ، واتباع المصالح مع كيان الاحتلال الغاصب ، وتشريع ذلك تماما وعدم اعتباره سلوكا مشينا أو مدانا سواء قانونيا أو أخلاقيا .
ورغم كل العتب على الذي يمكن أن يحمله الشعب الفلسطيني تجاه الأشقاء ، إلا أن عدم تحمل المسؤولية عن وصول الأمور لهذه الهاوية خطأ كبير ، فالفلسطينيون أيضا يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية تدهور العلاقات مع بعض الشعوب العربية ، نتيجة عدم وجود استراتيجية إعلامية موحدة ، كما أن الأحزاب لعبت دورا سلبيا ، فليس دورها وليس مطلوبا منها اتخاذ مواقف وإطلاق تصريحات معادية لأي بلد عربي بأي شكل من الأشكال .
باعتقادي أن الفلسطينيين انتهجوا نهجا خاطئا في ردود الأفعال الحادة تجاه بعض المطبّعين وبعض السوشيالجية الباحثين عن الشهرة على حساب قضية استفزازية ، والخطأ يكمن في أن الفرد لا يجب أن يكون سببا في محاربة شعب ، والموقف من النظام لا يجب أن يصبح مادة دسمة لتحقير الشعب بأكمله ، وعلى سبيل المثال ، حين يخرج ناشط سعودي ويهاجم الفلسطينيين ، تجد أن الرد الفلسطيني يشمل السعودية أرضا وشعبا وقيادة !! ، وهذا ليس صوابا على الإطلاق ، إذا كنت تريد أن تعطي حجما لما يقوله أحد النشطاء المغرضين ، خصص ردك ولا تجعل السيئة تعم شعبه كاملا، فتلعن السعودية وشعبها وتبحث عن أدنى العبارات لوصفهم ، هذه ليست بطولة في شيء ، ولا هكذا تدافع عن شعبك وتنقل صورتك الحقيقية التي يجب أن ترسخها في أذهان الأشقاء ، لن يلومك أحد إن هاجمت المسئ كما تشاء ، لكن خلط الحابل بالنابل هو ما دمر النسيج العربي وأفسد العلاقات مع الأشقاء العرب تماما ، هذا السلوك يعتبره البعض بطولة ، فيما هو الحماقة بعينها ، كما أن هناك نقطة أخرى ، أنت لا تسمح لأحد أن يتدخل في من يكون رئيسك ، فما شأنك كفلسطيني في السعودية أو مصر أو غيرها !! ، إذا هاجم إعلامي مصري أو سعودي أو كويتي شعبك وبلادك ، خصص ردك واجعله مقتصرا بالحجة والبرهان على شخص المسئ ، ولا تربطه بشعبه وبلاده ورئيسه أبدا .
ونقطة أخرى يجب ألا نغفل عنها ، أنت رسول بلادك أينما ذهبت ، إذا مارست التسول الكاذب في بلد تزوره لقضاء غرض ما ، فأنت تعطي انطباعا أن شعبك بالكامل كاذب ومتسول مثلك وتسئ لمسيرة شعبك النضالية برمتها ، لذلك فإن محاسبة الذات أولا هي الواجبة ، ومن ثم العمل على ضبط الألسنة الخارجة عن النص ، كما يجب تخصيص فريق عمل إعلامي بارع يمكنه خلق رأي عام عربي داعم للفلسطينيين ، يتبنى موقفهم ويدافع عنهم ، كما يجب مساندة كل إعلامي أو مثقف أو ناشط عربي يدعم القضية الفلسطينية ويعرف موقف الفلسطينيين الوطنيين الحقيقيين ، ويميز بين المزيف المتصنع وبين الوطني المخلص غير المساوم .
هناك جانب من الوعي الشعبي العربي تجاه القضية لا يجب فقدانه بسبب سلوكيات متهورة ، والعمل على نشر كل موقف عربي إيجابي وتجاهل المواقف السلبية بدلا من تبنيها والمساعدة على نشرها حتى لو كان الهدف لمهاجمة أصحابها .
حين تنشر شيئا إيجابيا فأنت تساند شعبك وبلادك لأن الإيجابية تعم، وإذا نشرت كل مقطع أو تصريح مسيء ، فأنت تروّج مجانا وتعمل لدى خصمك وتخدم أغراضه الدنيئة .
وأخيرا ، ليس مطلوبا من أي عربي سوى الموقف المعنوي ،وكل من ينادي بحمل البنادق والقتال في فلسطين من الفصائل يدرك جيدا أنه غير واقعي ، شعب فلسطين يؤمن تماما أنه أحق بها وأحق بالدفاع عنها ، ولا أظن الأجيال السابقة نسيت قضيتها ، ولا الأجيال الحالية ستنسى ولا القادمة ستطمس الهوية الفلسطينية مهما حدث ومهما كانت الظروف المحيطة شائكة وعسيرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا