الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع والطموح لدول شرق المتوسط

هندي الهيتي

2020 / 4 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


المتابع لواقع بلدنا العراق واغلب بلدان المنطقة يرى اننا نمر بمرحلة اقل ما توصف بالجنون المنفلت، منذ عقود خلت ولحد هذه الايام يعيش ابناء البلد والمنطقة في دوامة من الفوضى والخراب المادي والروحي.. حروب مستمرة داخلية وخارجية, قتل, تهجير, طرد لسكان اصليين, كره, حقد لا يمكن تبريره نتج عنه جفاف فكري واخلاقي مخيف ودوران في دوامة من حلقات فارغة لا يجدون لها مخرجا حتى بات الواقع لا يمكن وصفه ولا يمكن تعليله وايجاد سبب منطقي لكل ما يحدث.
منذ قرون وقبل الاتصال بالمجتمع الغربي كانت شعوب الشرق تعيش سباتا اقرب الى الخدر جعل حياتهم جامدة مقفرة تعيد اجترار الماضي في دورة لا خروج منها ولم يشعر ابناء هذه المنطقة بخيبتهم وموتهم الحضاري لانهم جميعا في مستنقع متخلف واحد لا يعرفوا غيره, لكن بعد الفتحة التي اوجدها محمد علي في جدار المنطقة ودخول بعض الضوء الذي اربك الواقع اكثر وبدأت حيرتهم تزداد وفوضتهم تتعاظم وبعد الحرب العالمية الاولى واحتلال دول الغرب للمنطقة والاحتكاك المباشر الذي حصل نتيجة وصول جيوش ومواطنون اوربيون وما حملوه من معرفة وتكنلوجيا حتى بدأت شعوب المنطقة تعيش الحيرة والارباك والعجب والتساؤل والاحساس بالمرارة التي انتجتها المقارنة بين واقع منحط متردي الى اقصى درجات الظلام وبين عالم اخر يعيش مرحلة حضارية متقدمة وكان الاحباط الاقوى الذي تولد هو ان هناك فرق شاسع يحسب بمئات السنين بين دولهم الشرقية وبقية العالم لا يمكنهم عبوره بسهولة.. هذه التساؤلات والمقارنات وحركة الاتصال بين العالمين المتناقضين حدت بشعوبنا ان تشمر عن سواعدها الفكرية والعلمية وان تبدأ السباق نحو الحضارة الانسانية ومحاولة دخولها والاشتراك والاسهام بإنتاجها.. وفعلا بدأت حوارات وطروحات وبدأ هناك تواصل اظهر خيوط طريق يمكن سلوكه كي نتجاوز حالة التردي التي نعيشها, لكن ما ان بدأت تلك الخطوات تسير على طريق المستقبل حتى ظهرت صراعات وحالة من الارتباك ومعارضة من قوى خفية هلامية الوجود لما تنوي الشعوب الاقدام عليه وحدثت فوضى جديدة ومعرقلات تبرز على طريق سالكيه وعدنا كما كنا بل اشد من السابق, فهذه المرة اصبحت حالة التردي وكأنها ممنهجة ومخططة خلفها تقف قوى مخفية تمسك بخيوط اللعبة تحركها كيفما ووقتما تشاء..
اول هذه القوى واخطرها هي نحن شعوب هذه المنطقة ومؤسساتنا التي اوجدناها التي لا تريد الخروج من مستنقعها وكأنها ادمنته وتخاف المغادرة والتيه بين حبات رمل في صحراء عاقر لا تلد الا نفسها. ان الفكر الجمعي لهذه المجتمعات الذي تشكل عبر قرون من الردة والتخلف والانغلاق وعدم الرؤية ابعد من رؤوس انوفهم, الفكر المبني على القسوة والقتل والهيمنة, الفكر الذي لا يرى غيره وان رأى فيجب ان يقمع ويقتل ويسكت مستخدمين سلاحهم الفتاك الذي انتجوه عبر خبرة قرون في بيئة خنوع وفقر وتخلف, ان هذا الفكر الجمعي الاحادي لم يستطيع ولادة رؤى سليمة بل اتصفت كل اتجاهاته بالعقم والسطحية والقدرية الجامدة حتى للاتجاهات التي توصف بالعلمية فهي لن تستطيع تجاوز واقع مزري ترعرعت فيه وكانت ناتجا له.
وثاني هذه القوى هو النظام العالمي الرأسمالي الذي لا يقل بشاعة عن واقع بلداننا, هذا النظام الذي يسوق بمظاهر الانسانية والعدالة والتطور العلمي والتكنلوجي الذي استغل حالة التخلف والتردي الفكري ليقوم باكبر جريمة عرفتها الانسانية في قتل وترويع وغش ثم سرقة بلدان المنطقة بحجج كثيرة وباسلوب متقن ينطلي على اذكى قيادات هذه البلدان مستغلة قوتها المادية والعلمية وماكنتها الاعلامية المخيفة التي تقلب الحقائق وتشعل النيران وتعمي الابصار, ادخلت شعوب المنطقة في ازمات وصراعات قاتلة, لا تنتهي ازمة حتى تبدأ اخرى كي تبقي الشعوب في حالة فوضى وارباك لا تعطي لهم فرصة اخذ فسحة للتفكير بالحال الذي هم فيه مخبوصين.
هاتان القوتان الرئيستان المسؤولة عن حالة الجنون التي نعيشها ومن الصعوبة بمكان ان نتجاوز تأثير هذه القوى باساليب روتينية معروفة, فهي تحتاج الى ثورة بكل ما تعنيه الثورة من تغير لكل مفاصل الحياة المادية والفكرية وقد تحتاج هذه الثورة ان تمر بمراحل من الانفلات والفوضى للقضاء على كل ما هو قديم لتعيد تنظيم الواقع والعودة الى الامام واستلام الطريق الصح نحو حياة حرة كريمة طال انتظارها, وليس غريبا ان تكون انتفاضة تشرين في العراق شعلة هذه الثورة وطريقها للخلاص بعد ان تقلع كل جذور التخلف في النظام السياسي والمجتمعي القديم وبناء نظام سياسي جديد وعلاقات اجتماعية مبنية على الانسانية الحقة والعدل مؤمنة بالمستقبل طريقا للحياة.. غير طريق الثورة الشاملة لا اتوقع تغيرا سيحصل لان جبهة قوى الظلام والتخلف متحالفة مع النظام الراسمالي العالمي تمتلك من القوة والمال والتشريعات ما يحقق لها النصر مجددا لتعيد شعوب المنطقة الى حالة التردي التي تعودت عليها منذ قرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي