الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرواية كنسق معرفي، والقراءة كفعل إبداعي

علاء موفق رشيدي

2020 / 4 / 30
الادب والفن


الكتابة عن الرواية :

في كتابه الأخير ( قارئ الرواية تفاصيل وتجليات، منشورات ضفاف )، يرى الناقد المغربي ( د. شرف الدين ماجدولين) إن الحديث عن الروايات، موهبة لا صلة لها بإدمان القراءة، حسبما يرى مؤلف الكتاب، بل هي قدرة على الإختزال وتخيل الروابط، واستخدام الفقرات المقتطفة من صفحات متفرقة، إنه استدعاء سلسلة من الروابط الذهنية التي قد تنطلق من الرواية وتنتهي في التاريخ والذهنيات، مستشهداً بكتاب (الروائي السائج والروائي الحساس) للتركي أورهان باموق : ( تعلمت بواسطة التجربة أن هناك طرقاً كثيرة لقراءة الرواية. نقرأ أحياناً بمنطقية، أحيانا بأعيننا، أحياناً بمخيلتنا، وأحياناً بجزء صغير من علقنا )

حين يستعيد د.ماجدولين مثال تجربته في قراءة رواية المحاكمة لفرانز كافكا، يذكر المحاولات العشر التي احتاجها ليكمل قراءة الرواية، ومن هذا المثال يستنتج خصوصية بعض الروايات، التي تقترح أنواعاً جديدة من فعل القراءة، فيكتب الأسطر المميزة التالية : ( رصيد الرواية أكبر من أعمارنا مضاعفة عشرات المرات، لهذا مع مرور السنوات وضيق الزمن المتاح، قد لا نصبر على مطبات النصوص. هنات بسيطة قد تذهب بنفس القراءة، والروايات التي تعاكس القراءة أو تجهدها ليست بالضرورة مرشحة للركون على الرف، فهي قد تتحول إلى درس في تجربة القراءة بالتقسيط، أو القراءة بالمناوبة، أو القراءة بالشهوة )


الرواية والعلاقات العائلية :

تحت عنوان ( لا رواية دون عائلة ) يجزم د.ماجدولين أن لا رواية بدون تعقيدات عائلية، فهو يرى أن محن الأقارب هي التي تولد الشخصيات والأفكار الروائية الخالدة، مشاكل الإرث والطلاق والمرض والإحتياج والخيانة والثكل والعقوق، هذي هي الموضوعات التي دفعت بلزاك لكتابة رواية (الأب غوريو)، ودفعت دوستويفسكي ليكتب (الأخوة كارامازوف ) : ( ففي هاتين الروايتين ليس الجوهري هو السياق الإجتماعي الذي يكسب الأحداث والشخصيات دلالات تاريخية، بل الأهم هو تلك التفاصيل الدرامية المرافقة لتصرف الأبناء والأخوة، وكيف تختصر الكنه الإنساني الملتبس في الروايتين).

إذاً، بين التقليد الروائي وبنية العائلة تلازم رمزي، جدل في المضامين والقيم، ينطوي على ثراء مغر بالإستكشاف، فكلاهما ينهض على أصول، ويسعى إلى إعلان صور، بقدر ما يثوي أسراراً وألغازاً، فالرواية إظهار لوعي ذوات فردية، في صراعها وتواؤمها مع الآخرين. فمثلما يسعى الكون الروائي إلى إختزال الزمن والشخوص والفضاءات في رحابة ممكنة، تختصر العائلة التوق الإجتماعي وقيمه، وتناقضاته الوجودية.

الرواية والألم :

وتحت عنوان (الرواية جحيم) يكتب د.ماجدولين عن قارئ الرواية كشخص مهووس بالألم، مدمن لمسارات المعاناة ومكابدة الكرب والخيبات، قرينة الجحيم، فنقرأ من عبارات المؤلف : ( قارئ الرواية لا يشتهي الفرح موضوعياً، يتوق لأن يخرج من عوالم الألم بإحساس النشوة، والتطهير، وتمديد أفق الإلتباس في العالم، فهو حين يتابع مسارات الشخوص وتحولات الأمكنة وتقلبات الزمن، لا يبتغي أبداً أن يتطلع لتحقيق أحلام أو لإنجاز سعادات، يتشوف بالأحرى إلى أن تتجلى الغبطة ملوثة بالخيبة)

الرواية ككتاب قاتل :

يتحدث د.ماجدولين عن الرواية ككتاب قاتل، فيذكر بالحكايات القديمة عن العبد المملوك الذي يحمل كتاباً قد يخط على صفحة ورق أو على صلعة رأس، هي رسالة إعدامه، ويذكر كذلك بحكاية الكتاب المسموم التي نصادفها في (ألف ليلة وليلة) والتي ألهمت الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو بناء روايته ( اسم الوردة) على فكرة كتاب مسموم أيضاً. يقصد د.ماجدولين من هذه الأمثلة تبيان الحكايات والتخاييل التي عمادها أن الكتاب شأن خطير، شأن يرواح بين السم وقطع الرأس، لأن فيه خلخلة للقواعد التي تألفها الحياة.

يذكر المؤلف أيضاً بالنص المسرحي (جان قديسة المسالخ) للألماني بروتولد بريشت، والذي استدعى حياة الشخصية الفرنسية جان دارك في سياق عمالي مبتذل، مفعم بالأحقاد الطبقية، وذلك لكي يجعل من عواطف مثل الإيمان والمحبة والتضحية والتسامح تتجلى بوصفها قيماً بلهاء، أي أنها مسرحية تتأسس على مبدأ التشكيك في الثوابت، والمحاكاة الساخرة، وتدنيس الرمزيات.

وبعد هذه الإستعادة للنص البريشتي، يتساءل د.ماجدولين حول شيطانية الأدب : ( هل معنى هذا أن الأدب شيطاني ؟ محتمل جداً، بل يبدو أن الشيطانية صفة مركزية ومؤسسة لنسق معقد من التعابير الجمالية الرفيعة، فالرواية مثلاً ليست هي الإيمان ولا المحبة ولا الأخلاق ولا النبل، بل هي ما أسماه الروائي التشيكي ميلان كونديرا ب : ( الإختراق السريع والألمعي للجوهر الحقيقي لكل ما يشكل موضوعا لتأملنا )

يستحضر د.ماجدولين عدداً من التجارب في تاريخ الرواية، مظهراً قدرة الرواية في التعبير عن التجربة الذهنية والوجدانية للحضارة الإنسانية، يذكرنا بقدرة رواية (حكم بالإعدام – لموريس بلانشو)، على التجسيد الفني لمفهوم مركب مثل " العدم " ، ويستحضر رواية ( هذيان أيام فيرناندو بيسوا الثلاثة الأخيرة – لأنطونيو تابوكي) ليدلل على قدرتها في التعبير عن التداخل بين الذوات والأسماء، وكذلك يعيد التذكير بقدرة روايات الكولومبي (غابريل غارسيا ماركيز) في التعامل مع الواقعية والعجائبية في الآن ذاته، ويقدم نموذجاً عن قدرة التخييل على مواجهة الفقدان في رواية ( لعبة النسيان - لمحمد برادة ).

دور القارئ في الرواية :

يفتتح د.ماجدولين كتابه هذا بالحديث عن دور القارئ في الفن الروائي، فالقارئ برأيه هو القائم بفعل القراءة الأساسي في تلقي أي عمل روائي. وبالتالي القارئ من يقوم بدور توجيه الأحداث، ويؤلف الصلات بين الشخصيات، يصنع المشاهد، ويركب الحوارات.

يرى د.ماجدولين أن السياسية، والفكر والعقيدة، هي كلها أنساقاً ثقافية وحقولاً معرفية، تؤول في النهاية إلى روايات صغرى وكبرى، وبالتالي فإن لها قراءاً مغرضون حسب تعبيره، قراء بخلفيات معقدة، ومن هنا يكتب د.ماجدولين : ( كان التاريخ نموذجاً مثالياً لهيمنة قارئ الرواية، بما أنه الحاضن الزمني لكل تلك الأنساق والنظم، والمرجع الأساس في نشأة كل الروائيات الكبرى وتأويلها )

القراءة كفعل تركيبي :

يعتبر د.ماجدولين أن قراءة الرواية موهبة ولعنة في آن، بقدر ما هي شهوة متقدة. فقارئ الرواية لا يحتاج إلى قواعد بل إلى تفاصيل، ومن هنا يأتي عنوان الكتاب. التفاصيل المنبثقة من ذاكرة النصوص، هي عدّة القارئ العام، والوسيلة التفسيرية التي تتصل أساسا بمبدأ " التذوق " في استقلال عن خطط التأويل أو استجلاء القيم.

أما عن القواعد النظرية، فيعتبر د.ماجدولين أنها عُدّة الناقد والمترجم والمنظر الأدبي ومؤرخ الأجناس التعبيرية، ممن يقرأون النصوص الروائية بهدف تركيب خلاصات، والانتهاء إلى نماذج تهمّ كنه الجنس الأدبي ووظائفه، وجمالياته. وهي أيضا مرام من يسعى إلى تفسير امتداد الرواية على رقعة شاسعة من الأنواع والأشكال التي تكتسح مجال التلقي.

يعتبر د.ماجدولين أن التذوّق قرين " الفهم "، لعبة مشروطة بالقدرة على المقارنة واستدعاء " التفاصيل" الملتبسة، التي تصل النص بذاكرة القراءات وأفقها المفتوح، في الروايات بشتى تجلياتها النوعية والخطابية وفي غيرها من الأجناس التعبيرية، " التفاصيل " هي الأداة الرئيسية التي تجعل الذهن يستوعب مدونات السرد الروائي ومعجمه ومجازاته وشخوصه وعوالمه، إنها العتبات التي تستدعي المفاتيح، مفاتيح الأثر، وتحفز الذهن على توليد الدلالات.

في كتابه (جدوى القراءة ) يحصي الناقد والروائي الفرنسي (شارل دانتزيغ) مئات المبررات الجدية والعبثية لقراءة الرواية، بيد أن أهم عبارة قد تستوقفنا في كتابه البالغ الطرافة، هي تلك التي يعتبر فيها القراءة : (سلوكاً لازماً لعدم ترك جثثنا ترقد بسلام)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا