الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم الجمالية وحوافز الأبداع في الفن التشكيلي المعاصر

تحسين الناشئ

2020 / 4 / 30
الادب والفن


لم تنتظم العملية الأبداعية في يوم من الأيام بمعزل عن الفكر البشري الفعال والمؤثر، ولا يتأتى لعملية الأبداع النضوج الكامل من غير اشراقة ذلك الوهج الكامن في أعماق الفنان والمرتبط بالموهبة والحدس (Intuition)والقدرة على التعبير. فعملية الخلق الفني عملية شعورية منهجية يحكمها التأثر والأنفعال والأستجابة لفعاليات المحيط من جهة، ومن ثم تنامي الأحساس بالقيم الجمالية للموجودات من جهة أخرى. كما ان قدرة الفنان على الأبداع ترتبط لاشك بقدرته على الأستنتاج ((conclusion، الأستنتاج الذي يصل حد الحدس دون استبطان قيمة الفعل الجمالي الموصوف للصور والأشكال، فوجودها (الأشكال) كصور مرئية مدركة في واقعنا وبالتالي في المشهد الأبداعي هو ضرورة بغض النظر عن ماهيتها الوظيفية. ومن هنا تأتي أهمية التعبير عنها او توظيفها في المنجز الفني.

في مراحل عديدة من تأريخ الفن التشكيلي، ثمة نتاجات كثيرة تم صياغتها بجهد ابداعي فذ، بقيت تعيد طرح ذاتها وقيمها الجمالية بجدارة بين مرحلة وأخرى من مراحل التأريخ، فنراها قادرة على فرض حضورها وتأثيراتها الحسية البصرية على المتلقي أينما كان، وذلك يعود الى ماتتضمنه من عناصر إبداعية متقدمة ومزايا لاتتقبل الأستهلاك. كذلك امتلاكها قدرا مقبولا من الوضوح clarity)) فتبدو سهلة القبول عند جميع الثقافات. ولاشك في كون الفن حلقة جوهرية في سلسلة المعرفة، بل انه جزء فاعل في حركة الحياة والطبيعة الأنسانية. والفن كما يقرر علماء الجمال هو تعبير عن شعور (Expression of feeling) قبل ان يكون تعبير عن أفكار، ذلك ان الحقائق قادرة على فرض وجودها دون الحاجة للأشارة اليها. وبطبيعة الحال لايستطيع الفنان اقامة صلة حقيقية وتواصل معرفي الا مع الصور والمفردات التي تثيره حسيا وجماليا او وجدانيا لتحرك فيه نوازع الأبداع وتحفزه للتعبير عما تتقبله ذائقته منها عن طريق وسائله العملية. اما الى أي مدى يمكن ان يصل عمق ذلك التعبير او الأنغماس المعرفي المباشر بين الفنان ومفرداته، فهنا تكمن المسألة.

في العصور الماضية كانت كل الأحتمالات قائمة فيما يخص عملية الخلق الفني، الا ماهو منافي للذوق فيرفضه الذوق وماهو منافي للعقل فيرفضه العقل او ماهو منافي للجمال فيرفضه البصر، غير ان تلك السياقات تساقطت كلها مع الزمن بفعل تطور القيم الجمالية والأختلاف في طبيعة النظر الى الأشياء وبفعل التفسير الحديث للفن. ففي واقعنا المعاصر تلاشت جميع المحددات والقيود ولم يعد هنالك مايربك فطرة الفنان وتلقائيته وافكاره ومشاعره ورؤاه. ومع هذا بقي من الضروري للفن ان يسعى الى خلق نوع من التوازن في استجابة حواس المشاهد جميعها للنتاج الفني دون تعطيل احداها او شلها، هذا إضافة الى ضرورة مخاطبة هذه الحواس والتأثير عليها قبل مخاطبة العقل والتأثير عليه، ففي هذه النواحي يكمن الأحساس والشعور النفسي والجمالي بالمرئيات، فالفن أولا وقبل كل شيء (ممارسة شعورية واعية) مثلما ذكرنا، انه تعبير عن مشاعر وقيم حسية وصور مدركة بصريا ووجدانيا. وبالنتيجة فان قدرة المشاهد (المتلقي) على تلمس خصائص النتاج الفني وتذوقه والتفاعل معه هو الأمر المعول عليه.

لكن ثمة سؤال جوهري يطرح نفسه على الدوام:
تُرى اين يكمن سر نجاح العمل الفني؟
مالذي نعنيه بالقول (عمل ناجح؟) هل المقصود هو العمل المؤثر؟ ومامدى ذلك التأثير؟ ان عملا معينا يؤثر في فئة من الناس قد لايؤثر في فئة أخرى، وان نتاجا ابداعيا يثير شعبا معينا، قد لايثير شعبا آخر مختلف الثقافة.. وربما هنالك نتاجات فنية كانت تترك تأثيرها بابناء القرن السابع عشر، قد لاتثير اليوم اعجاب الأجيال الحاضرة، وهكذا. فبعض النتاجات الفنية تكون فاعليتها مرهونة بالزمن، زمن وجودها (إنجازها) بفعل خضوعها لكل معطيات واسقاطات ذلك الزمن الذي يطبع العمل بطابعه ونمط ثقافته الجمالية وان لم يكن هذا الأمر حتميا. بمعنى آخر تقتفي بعض النتاجات اثر محيطها زمن الأنجاز فتكون مرهونة بالأطار العام لعصرها. وبسبب ذلك تنتهي اعمال عديدة (يضعف تأثيرها في المشاهد) في اوانها.

ان الحجاب (الغموض) الذي تلقيه بعض الأعمال الفنية، في الرسم والنحت، على نفسها لايشكل سرا من اسرارها ولايمثل نمطا من خصائص القوة والنضج فيها، انما هو اعلان عن عدم فاعليتها مع الواقع. فكيف يمكن للعمل الفني ان يكون مؤثرا في الوقت الذي يكون فيه معقدا وغامضا؟ ان التعقيد Complexity)) يقضي على واحدة من اهم مزايا الجمال وهي البساطة (Simplicity) ، ومن ثم الوضوح والقدرة على التأثير الأيجابي، فالتعقيد والغموض من شأنهما ان يوسعا الهوة بين نتاج الفنان والجمهور، في الوقت الذي يتوجب فيه حث المتذوق (المشاهد) على التمسك بلذة المتابعة عن طريق الصور المبتكرة الواضحة. واذا كان الأبتكار (في الشكل والأسلوب) داعيا من اهم دواعي واصول الحداثة، فانه يشكل مؤشرا مهما لقدرة الفنان على الخلق والأبداع والتجديد.

تبدو وقائع واحداث العالم المرئية في عيني الفنان على هيئة متوالية مستمرة من الصور المتتابعة تتشكل امام بصره أينما اتجه دونما انقطاع، او انها اشبه بسرب من الأفكار تم بعثرتها في فضاء هذا العالم وما عليه الا اقتناص تلك الومضات المشبعة بنبض الحقيقة والتي يرى فيها اسرارا فاعلة مناسبة لأحساساته ومشاعره وذوقه، فيقوم بطرحها (التعبير عنها) بوسائله العملية. ليس بالضرورة ان يكون لتلك الأحداث صلة ما بحياته او ان تكون ذاته هو جزءا مما تشكل منها، غير ان المهم في المسألة هو مدى تأثيرها ووقعها على نفسيته وفكره ومستوى استجابته او ردة فعله تجاهها لكي تكون محرضة له لقبولها كثيمة حياتية تستحق ان تكون مادة مناسبة وفاعلة لمنجزه الفني.
والفنان عموما يرى في الصور المُشكّله امامه معانٍ أخرى غير المعاني التي تتضمنها في الحقيقة، وان جوهر الحقيقة في رأيه لايكمن بمايراه امامه في الواقع، انما مايتشكل من تكوينات في ماوراء الصور، أي ان العالم الحقيقي في نظر الفنان ليس هو بالضرورة مانراه ونعيشه، بل هو العالم الذي يبدو في مخيلته والذي يصل اليه من خلال الكشف عما وراء الصور المرئية الملموسة (الأشكال). هكذا يرى الفنان العالم، لذلك تبدو بعض الأعمال الفنية المعاصرة وكأنها نقيض للعالم الذي نعيشه، بسبب ما تتضمنه من غرائبية او تشويه للشكل او تبسيط له او التحليق به خارج المألوف. ان اكثر الفنانين سلوكا لهذا النهج هم اتباع الحركات المعاصرة في الفن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع