الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن فاعل هلاكنا

سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)

2020 / 5 / 1
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


(وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا). الكهف. 18: 59.‏
إذن، لم يكن الهلاكُ إلا لأسبابٍ بشريّة، وآليةُ الهلاك أو مظاهرها المتنوعة، إنما هي ‏بأسبابٍ بشريّة، فثورة الطبيعة أو فيروساتها، أو أيّ مظهر آخر لها إنما هو في ناموسها، أو ‏نواميسها، وليست طارئة. ضمن نواميسها يحصل شيْء إذا حصل شيء، والمطلوب من الإنسانِ ‏أن يفهمَ هذه النواميس كي يتلافى أخطارها عليه.‏
تشكّل " لمّا" في الآية بؤرة المعنى، من كونها ظرفاً زمانياً يتضمّن معنى الشرط، ولكونها ‏ظرفاً يجب أن تتعلقَ ، ولأنها تتضمن معنى الشرط فهي متعلّقة بجوابها الذي تقدم عليها ‏‏"أهلكناهم"، ما يجعل ما بعدها شرطاً لما قبلها.‏
الظلم فعلاً ماضياً مسنداً إلى أهل القرى، هو شرط هلاكهم.‏
ما الظلم؟ هل هو واحدٌ على مر العصور؟ ‏
نعم لجهة المفهوم هو واحد، وهو عند أهل اللغة "وضع الشيء في غير موضعه المختصّ ‏به، إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه". وهذا ما يحصل في حضارتنا ‏الإنسانيّة باستمرار، فحضاراتنا على مر العصور ما كانت تندحر لسبب مزاجي عند رب العزّة، ‏بل كان الإنسان يظلم نفسه فيحيدُ بها عن حقّها بنقصانٍ أو زيادة، أو في غير موضعها أو ‏زمانها. فها نحن نلقي بنفاياتنا في مجاري الأنهار أو نطمرها لتصل إلى مياهنا الجوفيّة، وها نحن ‏نملأ هواءنا بالغازات السامة، والأشعةِ القاتلة، وكذلك نقضي على حياتنا بالمأكولات البلاستيكية، ‏أو ما شابه، وكذلك نزني وننحرف بالزنا ونكون ضد الطبيعة في علاقات مثليّة نغطيها بقوانين ‏نعطيها حرمة الحق الإنسانيّ زوراً وبهتانا. ونسرق تحت اسم الفوائد، ونظلم كثيرين بحرمانهم من ‏حق الوصول إلى المعلومة، أو من حقّهم في التعلم قبلاً، كما نظلم الآخرين بتصنيفهم عرقياً أو ‏جنسيّاً، أو دينياً أو طبقياً، ونستغلّ لونهم أو جنسهم لنقهرهم في مصالحنا، فكيف لا يؤدي ذلك ‏كله إلى الهلاك؟!‏
لا أقصد أن الإنسان إذا زنا سيؤدي ذلك إلى زلزال مثلاً، بل كل شيء يتعلّقُ بأسبابه ‏الحقيقية المباشرة وغير المباشرة، وعلينا أن نفهم ذلك، وأن نعتمدَ شرعةً تحمي حقنا في الحياة ‏واختلافاتنا، وهذا وغيره لا يمكن أن يكون من دون الإصرار على العلم والتربية، وتربية العقول ‏على التفكير المتطوّر. ‏
إذن، الظلم هو هو على مرّ العصور، غير أن مظاهره تتبدّل وتتغيّر، ولا مناص دون ‏تبدّل آليات التقوى بإزاء هذا الظلم المتطوّر، حتى لا تكون هذه الحضارة الباهرة علمياً سبباً في ‏اندحار البشريّة، وعندها ستكون عبارة توينبي " الحضارات العظيمة لا تموت قتلاً بل تنتحر" ‏أجمل فهمٍ للآية القرآنية الكريمة. ‏
أما موعد الهلاك فمرهونٌ بموعده، وليس بالادعاء أننا فعلنا ما فعلنا ولم يحصل شيء، ‏بل هو مرهون بموعده الذي تحدده طبيعةُ الخروج على الناموس، فمنها ما يستغرق جيلاً بعد جيل ‏ومنها ما يكون للتوّ.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل