الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاتح ماي ذكرى تستحضر و ليس عيدا للإحتفال

شفيق العبودي

2020 / 5 / 1
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي: العمال والكادحين بين وباء -الكورونا- و وباء -الرأسمالية- ودور الحركة العمالية والنقابية


تحل اليوم ذكرى فاتح ماي أو الأول من أيار في ظل جائحة الكورونا19 مما سيحرم العديد من العمال عبر العالم من النزول إلى الميادين و الشوارع ليس للتعبير عن فرحهم أو ليتلقوا الورود و الهدايا بل ليصدحوا بحناجرحم، و معهم نقاباتهم ـ بغض النظر عن بيروقراطيتها فتلك قصة أخرى ـ، ليعبروا عن رفضهم و تذمرهم من أوضاع الإستغلال و البؤس و الجوع و الفقر الذي يرزحون تحت أقداهم مع أنهم ينتجون كل ثروات الأرض إلى جانب حليفهم الأزلي الفلاح و في نفس الآن للمطالبة بتحسين وضعيتهم الإنسانية أولا قبل المادية و الإجتماعية. لهذا لا يمكن القول بأن فاتح ماي هو عيد لأن مظاهر العديد غير موجودة، و إن كان هناك عيد فهو عيد الباطرونا و الرأسماليين الذين يمتصون عرق و دم هؤلاء العمال، الذين يكتوون إلى جانب الإستغلال بنار الغلاء و الزيادات المتتالية في الضرائب مقابل غياب تام للخدمات الإجتماعية التي يحتاجونها من تطبيب و تعليم و سكن و نقل و غيرها، فأي عيد يجوز الحديث عنه هنا؟ و أي احتفال تسوق له الأبواق الإعلامية و البرجوازية؟ طبعا حاولت و تحاول الرأسمالية عبر الباطرونا و خدامها الأوفيات من أشباه المثقفين و الإعلاميين و حتى القيادات النقابية التي باعت الطبقة العاملة، و خانتها و تخلت عن دورها الطليعي و التاريخي من أجل تحرير العمل و العمال كل هؤلاء يحاولون جاهدين أن يقنعوا العمال بأن فاتح ماي هو عيدهم، فما هي القصة الحقيقة لذكرى فاتح ماي إذا لم يكن عيدا؟
هناك تضارب أو اختلاف حول القصة بين من يقول بأن الأمر بدأ بأستراليا و بين قائل اخر بأن البداية كانت بالولات المتحدة الأمريكية، لكن الأرجع في اعتقادي هو الولايات المتحدة الأمريكية و بالضبط عام 1886 في هايماركت في شيكاغو حيث أن ما وقع في ذلك التاريخ بولاية إيلينوي بالولايات المتحدة، لم ينحصر تأثيره على العمال في أميركا فقط بل امتد إلى أنحاء العالم، وما حصل في المسيرة العمالية يوم 4 مايو 1886 في هايماركت، ليس إلا نتيجة لمسار نضالي بدأه العمال في صيف عام 1884 عندما دعا اتحاد النقابات العمالية، إلى تقليص ساعات العمل اليومية إلى ثماني ساعات فقط، وطالب بزيادة الأجور و وضع القيود على تشغيل الأطفال، وبعد عامين من التخطيط، أرسلت الحركة العمالية المنظمة في شيكاغو وجميع أنحاء ولاية إيلينوي استمارات إلى العمال لمعرفة موقفهم بشأن تقليل ساعات العمل والقضايا الأخرى، بما فيها تشغيل الأطفال، وكان من أبرز منظمي المظاهرات التي انطلقت في الأول من مايو 1886، كانا ألبرت بارسونز و لوسي بارسونز، هذه الأخيرة ولدت في ولاية تكساس في عام 1853 تقريبًا، من أصول أفريقية ومكسيكية،و التي عملت في مكتب فريدمان بعد الحرب الأهلية، و بعد زواجها من ألبرت بارسونز انتقلت إلى شيكاغو حيث حولت اهتمامها إلى كتابة وتنظيم و تأطير النساء العاملات في الخياطة، و كان ألبرت عاملاً في مطبعة، ومحررًا لورقة العمل The Alarm وأحد مؤسسي جمعية شيكاغو للتجارة والعمل. و قد ذهب يوم الأحد، 2 مايو 1886، (قبل اعتقاله) إلى أوهايو لتنظيم مسيرات هناك، في حين نظمت زوجته لوسي وآخرون مسيرة سلمية أخرى لنحو 35 ألف عامل. ولكن يوم الاثنين، 3 مايو، تحول المشهد السلمي إلى عنف عندما هاجمت شرطة شيكاغو المتظاهرين، وقتلت عمالاً معتصمين في مصنع ماكورميك ريبر في غربي بلو آيلاند أفينيوز، و قد أثار هذا الهجوم المزيد من الاحتجاج وعقد على إثره اجتماعاً كان مخططاً له في ساحة هايماركت مساء 4 مايو. وقد طرحت فيه القضايا الحقيقية بحيث لم تقتصر على المطالبة بتقليص ساعات العمل، كما يحاول التاريخ أن يقزّم المطالب التي رفعت أنذاك ويفرغها من مضمونها الحقيقي، وإنما تركز الإجتماع على جملة قضايا منها حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحق في التجمع الحر، والحق في محاكمة عادلة للنقابيين، وحق العمال في التنظيم والقتال من أجل مطالبهم ومنها العمل ثماني ساعات يومياً و عدم تشغيل الأطفال.
إذن الواقعة تعود إلى 1886م و بالضبط بعد بعد انتهاء مظاهرة هايماركت العمالية التي شارك فيها حوالي 80 ألف عامل، ولم يبق سوى 200 شخص فقط متجمهرين فتعرضوا لهجوم من جانب 176 من رجال الشرطة مدججين بالسلاح، في تلك الأثناء ألقى شخص مجهول أول قنبلة ديناميت تستخدم في تاريخ الولايات المتحدة في زمن السلم، أدى إلى مقتل إحدى عشر شخصا من بينهم رجال الشرطة. و في اليوم الموالي أعلنت الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد و ليس فقط في شيكاغو، واستغلت الحكومات المناهضة للعمالة و الطيقة العاملة في جميع أنحاء العالم حادث شيكاغو لسحق الحركات النقابية المحلية، بينما في شيكاغو ألقي القبض على قادة العمال، واقتحمت الشرطة المنازل دون مذكرات تفتيش، وأغلقت الصحف النقابية كافة. في نهاية المطاف أخضع ثمانية رجال من الحركة العمالية للمحاكمة، وكان من بينهم بارسونز ونجار صغير يدعى لويس لينج، الذي اتهم بإلقاء القنبلة، رغم ثبوت أنه لم يكن في مكان الانفجار. و استمرت محاكمة هؤلاء العمال شهرين كأحد أشهر المحاكمات في تاريخ الولايات المتحدة، حتى أن صحيفة "شيكاغو تريبيون" عرضت دفع أموال لهيئة المحلفين إذا قضوا في محاكمتهم على أن الرجال الثمانية مذنبون. و فعلا في 20 غشت 1886، أصدرت هيئة المحلفين حكمها بالإعدام شنقا على سبعة، وحكم على المتهم الثامن بالسجن 15 عامًا مع الأشغال الشاقة، لكن الضغط الوطني والعالمي أجبر الحاكم أخيراً على تغيير بعض الأحكام، لكن لويس لينغ وجد مقطوع الرأس في زنزانته، وشنق كل من أدولف فيشر وجورج إنجل وألبرت بارسونز وأوغس سبايز في 11 نوفمبر 1887. وفي يونيو 1893، أصدر الحاكم جون بي ألغولد عفوا عن الثلاثة الذين ما زالوا أحياء، وأدانوا النظام القضائي بأكمله، لكن بعد فوات الآوان. وفي عام 1877، بدأ أول إضراب على المستوى الوطني في تاريخ أمريكا، ونظّم العمال مظاهرة كبيرة، واندفعوا إلى الشوارع، وطالبوا الحكومة بتحسين ظروف العمل والعيش، وتقصير دوام العمل إلى ثماني ساعات يومياً، وازداد عدد المتظاهرين والمضربين بسرعة في بضعة أيام، ما جعل الحكومة الأمريكية تحت هذه الضغوط الكبيرة الرضوخ إلى وضع قانون لتحديد دوام العمل اليومي بالساعات المطروحة، غير أن الرأسماليين لم يلتزموا بهذا القانون أبدًا، بل واصلوا استغلالهم للعمال، واستمر العمال بالعمل بلا انقطاع. و قد أخذت قضية هايماركت البعد العالمي في يوليو 1889، في المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية في العاصمة الفرنسية باريس عندما أوصى مندوب من الإتحاد الأميركي للعمل في مؤتمر عمالي في باريس بتخصيص يوم الأول من مايو يوماً عالمياً للعمال، في ذكرى شهداء هايماركت والظلم الذي وقع في تلك القضية. منذ ذلك الحين و العمال يخلدون ذكرى (شهداء هايماركت) ضمن العديد من الإجراءات والتظاهرات الخاصة بالأول من ماي. و هذه السنة رغم الجائحة يخلد حوالي أربعة ملايير من العمال عبر العالم هذه الذكرى الأليمة التي تحكي قصة الصراع ضد الرأسمالية و الإسغلال الذي تَعَرضَ و لازال يتعرض له العمال عبر العالم، لمعاودة التفكير في المصير المشترك و طرح الحلول الممكنة للتخلص من واقع الإستغلال و ليس التجمع للإحتفال و ترديد عبارة (قولو العام زين) الواقع يزداد سوءا و الرأسمالية الإمبريالية صارت مستعدة للنضحية بكل شيء من إجل إنقاذ نفسها، و الخسائر التي تكبدتها و تتكبدها جراء وباء الكورونا ستدفعها الطبقة العاملة بلا شك، و هكذا سيزداد وضعها بؤسا بعد ماي 2020 لذلك اخترت أن انهي الكلام عن الذكرى و ليس الإحتفال بأن أقتبس مما قاله لينين محرر الطبقة العاملة ذات ابريل من سنة 1904م في خطاب موجه للطبقة العاملة ما يلي:" أيها الرفاق العمال، هاهو أول ايار، يوم تجديد النضال ضد كل عنف وكل اضطهاد للإنسان من قبل الإنسان، النضال الذي سيحرر ملايين العمال من الجوع والبؤس والإذلال، يتجابه عالمان في هذا النضال الكبير،عالم الرأسمال وعالم العمل، عالم الاستغلال والاستعباد وعالم الاخوة والحرية. ومن جهة، ثمة حفنة من الأغنياء الطفيليين، احتكروا المعامل والمصانع والأدوات والآلات، وجعلوا ملايين الهكتارات من الأراضي وجبال الذهب ملكيتهم الخاصة، وأجبروا الحكومة والجيش على خدمتهم وعلى حراسة وفية لما كدسوا من ثروات".
و كل ذكرى و العمال منظمون واعون مناضلون ضد الإستغلال و من أجل التحرر.
ذ.شفيق العبودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو