الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين دفتي كورونا و إعادة إنتاج القهر :

خالد بوفريوا
صحفي

(Khalid Boufrayoua)

2020 / 5 / 2
حقوق الانسان


فيروس كورونا الموشوم علميا تحت إسم COVID-19 ،الجائحة التي أوقفت البشر قبل الحجر و جعلت الأنظمة بتحالفاتها و أقطابها و أجهزتها تقف و قفة مع الذات لمراجعة السياسيات و إعادة ترتيب الأولويات خصوصا حجم الإنفاق السنوي على قطاعات دون أخرى (...) .فمنذ بروز البوادر الأولى للأزمة على المستوى العالمي استشعرت الأنظمة العربية حجم الخطر لتدق نواقيس (الإحتراز) لأنها تعي جيدا هشاشة بنيتها على كافة الأصعدة بداية بصحة مرورا بالإقتصاد ،وصولا إلى التعليم وما أدراك ما (التعليم) . فبين مطرقة كورونا الفولاذية و سندان القهر و إعادة إنتاجه، يقبع المواطن المغربي المغلوب على أمره فقلبه نهشته الجائحة هلعا و ارتعدت جوارحه خوفا، أما جسده فلم يسلم من ماكينة السلطوية القهرية المصحوبة بالإهانة المعلنة عبر المباشر، مُولدة تركيبة بنيوية من العقد السيكولوجية يصعب على رائد التحليل النفسي ’’فرويد’’ إذا أقمناه من مثواه فك طلاسمها .
فلماذا القهر بالأساس حتى يعاد إنتاجه ؟
سنخضع ظلال هذه الإشكالية لتحليل سوسيوسيكولوجي كي نستوعب عمق ما تحتويه من قضايا جد مترابطة كنسيج العناكب و إنعكاسات سياسة القهر، إذ تحول المقهور إلى قاهر لغيره مما يجعلنا ننتقل من طورالقهر إلى طور أخر ماراطوني من إعادة إنتاج القهر من طرف المقهور نفسه. ولا يزال تحليل الكاتب البرازيلي ’’باولو فريري’’ صاحب الدراسات المدوية في هذا المجال، صالحة لفهم و استيعاب ولو من باب (التسطيح)، جملة من المسلكيات الغير سوية سيكولوجياً بل وجودياً حتى، مَن مِن يمثلون (الدولة و المؤسسات و السلطة التنفيذية و دكشي).
ما إن تم الإعلان الرسمي عن حالة الطوارئ الصحية كإجراء هجين لمحاولة حصر تفشي الفيروس، حتى اعتبرت الألة القهرية ذلك بمثابة شيك على بياض يسوغ لها التمادي في إنتهاك حقوق المغاربة تحت تبرير واحد (بقا فدارك). سالكة في ذلك نهج العنف بمختلف أنماطه (القائد المقنع على سبيل الذكر)، هذا الأخير أي "العنف" بفهم ’’بيار فيو’’ حالة من الضغط المادي و المعنوي ذات الطابع الفردي و الجماعي ينزلها الإنسان بالإنسان فيما يتعلق باستلاب حق من الحقوق. أو كما يراه يراها رائد التحليل النفسي ’’فرويد’’ نابع من كبت داخلي لم يخرج بالصورة التي تُفرغ النفس منه، فيتحول على هيئة عدوان. و كأننا في مارطون هلامي لإثبات من الأقوى، وإذا تصفحنا إختصاصات (من يمارسون العنف و يشكلون الوقود الأحفوري للآلة القهرية) سنجدها لا تعلو فوق الحفاظ على الأمن و النظام و الممتلكات معتمدةً في ذلك على أجرأة النص القانوني، و ليس (التصرفيق) والإهانة و إعادة إنتاج القهر كقيمة مجتمعية. وما يزيد المشهد سوداوية هي تلك المنابر التي تُصدر ما يسميه ’’بير بورديو’’ عنف غير فيزيائي، هادئ، مقنع و غير مرئي، (مواقع التشهير المخزني) التي يعتمد وجودها بالأساس على (تسطيح) وعي المجتمع عن طريق إغراقه في التفاهة و تسليط عدسات الكاميرا على أبطال من ورق أصحاب (روتيني اليومي) وترك الجوهر منخور، لكن لنعمق النبش في الفاعل الأساس لقضيتنا ألا وهو العنف باعتباره المنشئ الحيوي للقهر.
ما كان يُعرف بالأمس الغابر (العنف المقدس) أي القائم باسم الإله حولته صيغة الحداثة إلى (العنف في سبيل القانون)، فالدولة هي التي تمارسه و تِؤطره و تحظر على غيرها إستعماله. لكن في المقابل يتنازل الإنسان طوعاً للدولة ممتثلا لإرادتها، فقط لأنها تحافظ له على السلم الإجتماعي أو كما تؤكد الفيبيرية ’’نسبة إلى ماكس فيبير’’ أن حيازة الدولة لكل أشكال العنف يتطابق في الأصل مع طابعها القانوني و أن من أكبر مهام الدولة الحد من العنف و السعي إلى إلغائه وذلك باستخدام العنف ذاته هنا يسقط سؤال صادق من تلقاء نفسه :
من يمارس العنف قانون الدولة أم دولة القانون ؟
الدولة حين تمارس العنف لأجل القانون فإنها بذلك تحتفظ بشرعيتها المستمدة من القانون أمام عموم المواطنين، لكن عندما يحدث العكس فإنها تتعامل بالقانون الذي يخدم الديكتاتور وما يخرج العنف عن شرعيته و يصبح ممارسة قمعية قهرية وأداة في يد السلطة لتطويع أفراد الشعب.
لقد عرت محنة كورونا البنية الهشة لنظام السياسي القائم بالمغرب و جعلت منه تلميذ جد كسول يرسب في أول إختبار، فمن جهة أولى: وبين ليلة و ضحاها أرادت أجهزة النظام صُنع (مواطن السندويش) واعي، ملتزم بالإجراءات و يعي حجم الكارثة القادمة و نسيت أو تناست بالأحرى عقود من زمن قضتها من خلال تمرير سياسات التكليخ و قمقمة الفكر و جعله على المقاس و إخضاع دور المدرسة و الأسرة للرقابة. و من جهة أخرى : فالهشاشة البينة التي يعاني منها قطاع الصحة الذي يفرض على النظام ومن يسبح في تياره تقديم اعتذار لشعب على عقود من التدبير الفاشل حتى أوصلوه منهك لغرفة الانعاش .

----------------------------

(1) العنف الرمزي،بيار بورديو
(2) العنف الرمزي(نحو تفكيك إستراتيجي للسلطة و القهر و الهيمنة)،محمد قرقوش
(3) المتلاعبون بالعقول،شيللر هربيرت
(4) من العنف المقدس إلى العنف الشرعي،سمية المحفوظ
(5) التخلف الإجتماعي(مدخل إلى سيكولوجية المقهور)،مصطفى حجازي
(6) المجتمع و العنف،مجموعة من الباحثين
(7) نظرية التحليل النفسي،فرويد سيجموند








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل


.. د. هيثم رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة




.. الأمم المتحدة: نزوح نحو 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية منذ بدء


.. إيطاليا: هل أصبح من غير الممكن إنقاذ المهاجرين في عرض المتوس




.. تونس: -محاسبة مشروعة- أم -قمع- للجمعيات المدافعة عن المهاجري