الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرم ممثلي الشعب

عزالدين ريكاني

2020 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في اكتوبر 1973 قررت الدول العربية حظر تصدير النفط الى الدول الموالية لاسرائيل و من بينها هولندا. قررت الحكومة الهولندية فرض تقنين للوقود و بادر رئيس الوزراء و أعضاء حكومته لتطبيق القرار قبل الجميع. و أتذكر ان التلفزيون العراقي عرض مقطعا يصور رئيس الوزراء الهولندي و أعضاء حكومته يذهبون الى دوائرهم بالدرجات الهوائية و كانت الحادثة محل سخرية و تندر للاعلام العراقي والعربي.
هذه الحادثة تعكس مبدأ المساواة بين أفراد الشعب : حاكمين و محكومين و تشاركهم في السراء و الضراء. فحين تواجه الشعوب ضائقة أو أزمة يشارك المسؤولون أبناء شعبهم في الهموم و الضائقة ، و يصبحون قدوة لهم في إجراءات التقشف : يذهب رئيس الوزراء و الوزراء الى اعمالهم بواسطة الدرجات الهوائية و يتبعهم أبناء الشعب دون تململ أو شكوى ، ففي الديمقراطية الحقيقية الحاكم و المحكوم سواسية ، بل أعضاء الحكومة مجرد موظفين في خدمة الشعب يخضعون لحساب و رقابة ممثلي الشعب .
تذكرت تلك الحادثة و أنا أشاهد نائب في البرلمان العراقي يجيب بعد مماطلة وكأنه يشعر بالخجل عن سؤال لمقدم أحد البرامج حول راتبه الشهري : 12 مليون دينارفقط مع 27 مليون دينار أخرى مخصصات حماية ، المجموع 39 مليون دينار عراقي يضاف إليها بدلات سكن و طعام .. إلخ . ما يتقاضاه النائب البرلماني يقارب ثلاثة و ثلاثون الف دولار أمريكي ، أي ما يعادل راتب رئيس الولايات المتحدة الامريكية و هي أغنى دولة في العالم حيث يتقاضى راتبا سنويا يعادل أربعمائة ألف دولار. و لك أن تتصور كرم هؤلاء المشرعين تجاه أنفسهم حين خصصوا لها أمتيازات و رواتب و مكافئات لا تتناسب و أمكانيات العراق الاقتصادية. أما رواتب و أمتيازات الوزراء و الرئاسات الثلاث فلن تجد مثيلا لها في أغنى الدول ، علماً إن العراق ليست دولة غنية كما يشاع فإجمالي الناتج القومي للعراق في عام 2018 كان 193 مليار دولار مقارنة ب 883 مليار دولار لهولندا و هي دولة أوربية صغيرة و أكثر من 200 مليار دولار لبيرو و لا أحد يعدها دولة غنية.
و لم يكتف ممثلو الشعب بهذا النهب (المشروع !) ، و تحدثوا علانية في وسائل الاعلام عن تقاسمهم للكعكة و حصصهم من العقود و الاستثمارات . أما في حال حصول أي كارثة أو ضائقة فسيكون المسؤولون أول المغادرين -كما تغادر الفئران السفينة الغارقة- حيث صرح بعضهم علانية لوسائل الاعلام بقوله " كل واحد منا قد أمَّن مستقبله و مستقبل عائلته ، و إذا حصل أي طارئ فسيعاني (ولد الخايبة) " و يقصد الفقراء من عامة الشعب.
أكثر من تريليون دولار سرقها الفاسدون من تحالف الثوار و أصحاب العمائم من ثروات العِراق مند عام 2003 و لحد الان. لم تقُم هذه الحُكومات الفاسدة ببناء أو إصلاح البنية التحتية المتهالكة : لا مستشفيات ، أو مدارس، أو جامعات، أو طرق و جسور، أو مصانع، و لا فرص عمل لجيش العاطلين عن العمل. و لم يكتفوا بذلك بل حاولوا حرمان المزارعين من مصدر رزقهم و فتحوا الباب لحاشيتهم لاستيراد اغلب المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية وغيرها من المواد الاستهلاكية من دول الجوار.
و فيما يعيش ربع السكان تحت خط الفقر و معدل البطالة يقترب من عشرين بالمائة ، يتقلب أبناء النخبة الحاكمة في نعيم يحسدهم عليه الملوك : قصور فارهة، وسيارات فاخرة، و تعليم في أرقى الجامعات و المدارس الاجنبية ، ناهيك عن الأسثمارات والشركات و العقارات . كُل همهم النّهب وتوزيع الغنائم على الأبناء والأقارب ورَهط الحاشية و المُنافقين.
أما المحظوظون من ولد الخايبة فينتظرون نصيبهم من فتات مائدة اللئام و لبقية أبناء الشعب دعوات وعاظ السلاطين بالزهد و الصبر على البلاء عسى أن ينعموا بمستقبل أفضل في الحياة الثانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات