الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يفقد الإنسان ذاته ؟!

آرمانج أمين

2020 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


الإنسان هو الكائن الذي يفـكر ويدرك ذاته خلافاً عن بقية المخلوقات التي تشاركه الحياة وهذا لا شك فيه ، ولكي يتميز عن البقية بموجب امتلاكه العقل والفكر والإنسانية، ولكن هل يفقد الإنسان خصوصيته وتميزه بالفعل؟! وإن فقدها فما هي الأسباب، ولماذا يمتلك خاصية افتقادها، وكيف يخسرها ؟
كـل تلك الأسئلة يجاوبنا عليها ممدوح عـدوان في كتابه "حـيونة الإنسان" قد يكون العنوان غريباً للقراء من الوهلة الأولى، إذ كـيف يصبح الإنسان حيواناً..! ، أليس في هذا تذليلاً بحق سموه وتعاليه؟
ما أن ندخل في مضمون حتى نكاد نتفق مع عدوان في إطلاقه لهكذا عنوان، بل ربما نجد أن اللغة فقيرة في إيجاد كلمة تليق بالإنسان الشرير، ذاك الكائن الوحشي الذي لا يتوانى عن أستحداث أساليب متطورة في تعذيب وتذليل أخيه الإنسان.
في هذا الكتاب يستعرض سلسلة من المشاهدات والاساليب القمعية التي تعرض لها الإنسان في تاريخه الطويل، على يد السلطات الدينية والسياسية والاجتماعية. أساليبٌ استخدمت لتغريب الإنسان عن ذاته، وتصيره على غير حقيقته، حد تحوله إلى حيوان مروّض، وبالأخص عصرنا الحديث الموبوء بالحروب، إذ يقول عدوان:

"المسألة إني أرى أن عالم القمع، المنظم منه والعشوائي، الذي يعيشه إنسان هذا العصر لا يصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته، بل هو عالم يعمل على حيونة الإنسان، أي تحويله إلى حيوان."
بهذه الكلمات يبدء الأديب الباحث في شرح آثار التعذيب الممنهج على سيكولوجية الإنسان، إلى تحوله إلى حيوان مجرد من سماته الإنسـانية.

مبحراً بـ دراسته البحثية عن سبب الذي جعل الإنسـان يرتكب المجازر بحق أبناء نسله بلغة أدبية جميلة، وممتعة، يستشهد فيها، ما ورد عن أدب السجون، في سبعة عشر فصلاً منوعاً داخل 285 صفحة.

يوصف عدوان حالة الإنسان الأعزل الذي لا يملك حق المحاماة عن نفسه، وما يتعرض له من الضرب، والتنكيل والإبادة، وما يدور في مخيلة القامع والمقموع، كما إنه يتسأل أنحن جلادون؟ وهو يقصد بذلك معشر المشاهدين الذين يستمتعون بمشاهد العنف والقسوة في السينما والأدب والتلفزيون. إذ يجد أن الإنسان المعاصر قد فاق سلفه القديم بتعلقه بالقسوة والسادية، ويقارن بين ساحات المصارعة للرومان قديماً، ومشاهد أفلام الرعب الهيوليودية حالياً. تلك المشاهد التي تعمق شراستها وقسوة الاحداث فيها، شهوة الاستمتاع والتلذذ عند الرائي .

يذهب عدوان إلى وصف الوحش الذي نصعنه في دواخلنا، فيتشبث بوجداننا، ويمنع إيقاظ ضمائرنا، ونحن نمارس طقوس التعذيب، كما إنه يجعل الضحية طرفاً مسؤولاً في بلورة وإيقاظ الشعور العدواني لدى المُعذبيين ، فتلك الضحية هي التى تنازلت عن حقوقها وأمتيازاتها ولم تملك كاريزما الدفاعية عن نفسها اي إنّهم ببساطة يسيئون في استخدام مسؤوليتهم في مواجهة المصائب والبلاءات ، فيقودون أنفسهم إلى التهلكة. ويرى أن الضحية قد تصبح بنفسها ديكتاتوراً، إذ ما أستلمت زمام القـيادة، وتسعى إلى الإنتقام من ماضيهِا الذي يقض مضجعها.
"مجتمعات القمع، القامعة والمقموعة، تولّد في نفس كل فرد من أفرادها دكتاتورا، ومن ثمّ فإن كل فرد فيها ومهما شكا من الاضطهاد يكون مهيئاً سلفاً لأن يمارس هذا القمع ذاته الذي يشكو منه، وربما ماهو أقسى وأكثر عنفاً على كل من يقع تحت سطوته"

لو راجعنا ما آل إليه حال الإنسان في السنوات الأخيرة، سنتكهن بأن هذا الكتاب كتب مؤخراً، وليس منشوراً قبل الحروب والصراعات الآنية بسنوات، وكأن عدوان يعيش تراجيديا الأحداث التي شهدتها ثورات الربيع العربي.
إذ قد تصبح الضحية ديكتاتوراً. وهذا ما لاحظناه في البلدان التي شهدت الربيع العـربي فكثيراً ما تحول هذا الربيع الذي فاح بفضل ينابيع الدماء المنادية بالعدل والمساواة إلى صيف قاتم بيد ذوي تلك الدماء، ومن منا لا يتذكر مقطع فيديو الذي أظهر شخص يزعم انه أحد مقاتلي المعارضة في سوريا، وهو يشق جثة جندي من الجيش النظام ويقضم قلبه وكبده.
ركز عدوان على الحياة الإجتماعية وأخـلاق الشعوب في ظل السلطة القمعية، ويجد أن السلطات القميعة بسبب ماكينة القمع والفساد الإداري، تحذو بالمواطنين إلى الكذب والنفاق، والتعامل الرشاوي، ويستشهد بمقولة للكواكبي :

‏"الإستبداد يضطر الناس إلى إباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل ومراغمة الحس وإمانة النفس"

كما يتحدث علاوة على ذلك، عن التناقض الذي يسيطر على أفكار عامة الشعب، الذي يسعى للحفاظ على مصالحه الـذاتية، ويقع ضحية فكرٍ مزدوج. وكثيراً ما
نجد فكرتين متناقضين في عقل واحد، وهذا ما أكد عليه جورج أوريل في مجمل رواياته.

يشير ممدوح إلى أن الدين على مر الأزمنة أداة ثيوقراطية لتثبت حكم السفاحين، إذ يقول لينين:
"الطبقات الحاكمة تحتاج من أجـل الحفاظ على سيطرتها إلى وظفيتين اجتماعيتين هما الجلاد والكاهن"
في الوقت ذاته، يرى أن الدين كان مخدراً للشعوب وملجئ الأمل للمستضعفين ، فالمظلومين الذين لا يستطيعون رفع الإذلال عن أنفسهم يرون إن ذلك ليس إلا درساً من ربهم لإختبار صبرهم من أجل الفوز بالجنة في الآخرة فيكتب عدوان :
" لا بد من تخدير المظلومين الذين لا يستطيعوا رفع الظلم عن أنفسهم ،ومن أجل التعلق بتعويض نفسي يساعدهم على تقبل عيشهم وهذا التعويض هو ما ينتظرونه في الآخرة"
كما يذهب إلى التحدث عن حاشية المحتمية بالرئيس التي تعرف ما يدور خارج القصر من الجوع والقهر والذل بحق الفقراء، إلا إنـها تتجاهل عن قصد لتحفاظ على امتيازاتها وتتغبى وتتملق بـ قائدها لتكسب وده وغالبا ما تتحول هذه الحاشية حال قرب سقوط سلطانها إلى معارضة وتبرر ذلك بإنهم كانوا عبيداً مآمورين وهذا ليس إلا كذبة نيسانية
حسب ما يصفه عدوان. فنظام الحكم ما كان إلا حامية لأفعالهم.
يختم عدوان كتابه بتوصيف شخصية الديكتاتور جاعلاً من عبد الكريم قاسم نموذجاً، فهذا المديح والاستحسان والتملق والإعجـاب الذي يتلقاه الديكتاتور يخلق في ذاته نرجسية بغيضة مفقداً ثقته بما حوله.

ختاماً أختصر ما يود ممدوح عدوان قوله في كتابه هذا "حيونة الإنسان".. إن تحيون الإنسان هو جعله ذليلاً، يشعره بأنه هو سبب مصائبه، عن طريق تقيد حريته، وتغريبه عن ذاته، وجعله كأي شيء بلا معنى.

ممدوح عدوان كاتب وشاعر ومسرحي سوري. ولد في قرية قيرون (مصياف) عام 1941. تلقى تعليمه في مصياف وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الإجازة في اللغة الإنكليزية عمل في الصحافة الأدبية وبث له الشاشات عدداً من المسلسلات والسهرات التلفزيونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي