الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحايا جائحة كورونا

الهيموت عبدالسلام

2020 / 5 / 4
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لا شيء يَصعق الإنسان ويقتله خوفاً مثل الخوف من النهاية ، فالعدو يخاطب فينا غريزةَ البقاء وخاصة إذا كان هذا العدو خفيا يتربص بك في كل لحظة مثل الطاعون والملاريا والكوليرا وكورونا، وفي الحروب يقول "ألبير كامو" يخاف الجندي من الرصاصة والمدفع ولكنه يُمني النفس في كل معركة بالانتصار أو النجاة إلا مع الطاعون فنسبةُ النجاة والانتصار تضْعف حين ترى الناس يسقطون أمامك كالذباب .
جنود هذا الوباء هم في معركة أكثر من الحرب وأقل من الطاعون ،جنود هذا الوباء هم أنفسُهم الضحايا الفعليون والمحتملون ، جنود هذا الوباء الواقفون في الخط الأمامي الذين يقاتلون من أجل أن يحيى الآخرون ،هم الأطباء والممرضون ومقدموا المساعدات الطبية وعمال النظافة وعمال الحقول والضيعات الفلاحية وعمال ومستخدمو المنشآت الكبرى الصناعية والتجارية والخدماتية ونقل الأشخاص والبضائع وغيرها.

سفينة الوباء
تكذب صحافة الدعاية حين تقول أننا نركب نفس السفينة وأن الغرق يتهددنا جميعا،الأغنياء لن يركبوا نفس السفينة بل ركبوا طائراتهم الخاصة (زادت حجوزات الطائرات الخاصة بضعف عشر مرات عن الحجوزات في الأيام العادية)،الأغنياء والمشاهير والمليارديرات طاروا لأودية وتلال نيوزيلاندا البلاد الأقل تلوثا في العالم والأسرع في محاصرة الوباء،والبعض الآخر يمرح في أرخبيل الجزر المرجانية وأميال من الشواطئ البكر، والمناخ المعتدل وشبه الاستوائي وألعاب الجولف وكل فانتازماتهم المجنونة ، إنهم ينعمون في جنات الأرض .
إذا كان معظمنا يعيش في الذعر والخوف من الإصابة بهذا الفيروس في الشركة أو الإدارة أو الحقل أو المتجر أو المصنع أو في العطالة أو في السكن غير اللائق فإن رجال الأعمال والنجوم والرياضيين والأمراء وتجار السياسة يُطلون علينا من الميسنجر لنشاركَهم فرحة نتائجهم الإيجابية للكشف الاختباري عن فيروس كورونا مثلا أبت بدورها الفنانة الشهيرة "مادونا" إلا أن تغرد من حوض مسبحها المعطر بكل أنواع الورود مخاطبةَ عشاقها قائلة "في ظل هذا الوباء لا تهم ثروتك و شهرتك و سعادتك و ذكاؤك وإقامتك وعمرك وما هي القصص المدهشة التي يمكنك سردها "إنه التعادل الكبير" بين الفقراء والأغنياء.
أي تعادل ،الأغنياء أصلا لا يركبون السفن وتركوها للفقراء ليغرقوا فيها،هم يركبون الطائرات الخاصة واليخوتات مجهزة بالعيادات الطبية والزلاجات النفاثة والدراجات الرباعية بسواحل باناما وجزر البهاما وجزر الفرجين الأمريكية وسانت مرتين بعيدين عن الوباء والإنسان لا يعبأون بتقييدات الملاحة البحرية والمياه الإقليمية والطيران بل يحظون بحماية أمنية مشددة على طول السواحل والجزر.
إذا كان الفقراء بين ناري الوباء ونار الفقر والتسريح من المعامل والبحث عن القوت اليومي فإن الأثرياء لازالوا يشتغلون عن بعد لمراكمة المزيد من الأرباح معرضين ملايينَ العمال والعاملات لموت محقق ، الأثرياء يبتزون دولهم لتأجيل سداد ديونهم وتخفيضات ضريبية والاستفادة من أموال وصناديق الجائحة كما حصل في أزمة 2008 .

كابوس العطالة
في مقابل انتفاع الرأسمال المتوحش حتى في ظروف الجائحة دعت منظمة العمل الدولية إلى تحرك سياسي عالمي لإنقاذ أرواح ملايين العمال والعاملات ودعا الاتحاد الدولي لنقابات العمال لإنشاء صندوق عالمي للحماية الاجتماعية للدول الأشد فقرا ، ففي فرنسا وحدها وحسب ما أعلنه وزير الشغل في 7 أبريل الماضي أن 5,8 مليون عامل أصبحوا عاطلين بسبب وباء كورونا وأوردت منظمة العمل الدولية أن ما يقرب من 2,7 مليار عامل وعاملة مهددون بالبطالة أي حوالي 80 ٪ من السكان النشيطين على هذا الكوكب .
وإذا كانت دول مثل فرنسا وألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوربي ونيوزيلاندا قد قامت بإجراءات للحماية الجزئية للعمال الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل فإن الأمر الأخطر للعمال غير الرسميين والذين لا يتمتعون بأية حقوق ويصل عددهم حسب منظمة العمل الدولية إلى ملياري شخص إذ سيجدون أنفسهم في هذه الأزمة هم الأكثر عرضة للخطر وبدون أي دخل من أجل البقاء وبدون حق في الولوج للخدمات الصحية،إن العمال غير الرسميين في المناطق الحضرية يشتغلون في القطاعات الاقتصادية التي لا تشكل خطرًا كبيرًا للإصابة بالفيروس فحسب بل تتأثر أيضًا بشكل مباشر بتدابير تنفيذ احتواء الوباء مثل العاملين في إعادة تدوير النفايات والباعة المتجولين وعمال البناء وعمال النقل وعمال وحراس المنازل...وفي آسيا وحدها يقدر البنك الدولي أن الوباء سيزيد عدد الفقراء بمقدار 11 مليون نسمة ومن بين الدول الأكثر تعرضا لبطالة غير المرسمين الهند ونيجيريا والبرازيل حيث وصل عدد العمال غير الرسميين المتضررين حسب منظمة العمل الدولية حوالي 400 مليون عامل في الهند لوحدها وبالتالي سيزيد عدد العاطلين والمشردين والجياع .

كورونا وباء الفقراء
بعد أربعة أشهر من جائحة كورونا تَبين بالمعطيات والأرقام أن كورونا كباقي الأوبئة تقتل الفقراء ولازال يقتلهم مثل وباء الكوليرا الذي تحدث عنه "أبوقراط " صاحب القسم الشهير الذي يُقسِمه الأطباء عند مزاولة المهنة منذ 2000 سنة ولازال هذا الوباء يقتل ما يقارب 100 ألف شخص في الدول التي تعاني من الفقر والحروب ،في سنة 2017 تم إنقاذ 4،4 مليون شخص في تسع دول (بنغلاديش والكاميرون وهايتي وملاوي وموزمبيق ونيجيريا وسيراليون والصومال وجنوب السودان) بلقاحات الكوليرا عن طريق الفم وتوفير الماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي وبعض الخدمات الصحية بدعم دولي وإشراف منظمة الصحة العالمية .
أظهرت العديد من الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أن السود هم أكبر ضحايا وباء كورونا،ففي شيكاغو يمثل السكان الأمريكيون من أصل إفريقي 26 ٪ من السكان ولكن 67 ٪ من الوفيات سود ، في مقاطعة ميلوكي التابعة لولاية ويسكونسن الأمريكية والتي يمثل فيها السود 26 ٪ فقط من السكان فإن 70 ٪ من الوفيات سود .
وقد يكون الأمر أخطر لو نشرت واشنطن ونيويورك إحصائياتها أخدا بالاعتبار العامل العرقي ، وتجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة من الدول القليلة التي تنشر إحصائيات عرقية.
في فرنسا أعلن مسؤول في وزارة الصحة بداية أبريل عن زيادة استثنائية في معدل الوفيات في سين سان دوني أفقر منطقة وأكثر كثافة شمال باريس إذ أدت ظروف السكن والشقق الصغيرة ومنازل العمال المزدحمة وأكواخ الصفيح ونقص كبير في الخدمات الصحية إلى تسريع انتشار الفيروس وانتقل الانتشار في يوم واحد إلى 63 ٪ .
فرنسا التي تمنع نشر الإحصائيات حول الأصل الاجتماعي والعرقي هو ما جعل "سيريل ديليبري" باحثة في المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي بفرنسا تتحدث عن بياضات حول الإحصائيات التي تنشرها فرنسا حول الوباء في إشارة لعدم المساواة في العلاج وتضرر الفقراء وذوي الدخل والأحياء الهامشية أكثر من الأغنياء والأحياء الراقية مما سيدفع أحياء الطبقة وساكنة العالم السفلي لأضرار خطيرة.

وأخيرا وليس آخرا تدعونا منظمة الصحة العالمية لأن نستعد لما هو أسوأ ويتحدث باحثون آخرون عن إمكانية عودة أنفلونزا إسبانية جديدة ويتحدث آخرون أن الأوبئة باقية ما بقيت الرأسمالية المتوحشة ، فلا مناص والأمل والتفاؤل يحدونا في أن نردد مع كورونا التي طرحت سؤالا عميقا على الإنسانية جمعاء كدول وكمجتمعات ومؤسسات ومنظمات وأفراد ألا يمكن أن نعيش عالما خاليا من الأوبئة والإرهاب والأمراض والفقر والهجرة والحروب والكوارث الطبيعية والخوف والاستعباد والاستعمار والجهل والطبقية والعنصرية ... التي لم تنزل من السماء بل هي إنتاج بشري والإنسان وحده القادر على خلق هذا العالم الطوباوي فلربما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور من إسعاف جنود إسرائيليين بالمروحيات من جنوب لبنان بعد مع


.. الحوثي يعلن شن هجمات على تل أبيب بالطائرات المسيرة




.. كلمة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة الثالث


.. مغنية أمريكية تتحدث عن معاناة أهل غزة والسودان




.. استشهاد 10 أشخاص وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلي على منطقة ال