الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


"راب" عربي "روح شابة وبذور تمرد

اسماء اغبارية زحالقة

2002 / 1 / 6
الادب والفن


الصبار 148


خرجوا لقول الكلمة حُرة.. مُرة.. مهدية لكل نفس عربية.. مرفوعة مش مستحية.. سلاحهم الميكروفون.. جمهورهم شبيبة وشباب.. رسالتهم مع الانسانية ضد العنصرية.. ضد المخدرات والعصابات.. مع المساواة والعدالة الاجتماعية. كلمات انطلق بها، كتبها ورددها باسلوب موسيقى "الراب" ثلاثة شباب من اللد، هم تامر النفار (T.N.) سهيل النفار (SU-HEL) ومحمود جريري (JOKER)، ويمكن اعتبارهم اول من ادخل هذا الفن للمجتمع العربي في البلاد.

اللد منشئ الراب العربي

مولد هذا الفن تحديدا في مدينة مختلطة مثل اللد يشير الى تناقض مثير. فمن جهة المدينة المختلطة التي يعيش فيها العرب واليهود في ظل علاقات متوترة في اغلب الاحيان، هي المكان الانسب لنشوء هذا النوع من الفن الاحتجاجي، والذي انتقل لاحقا الى مدينة عكا المختلطة (فرقة MWR). فهذه المدن، اضافة اليها يافا والرملة، تعاني وجبة مضاعفة من العنصرية وضياع الهوية وتفاقم المشاكل الاجتماعية، وفيها تبرز بوضوح الهوة السحيقة بين مستوى معيشة اليهود والعرب الذين يسكنون في نفس الموقع، الامر الذي يزيد التوتر.
ولكن من جهة اخرى يسود انطباع (خاطئ غالبا) ان العرب الذين يعيشون في هذه المدن، مندمجون تماما بالمجتمع الاسرائيلي القريب منهم كل القرب، والدلالة التي تستخدم على ذلك ان المصطلحات العبرية شائعة الاستعمال في لغة الحوار العامية حتى بين العرب انفسهم، او ان الشباب العرب يرتدون نفس الازياء ويسهرون في نفس اماكن اللهو مع اليهود. ولان المدن المختلطة تعاني كل هذه الازمات ولا تبدو قادرة على رفع رأسها من وطأة الضغوط، يبدو غريبا ان يكون منشئ الظاهرة الثقافية الجديدة والمثيرة وابتكار فن الراب باللغة العربية للمرة الاولى، تحديدا في هذا الموقع.
خرجنا للقاء ثلاثي التحدي في مدينتهم، للتعرف على الظاهرة التي حققت نجاحا كبيرا في غضون سنة واحدة، ووصلت الى ذروة مدهشة في الحفل الذي احياه الثلاثي في قاعة "اوديتوريوم" بحيفا والتي امتلأت ب1.200 مشاهد فيما تعذر على 300 آخرين الدخول لعدم اتساع المكان. الروح الشبابية، خفة الظل، البساطة والمباشرة في الحوار، واقتباسات كثيرة من اغاني الراب التي الّفوها، ميزت اجواء الحديث الذي استمر ساعتين في غرفة سهيل وتامر الصغيرة والضيقة التي تتسع بالكاد لسريرين وكومبيوتر. هناك "انحشرنا" ثلاثة صحافيين ونجوم الراب العرب الثلاثة واثنان من اصدقائهم، وبدأنا نكتشف عالما آخر يتكون، ونكتشف مكوّنينه.
تامر النفار في الثانية والعشرين من العمر بدأ يدرس علم الجريمة في كلية خاصة، وبعد نصف عام ترك الدراسة للتفرغ لفنه. سهيل، شقيقه، ابن الثامنة عشرة انهى الدراسة في المدرسة التكنولوجية الصناعية (اورط) ويدرس الآن هندسي سينمائي. ومحمود جريري (19 عاما) ينوي دراسة الكومبيوتر في احد المعاهد قريبا. اذن فنحن امام طاقم من الشباب المثقف، الامر الذي قد يفسر التناقض الذي اشرنا اليه حول منشئ الراب في اللد.
البداية كانت في عام 1998. حدثنا عنها تامر الذي اخذ على عاتقه مسؤولية تأسيس الفرقة: "المخدرات والقتل في اللد روتين يومي. وعندما قتل اعز اصدقائي في هذه الاجواء المسعورة فهمت ان المشكلة ليست ببعيدة وان كل شخص معرّض لان يصاب بها سواء بقصد او بغير قصد. كان هذا السبب في تغيير توجهي للواقع الذي اعيش فيه، قررت انه لا بد من العمل من اجل المجتمع، وان اقول كلمتي مهما كانت النتائج".
يضيف تامر: "معظم اغانينا في هذه المرحلة كانت باللغة العبرية. رتاتات (بمعنى: صوت اطلاق النار) كان عنوان احدى الاغاني باللغة العربية، جاء فيها: "رتاتات اش صار / كمان عربي انطخ / رتاتات اش صار / اجت الحكومة إفلخ (اهرب) / افلخ من الحكومة واللا من شعبي / وين ما اطلع فيه طَلَق جنبي / رتاتات".

لماذا الراب تحديدا؟

تامر: "الراب لغة الاحتجاج والتحدي، ولد في امريكا ولكنه اليوم فقد مغزاه وبساطته عندما انتقل الى عالم الام. تي. في. (MTV) وصارت مشاهده في "الفيديو كليب" تصوّر بآلاف الدولارات مع النساء المغريات والسيارات الفاخرة. مع هذا يبقى الراب الامريكي الوسيلة التي من خلالها عبّر السود عن عنصرية امريكا التي تدعي انها بلاد الحرية، ونحن نسعى لاستخدام الراب على اصوله كاداة احتجاج". سهيل: "الراب لغة يعبر فيها الشباب عن انفسهم ومشاعرهم واحيانا عن يأسهم من الوضع القائم".
يضيف محمود: "من خلال الراب نسعى لتكوين ثقافة نقدية بديلة. بالكلمة والميكروفون نحاول التأثير على العالم، فالكلمة قوة تجذب وتوعّي الشباب للخروج من الروتين والقيام للدفاع عن حقوقهم. فمن غير المقبول علينا ان نسكت على العنصرية، اذا سكتنا سنموت، واذا قلنا كلمتنا سنموت، فمن الافضل اذن ان نقول كلمتنا ونموت".
تامر: "الراب هو فن وملجأ للشباب الذين يشعرون بالضياع الوطني. انا اومن اني استطيع ان اكتب قدري بيدي وهذا ما افعله بالاغاني". ويرى محمود: "ان الكلمة يجب ان تهز الكون، نحن لن نغير الكون بين ليلة وضحاها ومن الاسود للابيض مرة واحدة، ولكننا على الاقل نفتح بابا للتغيير".

هبة اكتوبر والانتقال للسياسة

اول ما غنوا الراب غنّوه باللغة الانجليزية "لان هذا المتوفر في الاسواق"، ولكن سرعان ما انتقلوا للعبرية للوصول الى جمهور اكبر يكون بمقدوره فهم اللغة. وكانت الذروة في الانتقال للغة العربية، والتي تزامنت مع احداث اكتوبر عام 2000 التي خرج فيها شباب فلسطينيون داخل اسرائيل الى الشوارع للتظاهر تعبيرا عن سخطهم على اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وتضامنا مع القضية الفلسطينية واستشهد منهم 13 شابا.
على هذا علّق سهيل (18 عاما) بالقول: "كان من السهل ان نغني بالانجليزية فقد سبقنا في هذا آخرون كثر، اما ان نغني بالعربية فكان هذا تجديدا وكان علينا ان نخترعه، وهنا كانت القمة بالنسبة لنا. جاء هذا التحول مع قرارنا ان الراب هو حياتنا وهو ساحة النضال من اجل قول الحقيقة وفي نفس الوقت ايصال الرسالة السياسية اليهم بطريقة مبسطة".
واضاف تامر: "اذا كنا على مدار ثلاث سنوات لنشاطنا قد غنينا عن المخدرات والجريمة ونادينا بمفاهيم انسانية عالمية ومحلية، فقد جاءت احداث اكتوبر لتشكل نقطة تحول وتضعنا على المسار السياسي. ففي هذه الاحداث اثبتت الدولة عنصريتها ضد العرب، وفي ظل تدهور الاوضاع الامنية وتزايد العمليات الانتحارية والتعامل مع جميع العرب على انهم مشبوهون وارهابيون، وُلدت اغنيات مثل "ارهابي" التي نقول فيها: "مين ارهابي؟! انا ارهابي؟! كيف ارهابي وانا عايش ببلادي؟! مين ارهابي؟! انت ارهابي! ماكلني وانا عايش ببلادي! وهي تأتي لتقول ان الارهاب هو رد فعل طبيعي على اغتصاب الحقوق العربية. تزيد الاغنية:
"من كتر ما اغتصبتوا النفس العربية / حبلت ولدت ولد اسمه عملية انفجارية / وهين ناديتنا ارهابية / ضربتني وبكيت / سبقتني واشتكيت / ولما اتذكرت انك بديت / نطيت وحكيت / ما انتوا بتخلوا ولاد زغار يرموا حجار / ما لهمش اهل يضبوهم بالدار / اش كنّوا نسيت ان السلاح ضب الاهل تحت الحجار / وهلا لما وجعي ثار / بتناديني ارهابي!!".
الحديث السياسي مع الشباب كان مثيرا فهم يقولون لك "لا اعرف ما يريد عرفات او شارون، لا تحدثني في التفاصيل"، ولكنهم الى جانب ذلك يمتلكون قدرة فائقة على تحديد الامور. يقول تامر: "العربي مضياف يقول لزائره "بيتي بيتك"، ولكننا اليوم نشدد على كلمة بيتي. لا نسعى لطرد الاسرائيليين للبحر، فاذا كان اهاليهم قد احتلوا ارضنا فلا ذنب للابناء، ولكننا نقول لهم عيشوا في ارضنا ولكن تذكروا انكم في ارضنا نحن.
"اليوم لا امكانية لسلام مع الآخر، الجانب الاسرائيلي يريد دولة يهودية، وهذا ما يفسر قتل المواطنين العرب في اكتوبر وسياسة فرق تسد وسياسة نشر المخدرات بين العرب. من جهة اخرى، الانسان الفلسطيني ضعيف فهو يتعرض للظلم من قيادته ومن اسرائيل على السواء. انا اليوم اومن بان السلام يحتاج الى مواجهة بين الشعب والمسؤولين".
محمود: "انا مش ضد السلام / السلام ضدي / علي بدو يقضي / تراثي بدو يمحي. اسرائيل لا تريد السلام، وتريد من الطرف الآخر التنازل بينما هي غير مستعدة لاي تنازل. تريدني "راكع على ركبي ويدي مربطات" كما نقول في احدى اغانينا".
تامر: "دور الراب ان ينقل احداث الساعة. القومية هي جزء من الموضوع ولكنها ليست الموضوع كله. انا افضل ان اكتب عن الانسانية المهددة في كل مكان اكثر من الكتابة عن القومية. يمكن ان تسمي كلماتنا حجارة، وهذه الحجارة لم تتوقف بتوقف احداث اكتوبر، فكل ما فعلته هذه الاحداث انها ازالت قناع الديمقراطية والعدل عن الدولة، واثارت البركان الراكد، واعطتنا وقودا لاغانينا القادمة سواء عن هدم الحكومة للبيوت العربية وتسرب طلابنا من المدارس المتخلفة وقتل نسائنا على خلفية شرف العائلة".

تمرد على التقاليد

الرسالة الاكبر، وربما الاهم، التي لا تتطرق اليها وسائل الاعلام العربية والعبرية الكثيرة التي "انقضّت" على هذا الثلاثي، هي الرسالة غير المكتوبة في الفن الذي يقدمه شباب الراب، والتي تشير الى التغييرات التي تمر على شريحة الشباب في المجتمع العربي.
الطريف ان هذا الفن الذي ولد في الشرائح الضعيفة (السود والاقليات) في الغرب، لا يجد نفس الاقبال بين الشرائح الواسعة من الجماهير العربية التي تتعرض لاوضاع مشابهة من التمييز العنصري في كل المجالات. ولا شك ان احد اهم العوامل في ذلك اعتبار هذا الفن دخيلا على الحضارة العربية التي تتميز في هذه المرحلة بالمحافظة والتدين، خصوصا بسبب ما يرافق هذا الفن من رقص حر.
ويمكننا الملاحظة ان الشباب من الشرائح المتضررة والمحافظة في المجتمع العربي، هذا اذا استثنينا القسم الاكبر الذي يتجه باتجاه التدين، يميلون غالبا الى نوعين من الاغاني: الرومانسية العربية و"الاغاني المكتئبة" (اذا جاز التعبير) ومعظمها باللغة العبرية. وما يجمع بين النوعين من الاغاني انها تعبر عن حالات وهمية لا علاقة لها بالامر الواقع، من هنا فهي تشكل ملجأ للهروب من الوضع وليس مواجهته، وهذا نابع من حالة احباط عام ويأس من امكانية التغيير.
الراب يأتي ليتحدى هذا الواقع، ويحكي عنه بكل بشاعته وفظاعته، ويحمّل المسؤولين المسؤولية الكاملة. لذا كان من الطبيعي ان يجد له آذانا صاغية في الشريحة المتوسطة والمثقفة من المجتمع العربي التي تعتبر اكثر انفتاحا للحضارات الاخرى وفنونها. الاقبال المنقطع النظير على عروض الراب في هذه الشريحة من الوسط العربي (وتحديدا الذين تتراوح اعمارهم بين 12-30)، تشهده مناطق مثل حيفا والناصرة حيث تتركز هذه الشريحة القوية اقتصاديا وثقافيا نسبيا.
في هذا الاقبال على هذه الظاهرة الفريدة اشارة الى عطش كبير للحرية والتجديد والعصرية، وفيه بذور تمرد على التقاليد وتحدٍّ للانغلاق والآراء المسبقة. كما يشكل بداية خروج من الطريق المسدود الذي وصل اليه الشباب العربي على كافة الاصعدة، ويبشر بمرحلة اجتماعية ثقافية جديدة ينطلق بها الشباب الذين يشكلون في كل مجتمع طلائع التغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي