الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كشف الغُمّة في تبيان غباء قادة الأمة

سعد الشديدي

2006 / 6 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن المفاجئة الى العراق, يوم أمس الاول, تعني الكثير. فهو لم يستقل الطائرة الرئاسية ويقضي فيها اكثر من نهارٍكامل بغرض الراحة والأستجمام في ربوع العراق و زيارة معالمه الأثرية والسياحية. ولم يقطع المحيطات والبحار لزيارة ضريح احد ائمة المسلمين التي تنتشر في بلادنا, للتبرك وطلب الشفاعة. ولم يترك عاصمته, التي بأمكانه التجول في شوارعها بهدوءٍ وطمأنينة, ليتجول في شوارع بغداد التي لا يأمن حتى الطير فيها على حياته. كما انه لم يقم بهذه الزيارة الخاطفة لكسب اصواتٍ انتخابية جديدة. فالرجل, كما يعرف الجميع, سيترك البيت الأبيض بعد فترة طالت أو قصرت, ولن يستطيع اعادة ترشيحه لمنصب الرئاسة لفترة رئاسية اخرى لأن ذلك يتعارض مع دستور الولايات المتحدة الأمريكية, الدولة التي يتراسها هو نفسه. الأمر الذي يعني انه لم يأتِ العراق زائراً لكسب اصوات انتخابية جديدة او لزيادة نسبة المؤيدين لسياسته في استطلاعات الرأي. فهذا الأمر لم يعد يهمه ما دامت هذه الأستطلاعات لن تمنحة فرصة الجلوس لفترة رئاسية ثالثة على كرسي الرئيس في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض, مسترخياً ومستمتعاً بدخان سيجار كوبي فاخر وربما مفكراً يإستعمال السيجار لأغراض اخرى كما فعل سلفه بيل كلينتون.
لماذا تجشم جورج بوش الأبن اذن عناء سفرٍ طويل قاصداً بغداد؟
سؤال لا تحتاج اجابته, او اجاباته, الى الكثير من الذكاء والحنكة السياسية. اذ بدأت آفاق الحرب الأمريكية ضد ما يسمى بالأرهاب الدولي, والمقصود به الشرق اوسطي، بالتجلي لمن يتتبع تفاصيل هذه الحرب بعد اكثر من ثلاث سنوات على احتلال العراق وأسقاط نظام العفالقة الديكتاتوري المتعفن وأكثر من اربع سنوات على احتلال افغانستان والقضاء على نظام طالبان الظلامي الأكثر من متعفن.
ولا نريد الدخول في البحث عن الأسباب الحقيقة لهذه الحرب التي ينظر لها الكثيرون على انها حرب غاشمة نصّب فيها الأمريكيون انفسهم قضاةً وجلادين في نفس الوقت وتجاوزوا, بل داسوا على روح القوانين الدولية وبدؤا بتشريع قوانينهم الخاصة التي تمنحهم الحق بإرتكاب كل الأخطاء والخطايا دون ان يتعرضوا لمحاسبة ومسائلة من احد. بينما يعتبرها اخرون حرب تحريرية انطلقت رصاصاتها, والأصح صواريخها, الأولى لتدمر انظمة استبدادبة جاءت الى دست الحكم بالقوة العسكرية والقمع البوليسي وحافظت على وجودها بقوة العسكر والمخابرات.
والجانبان على حق الى حدٍ ما. فكل منهما ينظر الى جزءٍ من الموضوع ولا يستطيع احدهما او كلاهما النظر بعين مجرّبة الى ما يجري وبالتالي تكوين صورة تضم في اطارها المشهد بأكمله. ربما لأن ردود فعل الطرفين تستند على اسسٍ من تصورات دينية وأيديولوجية وتاريخية وعاطفية ولم تؤسس على ارضية من النظر الواقعي للأحداث.
ولسنا هنا بصدد منح شهادات الأفضلية لأحد هذين الخندقين. فكلاهما سواء ما دامت الأمور لم تتضح بعد. فقد رأينا كيف انقلب اعداء الأحتلال الألداء الى مدافعين عن "العلوج" ومبررين لوجودهم العسكري على الأرض العراقية بعد ان اسندت لهم مناصب رفيعة في المنظومات السياسية والحكومية الجديدة. بينما انكمش اشدّ دعاة المشروع الأمريكي, بل ومَن كانوا من َالمهندسين والرواد الحقيقيين له, الى الصفوف الخلفية تلاحقهم لعنات الأدارة الأمريكية اينما حلوّا. ولا يهمنا الدخول في تفاصيل ذلك إلا بالقدر الذي يلقى الضوء على زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة الى بغداد وما ينتج عنها من مكاسب او خسائر للطرفين.
اذن فهناك مشروع امريكي لا يختلف على وجوده اثنان. وهناك من يخطط وينفذ تفاصيل وأجزاء هذا المشروع على مدار الساعة. ومنهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسه والذي ما جاء الى بغداد إلا لأداء دوره المحدد والمرسوم له سلفاً في تنفيذ حلقات هذا المشروع. مؤمناً انه يقوم بواجبه تجاه الأمة التي انتخبته قائداً لها. محافظاً على مصالحها الأقتصادية والعسكرية ضامناً لها التفوق في هذين المجالين حتى بعد ان يغادر واشنطن دي سي الى ولايته التي ولد فيها في الجنوب الأمريكي, فاسحاً المجال لرئيس آخر ليقوم بدوره بإستكمال ما تم تخطيطه.
وهو يعي اذن مقدار مسؤليته تجاه الأمة التي انتخبته ولا يتردد بالتضحية بوقته الثمين جداً ليؤدي ذلك الدور الذي ينتظره منه المواطن الأمريكي. على الرغم من انه لا يحترم حقوق الأمم الأخرى ولا يأبه لمصائر ابنائها. بل ولا يستطيع التعامل مع الأمم والشعوب التي تتعارض مصالحها مع مصالح بلاده إلا بالصواريخ وطائرات الفانتوم التي لم تزرع حتى الآن سوى الموت والدمار في بلدان العالم التي تجرأت وأعلنت تحديها للإرادة الأمريكية وحاولت ضرب أو حتى ازعاج مصالح الأمريكيين.
مرة اخرى ورغم ان للسؤال،عن اسباب الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي الى العراق, الف جواب وجواب إلا اننا لا يمكننا إلا ان نضعها جميعاً تحت بند العمل على الحفاظ على المصالح الأمريكية, عادلة كانت أم ظالمة.
ان الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن يطبق تلك الحكمة العربية القديمة: زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون. ولا يشكّ احد بأن بوش الأبن قد أكل ما زرعه جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وابراهام لنكولن وهاري ترومان وآيزنهاور وجون كينيدي وغيرهم وهو يزرع الآن ليضمن ان من سيأتي بعده سيحصل على ما حصل هو عليه.
اما نحن فما زلنا نخوضُ حرباً ضروساً تأكل ألأخضر والأبيض والوان قوس قزح الأخرى وتحيل ما تبقى الى رماد اسود. تارة بأسم الأسلام. وتارة بأسم المذهب. وأخرى بأسم القومية. وثالثة بأسم الوطنية ورابعة وخامسة وسادسة....
في الوقت الذي يزرع جورج بوش الأبن لتأكل الأجيال الأمريكية القادمة, يفعل قادتنا كل ما بوسعهم ليحرقوا الزرع والضرع. وفي الوقت الذي يقطع الرئيس الأمريكي المحيط وبعده البحر المتوسط في يومٍ واحد ليحافظ على مصالح شعبه يقطع قادة النخب السياسية في عراقنا الجديد ذات المسافات لشراء المتفجرات والأرهابيين, او شراء عقارات واسهم في لندن ونيويورك بأموالنا نحن العراقيين الذين بتنا على حافة المجاعة.
في الوقت الذي يأتي بوش الأبن ليخدم الأمة الأمريكية ننتظر نحن العراقيون ان نكون عبيداً لقادة النخب السياسية, وأعجب لمن اسماها بالنخب السياسية وهي التي اثبتت ان قياداتها تحتاج الى ان تبدأ من جديد تعلمها فنّ السياسة وان عليهم ان يبدؤا من صف الروضة لأن أداءهم السياسي اسوء بكثير من اداء طفل في الروضة او التمهيدي. فلن يتأخر اطفال في اي روضة من رياض الأطفال في العراق في تشكيل حكومة لفترة تقارب الستة أشهر كما فعل قادة " النخب" السياسة العراقية. الم يحن الوقت لتتعلم قياداتنا السياسية درساً في المسؤلية؟
لقد اسنوعبَ الرئيس الأمريكي حكمة ابائكم وهاهو يزرع, سواءاً كان زرعه ظلماً او عدلاً, لتتمتع اجيال امته القادمة بالرفاهية وتأكل مثلما اكل هو من زرعِ الذي مضوا. لقد أستوعب خبرات اجدادكم الذين دستم على قبورهم بقنابلكم وحكمتهم بأحذيتكم. انه أحق اذن بحكمة اجدادكم منكم. الا تخجلون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو