الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاوبئة البيولوجية والباثولوجيا قراءة سوسيولوجية نقدية

إسلام فوزي أنس
دكتورة فى الجامعة فى مجال علم الاجتماع

(Eslam Fawzy)

2020 / 5 / 5
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


‏ ‏

من وحي صمود كورونا وصمت العالم فى ادارة جائحة كوفيد 19 نتساءل بلا ‏أجوبة، هل فشل العالم فى استشراف قضايا الصحة المستقبلية، ورسم سياسات لإدارة ‏الأزمات الطبية ومواجهة الأوبئة التى طالما صدَّرها لنا بشكلها المستجدّ على المستوى ‏الفني والثقافي والفكري والاخلاقى...؟!!!!‏

فى ظل التسلح التكنولوجى ورصد قضايا العالم الفضائي، من الأمن السيبرانى، ‏والجريمة الإلكترونية، والفيروسات الرقمية، والذكاء الاصطناعى؛ ألم ينتبه العاقلون إلى ‏خطورة تلك الفيروسات التى تنتشر انتشاراً يصعب مواجهته إلا بالإعدادات، ‏والاستعدادات، والسيناريوهات المستقبلية؟ فهل عجز هؤلاء عن تقدير حجم خطورة ‏العزل الفكري من الخيال السوسيولوجى فى توقع الأزمات المُعاشة المتكررة حرفياُ على ‏مر الأزمنة وفي مختلف المجتمعات ؟..‏

هل أنستنا الحياة الجديدة فى العالم الاصطناعى، أن نتجهز لمواجهة الحروب ‏البيولوجية إلا من خلال العالم الاصطناعى الذى اختلفت فيه البيولوجيا عما كانت ‏عليه قديما، إذ أصبحت الأجسام فيه لاخوف عليها من هذه الجسيمات الدقيقة فى ‏طور استعدادها للتخلق قبل ان تصبح حتى كائنات حيّة؟ يا له من ضعف! ويا لها ‏من خيبة أمل مع هؤلاء الذين باتوا يتحدثون عن الذكاء الاصطناعى! فأين هو الذكاء ‏الحقيقيّ الطبيعيّ لمواجهة فيروس هو من أضعف مايكون – حسب المتخصصين فى ‏هذا المجال؟...‏

هل تختلف "كورونا" الواقع عن "كورونا" القلوب والعقول والفكر من حيث ‏مستوى الخطورة والعدوى والانتشار وتداعياتها السلبية، وهل تختلف عنها كثيرا فى ‏صعوبة المواجهة الوقتية بعد الانتشار، رغم سهولة طرق التقويم والمعالجة فى حال ‏توقعاتها، والتخطيط لمواجتها فى طور التخلق لا فى اطوار الانتشار والاستفحال، إلى ‏حد ما أصبحنا عليه من جائحات عالمية بيولوجية وأخلاقية؟ ثم ألم نستفد من تاريخ ‏الأوبئة والأمراض البيولوجية والاجتماعية، فى التأهب لتلك الجائحات؟

كيف تجنى العالم وأهدر رأس ماله البشرى، بإعادة ترتيب طبقاته الاجتماعية؟ ‏ليصبح الباحثون والمفكرون والعلماء والاطباء والمدرسون والمهندسون خلف المنصة ‏التى يتصدرها لاعبو الكرة والمطربون والرأسماليون والاقطاعيون ؟؟؟ الم ينتبه مالكو ‏الثروة الماديّة، ومحتكرو السلطة لعظم مصابهم من جرّاء إهدار القيمة الحقيقيّة للبحوث ‏والدراسات واستشراف مستقبل قضاياهم الصحية والأخلاقية والتعليمية ، حتى يفسحوا ‏في المكان والمجال ويوفروا الطقوس ويشجعوا الممارسات لهؤلاء الأبطال المسؤولين ‏عن بقائهم، بل بقاء الإنسانية بلا ذعر وخوف؟ لماذا لم تنتبه الأنظمة والحكومات ‏لرأس المال البشريّ الحقيقيّ لها إلا وقت الأزمات؟ ثم لماذا الصراع حول الترتيب ‏المجتمعيّ لشرائح العمران البشريّ؟ فإن كانوا يعترفون بقيمة التعليم والبحث الذى أفنوا ‏فيه أعمار هؤلاء الجنود، لخدمة الإنسانية والعمران؛ فعلامَ الخلاف والاختلاف إلى ‏حدّ الصراع الدمويّ؟ وإن كانوا يقدّرون قضايا الصحة والتعليم والثقافة فى مجتمعاتهم ‏فإلامَ التعجب والنبذ والاستنكار؟

وهنا ننتقل من قضايا الفعل فى الأخلاق وترتيب الأولويات، وإدارة الأزمات، ‏إلى قضايا البناء فى النسق الاجتماعى بشكل عام، فهلّا انتبه مؤسسو البناء ‏الافتراضي لتلاشى بعض ملامح الواقع المعاش – حرفيا- هل أصبح النظام ‏الإلكترونى عوضا كافيا عن النظام الاجتماعى الواقعى؟ هل اصبح نظام التعليم من ‏بُعد قادراً على التعليم بشكل حقيقيّ و تفاعليّ بين التلميذ وأستاذه ؟ وإن كان الأمر ‏هكذا فعلامَ بقاء مسمى التربية والتعليم؟ يستوجب هنا الاكتفاء بالتعليم دون التربية ‏ليترك المجال فيها إلى النظام الأسري الذى بات مشرذما كلٌّ فى عالمه الفضائى بعيدا ‏من الآخر، يتربّى ويتلقن في وسط من الأقران ذوي البيئات والخلفيات الثقافية والفكرية ‏المختلفة. ثم نتساءل لماذا الشباب حائر بلا هدف؟ مشوّش بلا رؤية أو رسالة؟ فإن ‏كانت التربية والأخلاق ليسا بخير فى العالم الافتراضى فلماذا بات التعليم بلا تربية من ‏بعد ومن قرب أيضاً؟ هلا أولينا العناية والرعاية لرصّ واصطفاف فسيفساء النُّظم ‏الاجتماعية قبل ان ننظر إلى جميل شكل البناء من قبحه؟ أم اعتدنا النظر إلى مساوئ ‏الشكل حتى ألفناها بأعينٍ وعقول لاتقبل النقد وإن كان بنّاء؟ فاكتسبنا بذلك مناعة ‏النظر فوق مناعة الإحساس ومناعة الفكر ؟ ‏

دعونا ننتقل من البناء والفعل إلى "الممارسة"، لماذا لم نتأهب لمثل هذه ‏الأوبئة، كالفيروسات التاجية سريعة الانتشار- فى أطوار تخلّقها- بتقوية أجهزة ‏المناعة؟ ألم يستطع العالم إلى الآن بكل ما لديه من معامل ومختبرات ومقومات مادية ‏أن يرسم سياسة للمواجهة، بتقوية جهاز المناعة وقت الخطر بمصل متوافر وجاهز ‏للقضاء على الوباء؟ أم أن المختبرات والمعامل باتت خالية من الباحثين الجادين ومن ‏الرغبة فى المحاولة والإلحاح فى الاستمرار، وحلاوة التلذذ بالوصول إلى الأهداف؟ وإن ‏كان الأمر هكذا فعلامَ الاستغراب من مواجهة فيروس بهذا الضعف لجهاز المناعة ‏والقضاء عليه تماما لاسيما كبار السن، وكأنه جاء ليعلم وينذر، لا ليدمر ويهدم؛ فإن ‏هو أبقى على الأطفال والشباب هل نتدارك الأزمة، ونعزّز لديهم المناعة الفكرية ‏والأخلاقية، ونعدّ العدة بالاستعدادات الكافية لنعطي أهمية بمجالَي الصحة والتعليم، ‏وندعم قضايا البحث العلمي، ونوفر المقوّمات والإمكانات المادية والمعنوية لهؤلاء؛ ‏حتى نعيد بهم الروح لتلك المعامل والمختبرات، فندعهم يبدعون فى صمت لمواجهة ‏مثل مانحن فيه الآن؟..أم سنشغل العقول بالتفكير فى تلبية الاحتياجات المادية ‏والمعنوية، ونشعلها بالصراع فى ترتيب الأوضاع الاجتماعية، والاعتراف بقيمتها فى ‏رأس المال البشرى، فنصبح بلا إنتاج، وبلا فكر، وبلا أخلاق، وبلا مناعة تَقوَى على ‏إدارة الأزمات وقت الجائحات العالمية؟ ‏


ومن الممارسة ننتقل إلى شمولية العلم، ونتساءل مستنكرين لماذا قضينا بأيدينا ‏باسم الحداثة وما بعدها على مفهوم الشمولية فى العلم، وأصبحنا متشرذمين حتى فى ‏دراساتنا وأبحاثنا العلمية؟ أين جابر بن حيان، والفارابي، وإسحق نيوتن وغيرهم من ‏الذين سعوا إلى العلم المعرفى وربطوا كثيرا بين التخصصات؛ لفهم الموضوعات ودراسة ‏الظواهر بشمولية أكثر تناسبا لمجالات الحياة كالبيئة والبيولوجيا‎ ‎والفيزياء والعلوم ‏الاجتماعية، هؤلاء هم الذين رفضوا الاختزال الذى يهدف إلى فهم الأنظمة عن طريق ‏تقسيمها إلى عناصر تكوين أصغر، وفهم النظام من خلال فهم خواصها الأساسية. ‏
فقد وصف "ديفيد دويتش" الشمولية بأنها معاداة الاختزالية، وأشار إلى المفهوم ‏بأنه الطريقة المنطقية الوحيدة للتفكير في العلوم ‏‎ ‎بوصفها سلسلةً من الظواهر الناشئة‎.‎‏ ‏
بيد أن الجيل الراهن قد تربى على أفكار الاختزال، وتشبع بثقافة التشرذم، مما ‏أنتج أزمة آنية يعاني منها العالم أجمع، ألا وهي تبنّي العلماء والأنظمة لتفسيرات ‏متضاربة للنتائج التجريبية، لا تساعد فى تحديد أولويات البحوث المستقبلية.‏
‏ وهذا العوار كشفت عنه بشكل صارخ ومبالغ فيه جائحة كورونا. فكيف مع ‏كل ما وصلنا إليه فى القرن الحادي والعشرين من تطور تقنى وتكنولوجى، نقف مكبلي ‏الأيدي لا سبيل لنا إلى محاربة الوباء إلا بالحظر والتباعد الاجتماعى .‏
‏ لا شك أن التخبط والتشرذم فى جانب واحد من مجالات الحياة أصبح هو سمة ‏العصر، ما افقدَنا الارتباط الكلّيّ بدراسة الظواهر الاجتماعية والمشكلات المجتمعية. ‏حيث إن قصور التخصص الذى هو نتاج العالم المادى النفعى، أنتج لنا المتخصصين ‏الذين يمتلكون العلم فى تخصصاتهم، ولكنهم يفتقدون المعرفة والإدراك والقدرة على ‏التحليل الشموليّ، لربط ما لديهم من علم مع سائر العلوم، كما كان دأب العلماء ‏السابقين قبل مائة عام .‏
وخير مثال على ذلك فى هذه الجائحة، هو تردد وتناقض نتائج الأبحاث حول ‏فرضية الطول الموجيّ الآمن للحد من انتشار كورونا (‏UVC‏) لقدرتها على قتل ‏الفيروسات دون الإضرار بالأنسجة السليمة، كما بين "بيرنر" فى مجموعة دراسات ‏حول النانومتر. غير أن هذه النتائج لم تلقَ ربطا وتدعيما فى مجالات أخرى لتنشر ‏ويتم تعميم الاستفادة منها فى كثير من العلوم الطبيعية والبيولوجية، وحتى النظرية ‏والاجتماعية .‏
‏ وكذلك (اختبارات الأجسام المضادة) للأجسام التى يغزوها الفيروس وتنتج ‏أجساما مضادة لمحاربته من خلال أجهزتها المناعية. هذه الاختبارات التى تبناها ‏بعض المتخصصين للكشف عن كورونا من خلال اختبارات نقطة الرعاية (‏KITS‏) ‏التى تعطي نتائج سريعة فى غضون 15 دقيقة إلى نصف ساعة، ما جعل بعض ‏الصحف ومنها (الجارديان) تكتب عن كون هذه الاختبارات بمثابة جواز حصانه ‏للشخص لعودته إلى الحياة الطبيعية والتعامل مع الاخرين. إلا أن جامعة (نيتشر) ‏أجرت تحقيقا مع العلماء والباحثين والمتخصصين‎ ‎وأجمعوا على أنه لا توجد اختبارات ‏صارمة وموثوق بها للتأكّد من الإصابة، ولا يبدو أن أي دولة لديها اختبار أجسام ‏مضادة، يمكنه تحديدا الإصابة ب(كوفيد 19) بدقة، ووقف المتخصصون فى حيرة ‏من أمرهم حول ما اذا كانت الإصابة بمرض تمنح حصانه العدوى منه من خلال ‏الأجسام المضادة التى يفرزها الجهاز المناعى .‏
إنّ هذه الأمثلة وغيرها خير دليل على أن بطء التحكم والسيطرة على مثل هذا ‏الوباء، يرتبط بعدم الشمولية فى العلم والمعرفة. فإن المتخصصين أصحاب المعامل ‏والتحاليل التجريبية؛ ليس لديهم القدرة على الانتقال خارج أسوار تخصصاتهم، ليربطوا ‏ما توصلوا اليه بباقى العلوم والمجالات، فينتجوا علما كاملا يساعد فى التفسير ‏والتشخيص والمواجهة، بل فى التغيير والتطوير والمفارقة.‏
وننتقل الى التباعد الاجتماعى، وهنا أتساءل لماذا لا نعدل مصطلحاتنا ‏ومفاهيمنا مع ما طرأ علينا من مستجدات؟ حقاً إنه التباعد، ولكن ليس "اجتماعي" فى ‏ظل ما استحدث من كل أشكال التواصل الاجتماعى الافتراضى، الذى هو بديل فعلِيّ ‏للواقع المعاش لاسيما فى ظل جائحة كورونا. أليس حريا بنا أن نغير مفهوم التباعد ‏الاجتماعى إلى مفهوم التباعد الجسدى! إن كل أشكال التواصل الاجتماعى باتت ‏موجودة ومتوافرة من بُعد، ولكن على أيّ بُعد نتكلم؟ وعلى أي عالم افتراضى نتحدث، ‏لقد شدنا التعامل الالكترونى فى الفضاء الأزرق بعيداً من المشكلات المجتمعية التى ‏نعانيها، فأين هذا الفضاء من أطفال الشوارع الذين لا مأوى لهم لوقاية أنفسهم ووقاية ‏مجتمعهم من انتشار العدوى؟ ثم أين هو من ظواهر التسول و البطالة والعمالة المؤقتىة ‏والمناطق العشوائية ..وغيرها؟ تلك المشكلات التى ما زال مكانها الحقيقيّ هو الواقع ‏المعاش، ولا بديل له فى العالم الافتراضي، فهل يمكن للمتسولين والمشردين الاستغناء ‏عن الشارع؟ هل يمكن للعمالة المؤقتة الاستغناء عن النزول إلى العمل؟ هل يمكن ‏للعشوائيات تغيير ثقافاتهم وعاداتهم فى التعامل من خلال الشارع؟ هل لهم من بدائل؟ ‏وهل هذه البدائل مفعّلة لحمايتهم فى هذه الجائحة؟؟ ‏

وثمة رؤية يتوجب علينا التطرق إليها، ألا وهى الرؤية التشريعية لإدارة الأزمات ‏فأين الواقع منها؟ نحن بحاجة إلى المزيد والمزيد من تشريعات الصحة الوقائية، ‏وتشريعات إدارة الأزمات، وقوانين المسؤولية الطبية والعلاج الطبيعي ومزاولة الصيدلة ‏والتمريض وغش الدواء، وتشريعات تطوير الإجراءات الاحترازية الوقائية ودعم السلامة ‏العامة، وتشريعات فرض نظام الرقابة الصحية واللقاحات الوقائية وتشريعات ‏الاحتياطات الصحية من الأمراض المعدية والجائحات . ‏
‏ ‏
وأخيراً , ننتقل لاستشراف قضايا المستقبل فى هذه الأزمة، فنحن أمام ‏سيناريوهين, الأول: انحسار الفيروس وعودة المياه مجددا إلى مجاريها سريعا تاركين ‏للتاريخ فكاهتنا واستخفافنا ومشاهد ضاحكة وأخرى توحي بجهلنا. والثاني: استمرارها ‏وقتا ليس بقصير فى عمر الأزمات حتى وإن قصر. ثم استدراك ماتبقى والعودة إلى ‏مجالات الحياة كافة بعد خسائر فادحة وفاضحة، تاركين للتاريخ جائحة بلا مأوى وبلا ‏إدارة وبلا إناره إلا بالعزل الصحي، وحظر التجوال وقانون الطوارئ....فإن كان ‏السيناريو الاول، فستكون الفكاهة والمرح متصدرين المشهد دون الأخذ بعين الاعتبار ‏ما مضى وتقويم ما هو كائن تأهبا لما هو آت .‏
وإن كان السناريو الثاني – فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم – وأيضا تكون ‏الدروس والعبر المستفادة. هنا سوف يُعاد ترتيب المشهد العالمى اقتصاديا وسياسيا ‏واجتماعيا.‏
ولذا؛ أرى الواجب على العلماء والباحثين فى مجال التاريخ والعلوم السياسية ‏والعلاقات الدولية، أن يستشرفوا ملامح المستقبل فى هذه القضية فالأمر جد خطير.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحذر من -صيف ساخن- في ظل التوتر على حدود لبنان | #غر


.. البيت الأبيض: إسرائيل وحماس وصلا إلى مرحلة متقدمة فى محادثات




.. تشاؤم إسرائيلي بشأن مفاوضات الهدنة وواشنطن تبدي تفاؤلا حذرا


.. هل يشهد لبنان صيفا ساخنا كما تحذر إسرائيل؟ أم تنجح الجهود ال




.. بسبب تهديد نتيناهو.. غزيون يفككون خيامهم استعدادا للنزوح من