الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الداخل والخارج في الفكر اليومي السوري

صبر درويش

2006 / 6 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


1- في بداية القرن العشرين, شكل "الخارج" أحد الخيارات الممكنة, في سياق فك التناقضات الداخلية للبنية السورية.
فهمت القوى السياسية في أثنائه, أن القوى الذاتية للمجتمع, لم تكن في مستوى من التماسك الذي يتيح لها مقارعة الطغيان العثماني.وهو الذي شكل مبرراً للتطلع إلى الخارج كمنقذ. وعلى قاعدة ذلك بالضبط تم تتويج رجالات أيار باعتبارهم شهداء وليس خونة.
ويعني ذلك فيما يعنيه, أن القوى الشعبية البسيطة توصلت إلى استنتاج مبني على أساس محاكمتها المنطقية البسيطة أيضاً, مفاده أن هؤلاء الرجال ليسوا خونة وإنما رجالات وطنية بامتياز, وبالتالي لابد من مكافأتهم لا نفيهم, مكافأتهم باعتبارهم شهداء الحرية. وهذه ملاحظة حاسمة في أهميتها كما سنلاحظ.
2- بما أن البشر لا يطرحون سوى المشكلات التي لم يتجاوزها التاريخ بعد, فإن مشكلة الداخل والخارج والعلاقة التي تربط بينهما, يعاد طرحها من جديد, وذلك في ظل المعطيات الراهنة.

2 -1: بعد أكثر من أربعة عقود من النضال المرير, انهزم الشعب العراقي وقواه السياسية, أمام السلطة الحاكمة. وكان ذلك, من المرات القليلة في التاريخ التي يتمكن فيها طاغية من هزيمة شعب بأكمله.
وعى الشعب العراقي هزيمته- وهذه ملاحظة مهمة- وعرف حق المعرفة, حجم قواه الذاتية. وبالتالي فهم تماماً موقعه في موازين القوى. وبنا على أساس هذا الوعي بالذات فهمه لدور الخارج وموقعه في عملية التغيير. الخارج هنا سيتجلى كخيار- صعب- ولكن لا بديل آخر عنه.

في ثلاثة أيام, حقق هذا الخارج ما عجز نضال أكثر من ثلاثة عقود من تحقيقه. ولم تكن المسألة مطروحة في أثنائه حول استبدال سلطة تسلطية بأخرى ديمقراطية. فالوعي العراقي لم يقدم على هذا النوع من التبسيط. فالمعادلة التي كانت مطروحة باختصار, كانت تقوم على أساس إمكانية فتح صيرورة الصراعات الاجتماعية, بما يعنيه ذلك من التأسيس إلى عودة القوى العراقية إلى تاريخها من خلال استعادتها لدورها كفاعل حقيقي في هذا التاريخ.
إذن لم تكن مهمة هذا "الخارج" تقوم على صنع تاريخ الشعب العراقي, فهذا الاختزال أتى من مكان آخر, بل كانت في إمكانية فتح صيرورة الصراعات الاجتماعية كي تعبر عن نفسها بأشكال متعددة. أي بالمختصر إطلاق صيرورة التاريخ بعد أن أوقفتها سنوات من الطغيان.
إذاً المسألة تكمن في إعادة المعنى للتاريخ ذاته, ولا يكون من معنى للتاريخ من دون فاعلين حقيقيين لهذا التاريخ.

2-2: أعيد طرح الإشكالية في لبنان بدرجة حرارة لا تقل عن سابقتها, وانطلق السؤال: هل يعبر الوجود السوري في لبنان عن كونه داخلاً أم خارجاً؟
حتى وقت قريب كان الوجود السوري في لبنان لا يعدو كونه بداهة. فالسؤال حول مشروعية هذا التواجد العسكري والسياسي لم تكن مطروحة بشكل جدي. السوريون موجودون – بغض النظر عن كونهم داخلاً أم خارجاً- من أجل مصلحة كل لبنان, هذه هي البداهة التي كانت سائدة في أثنائه.
لقد شكل التواجد السوري في لبنان ضرورة من وجهة نظر الأطراف التي وقعت اتفاقية الطائف. وهو ما غيب البحث في مشروعية التدخل الخارجي وغيب أساساً طرح السؤال حول القوات السورية كونها خارجاً أم داخلاً. فالقوات السورية هي "داخلا"ً من وجهة نظر قومية, بيد أنها "خارجاً" من وجهة نظر حقوقية. وأياً يكن الأمر فإن هذا الجدل سوف يؤجل إلى وقت لاحق, وهو ما سيعبر عنه الجدال الدائر حالياً في الساحة اللبنانية.
3- لم تثر إشكالية الداخل والخارج في سوريا سابقاً, في هذه الحدة التي نراها عليه اليوم. ولئن كان الحوار دون المستوى المطلوب.فهذا ليس ناتجاً عن عدم أهلية المجتمع المثقف في سوريا, أو عدم أهمية المسألة قيد البحث. وإنما هو نتاج الضغط الأمني الذي يمنع في سوريا أي شكل من أشكال الحوار الحر.
وأياً يكن من أمر هذا الضغط الأمني, إلا انه لم يستطع منع الحوار نهائياً, بيد أنه خلق مناخاً غير صحي, دار على أرضيته هذا الجدل, وهو ما أنعش حواراً غير صحي بدوره.
إن هذا المناخ هو الذي جعل من الأحكام المترتبة على هذا الحوار تأخذ شكلاً قيمياً متطرفاً, مما أدى إلى تخفيض مستوى هذا الحوار, وابتذاله في كثير من الأحيان.

في الحقيقة ترتب على هذا الجدل نتيجتين أساسيتين. الأولى تجعل الموقف من الخارج مقياساً للوطنية. فينال كل من يقف في وجه "الخارج" ومخططاته صفة الوطنية. ونتيجة أخرى تحاول أن تأسس موقفها على أرضية وعيها للهزيمة الكبرى التي منية بها القوى الاجتماعية السورية, وهو الذي يجعل من التدخل الخارجي ضرورة يفرضها منطق التاريخ ذاته, وبالتالي يعيد وضع المعادلة على أسسها الصحيحة.

والسؤال الذي لا يلبث يقفز هنا: ما المقصود في هذا "الخارج" بالضبط؟
هل الخارج هو الخارج الحدودي؟ أم تراه هو الخارج القومي مثلاً؟ أم الخارج هو الخارج عن القانون وكل الأعراف الدولية والأخلاق الإنسانية بوجه عام؟

في الحقيقة كان من الجيد أن ترى جماعة ما مستقبلها في جماعة أخرى, سبقتها إلى عناق المستقبل, فتوفر على نفسها عناء التجربة وألم المخاض. بيد أن للتاريخ منطق مختلف, يحبط التحليل في كثير من الأحيان, ويفرض نفسه على المراقب. فماذا ستكون إجابات هذا التاريخ عن التساؤلات الملحة التي تطرحها المرحلة؟

*****************************

/انتهى/ 8- 6- 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما مبرّرات تكوين ائتلاف لمناهضة التعذيب؟


.. ليبيا: ما سبب إجلاء 119 طالب لجوء إلى إيطاليا؟ • فرانس 24




.. بريطانيا: ما حقيقة احتمال ترحيل مهاجرين جزائريين إلى رواندا؟


.. تونس: ما سبب توقيف شريفة الرياحي رئيسة جمعية -تونس أرض اللجو




.. هل استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لفض اعتصامات الطلاب الداعمة