الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تَعريفٌ بمُبادرةِ الحِزام والطّريق

بوناب كمال

2020 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


على مدار أكثر من ألفيْ عام، عمدَ قاطنو أوراسيا إلى فتح العديد من طرق الاتّصال التجارية التي تربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، والتي عُرفت في ما بعد بـ "طريق الحرير"، وهو الطريق الذي أصبح بمثابة تراثٍ تاريخي وثقافي مشترك لدول العالم، يتمّ تناقل قِيَمِهِ ،المتمثلة في التعاون السلمي والانفتاح والتعلّم المتبادل ومبدأ رابح ـ رابح، من جيل إلى جيل، ومع موجة التحديات الاقتصادية والأمنية التي يفرضها القرن الحادي والعشرين تبدو الحاجة مُلحّة لإعطاء دفعة لهذا المكسب الإنساني.
اقترح الرئيس الصيني شي جينبينغ ، في 7 سبتمبر 2013، فكرة إنشاء "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" في خطابٍ ألقاه بجامعة نازارباييف ـ كازاخستان، وفي 3 أكتوبر 2013 تحدّث الرئيس الصيني أمام البرلمان الأندونيسي عن فكرة "طريق الحرير البحري"؛ ومنذ تلك اللحظة أصبحت مبادرة "الحزام والطريق" إستراتيجية وطنية رئيسية كما أنها حازتْ على اهتمامٍ ومساندةٍ دوليتيْن؛ ففي نوفمبر 2016 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ،وبالإجماع، القرار A/71/9 الذي يناشد الدول إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي من خلال مبادرات شبيهة بمبادرة "الطريق والحزام"؛ وفي 14 ـ 15 ماي 2017 احتضنت بكين منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، والذي عرفَ مشاركة 29 ممثلا من رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الدولية، بما فيهم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأكثر من 1500 ضيف مدعو من أكثر من 150 دولة، كما جذب المنتدى حوالي 4000 صحفي من دول العالم.
إنّ الغرض الأساسي من مبادرة الحزام والطريق هو البحث عن نماذج جديدة من التعاون الدولي والحكم العالمي بُغية التخفيف من آثار الأزمة المالية الدولية الناشئة، والحدّ من التنمية العالمية غير المتكافئة، وحثّ الدول على التوجه نحو عالم متعدّد الأقطاب، والاستتثمار في تكنولوجيا المعلومات بما يسمح بدعم نظام التجارة الحرة العالمية والاقتصاد المفتوح وتعزيز روح التعاون الإقليمي؛ إنها مبادرةٌ تصبّ في مصلحة المجتمع الدولي وتعكس المُثل الإنسانية المشتركة؛ وفي ذلك تُبدي الصين حرصا على الالتزام بسياسات الانفتاح الشامل واندماجها بشكل أعمق في نظام الاقتصاد العالمي، وتعزيز أواصر التعاون متبادل المنافع مع دول آسيا وأوروبا وإفريقيا، كما أنها على استعدادٍ لتحمّل المزيد من المسؤوليات، وتقديم مساهمات أكبر لتحقيق السلام والتنمية للبشرية.
يركّز الحزام الاقتصادي لطريق الحرير على الجمع بين الصين وآسيا الوسطى وروسيا وأوروبا (بحر البلطيق)، كما أنه يربط الصين بالخليج الفارسي والبحر الأبيض المتوسط عبر آسيا الوسطى وغرب آسيا، وستصبح الصين متّصلة بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي؛ وتمّ تصميم "طريق الحرير البحري للقرن 21" للانتقال من ساحل الصين إلى أوروبا عبر بحر الصين الجنوبي من طريق واحد، ومن ساحل الصين ،عبر بحر الصين الجنوبي، إلى جنوب المحيط الهادي في طريق آخر؛ على الأرض، ستهدف المبادرة إلى بناء جسر برّي أوراسي مشترك بين الصين ـ منغوليا، الصين ـ روسيا، الصين ـ آسيا الوسطى، الصين ـ غرب آسيا؛ إضافة إلى المراهنة على إنشاء أروقة اقتصادية بين الصين وشبه جزيرة الهند الصينية يتمّ الاعتماد فيها على المدن الأساسية ،المترامية على طول الحزام والطريق، وتوظّف كبرى المجمعات الصناعية كمنصّات رئيسية للتعاون؛ في البحر، تركّز المبادرة على بناءٍ مشترك لطُرق نقلٍ سلسة وآمنة وفعاّلة تربط الموانئ البحرية الرئيسية على طول الحزام والطريق، ومن أهم المشاريع ذات الأهمية في هذا الجانب يبرز الرّواق الاقتصادي بين الصين وباكستان، والرواق الاقتصادي بين بنغلاديش والصين والهند وميانمار.
تهدف الصين ،من وراء هذه المبادرة، إلى تحقيق المهام التالية:
ـ اكتشاف طرق جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي: تسعى الصين إلى تعزيز الحوار والتعاون بين دول الطريق والحزام، وإلى بناء نموذج جديد للشراكة الإنمائية العالمية، تُراعى فيه مقوّمات المساواة والاتّزان، ووضع أسس متينة ومستدامة للتنمية الاقتصادية العالمية.
ـ إعادة التوازن لمسار العولمة: يوحي سلوك العولمة المتراكم بأن المناطق الساحلية والدول البحرية هي التي استفادت في المقام الأول من التطور، بينما ظلت الدول القارية والأماكن الداخلية رهينةً للتخلف، وهو ما تسبّب في فجوات الانتفاع من الثروات، كما أنّ العولمة بدأت في أوروبا وتطورت بعد ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أدى إلى "نظرة مركزية غربية" للنظام الدولي، ما جعل الشرق تابعا للغرب، والمناطق الريفية تتبع المدن، والمدن الداخلية والدول القارية تحت هيمنة المحيط؛ لذلك تتبنى مبادرة الحزام والطريق فكرةَ التنمية الشاملة للمجتمع الدولي وإعادة التوازن لعملية العولمة، ما منْ شأنه أن يغيّر من الأوضاع المتخلفة للدول التي كانت على مرّ التاريخ ممراتٍ تجارية وثقافية بين الشرق والغرب دون أن تجني أرباحا فعلية من وراء أدائها لهذه الأدوار.
ـ طرح نموذج جديد للتعاون الإقليمي: وذلك عبر ابتكار نظريات ورؤى جديدة للتنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي؛ فعلى سبيل المثال، ترمز الأروقة الاقتصادية إلى تجاوزٍ لأفكار التعاون الإقليمي الكلاسيكية، وهي مختلفة عن "المناطق الاقتصادية" و "الاتحاديات الاقتصادية"، ويتم الترويج لها على أنها فكرة أكثر مرونة، كما أنها مُجدية وقابلة للتطبيق، وتدفع جميع البلدان المعنية إلى التحلي بروح المسؤولية والتمسك بالمشاركة الطوعية والتنسيق في ما بينها.
تعتمد مبادرة الحزام والطريق على خمسِ مبادئ وآليات تعاون:
1 ـ تتماشى مبادرة الحزام والطريق مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة، كما أنها تؤيّد المبادئ الخمسة للتعايش السلمي (الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، عدم الاعتداء المتبادل، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر، المساواة، المنفعة المتبادلة والتعايش السلمي).
2 ـ المبادرة لا تقتصر على دول طريق الحرير القديم، وإنّما هي مفتوحة لجميع البلدان، كما سيكون في مقدور المنظمات الإقليمية والدولية أن تشارك وتساهم في تطوير المبادرة والاستفادة منها,
3 ـ المبادرة متناغمة وشاملة، تدعو للتسامح والحوار بين الحضارات، وتحترم أنماط التنمية المتباينة التي تختارها مختلف الدول؛ فبَوْتقةُ السلام والرخاء المشترك تسعُ الجميع.
4 ـ تلتزم المبادرة باتّباع قواعد السوق واحترام المعايير الدولية، دون أن يعني ذلك إعفاء الحكومات من أداء واجباتها.
5 ـ تسعى المبادرة إلى تحقيق المنفعة المتبادلة، وتمكين الحكمة والإبداع، والانفتاح على نقاط القوة لدى جميع الأطراف الفاعلة.
تراهن مبادرة الحزام والطريق على تقوية روابط التعاون بين الدول عبر: (1) ـ تنسيق السياسات. (2) ـ توصيلُ المرافق . (3) ـ تجارة بلا عوائق. (4) ـ التكامل المالي. (5) ـ تَساندُ الشّعوب؛ وفي خطابه أثناء انعقاد منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي عام 2017، أوضح شي جينبينغ أنّ مبادرة الحزام والطريق يجب أن تُشيّدَ على طُرق: السلام والازدهار والابتكار وربط الحضارات.
بتصرّف عن:
The difficult Task of Peace : Crisis, Fragility and Conflict in an uncertain world, Edited by Francisco Rojas Aravena, Palgrave Macmillan, 2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن