الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا شيء يستدعي الثقة

سعد كموني
كاتب وباحث

(Saad Kammouni)

2020 / 5 / 6
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لا أدري إن كان جيداً ما فقدنا من وثوقية أو سيئاً! قد تكون اليقينيات التي نبني حياتنا ‏على أساسها بحاجةٍ إلى زعزعة، وقد تكون الوثوقيّةُ مرضاً يحجّرُ العقل والقلب والروح، غير أنّ ‏تهاويها بهذه الطريقة، أكثر سوءاً منها، لا لأنها تعِدُ بنظُمٍ جديدة ـــــــ وهذا مطلبٌ مرغوبٌ فيه ـــــــ ‏بل لأنّ التهاوي في قبضة الشكوك حالٌ مرضيّةٌ لا تنتظر من يداويها. قد تكون الهاوية هي ‏الجديد، وقد يكون هذا الجديد القادم حتماً، له أنياب برّاقة نحسبها ذهباً وهي تسلبنا إرادتنا، ‏وأحلامنا، وقدراتٍ كانت لنا.!!!!‏
ها نحن بدأنا نتكيّفُ مع المحاضرات من بُعد، عبر منصّةٍ خاصّةٍ للتواصل مع الطلاب، ‏ففقدنا ثلاثة أرباع قيمة التعليم، فقدنا الملامح التي تشي بحقيقة موقف المتلقي، وفقدنا قراءة ‏العيون، ومتعة التفاعل مع الطلاب وتفاعلهم مع الموضوعات، ربما نستطيع أن نطورَ هذه الآليةَ ‏الجديدة ، ونصبح كفوئين في التعامل معها فتلبي الكثير مما يحتاجه الأستاذ في علاقته مع ‏مهنته، قد نطوّرها فنحسن استثمارها، ولكن، ماذا لو جاءنا من بعدُ "فايروس" آخر لا ينفع معه ‏الحجر المنزلي، وماذا لو هاجم كوكبنا غير فايروس، طالما أن العلم الذي أفسد الطبيعة ‏وأجسامنا، لم يستطع التنبؤ بما سيحصل من جراء ذلك، ما المانع أن تصبح الأفلام الهوليوديّةُ ‏قابلةً للتحقق، فنرى في الشوارع الحديثة أشكالاً غرائبيةً لا تنتمي لبشريتنا، ولا للحيوانات المعهودة؟ ‏بماذا يجب أن نثق؟ كل ما تعلمناه وعرفناه أو ورثناه، لم ينفع.‏
النظم السياسيةُ ستحكمنا بالأساور البيومترية، أو بالهواتف التي ستنقل إليهم حرارتنا، ‏وضغط دمنا، ونبضات قلوبنا، وسيحددون المحالف والمعارض، سيعاد تصنيفنا إذا بقينا أحياء ‏من دون الحاجة إلى أجهزةٍ أمنية، أو محللين مختصين، فالحواسيب الآن قادرةٌ على نبش مواقعنا، ‏ومعرفة مواقفنا.‏
لم يعد بالإمكان أن نخطط لإضراب ما في جامعتنا، لأنهم سيطلبون منا مسبقاً، إرسال ‏نسخة مسجلة عن المحاضرات التي ستلقى على مدى العام حرصاً على مصلحة طلابنا، وحتى ‏لا يضيع حقهم في التعلم!!. ‏
لم يعد بإمكان أي جمعية أو منظمة مدنيّة، أن تعقد مؤتمرها من قرب، بل عبر منصةٍ ‏من منصات غوغل أو ميكروسوفت، أو سواها، وستكون قراراتها مسبقةً ولا جدوى من تلاوتها.‏
ستكون معالجة المرضى عبر الحواسيب ووصف الدواء كذلك.‏
هل هذه خيالات، أم أنها شكل من أشكال التاريخ الجديد.كيف لي أن أثق بأن تكون لدينا ‏حياة تقليدية، وكل الساسة والعلماء والمفكرين والمثقفين، والعباقرة لم ينقلوا إلينا خبراً موثوقاً واحداً ‏عبر زمن هذه الجائحة الفظيعة. كل ما قالوه فعلناه، ولكنه لم ينفع.‏
كيف لي أن أصدقَ مزاعمهم، وها هم في يوم يقولون خرج الإيطاليون إلى الشوارع كي ‏يودعوا العالم، وها هم الآن يخففون من إجراءات السلامة العامة، ويتنازلون بالتدريج عن إجراءات ‏الحجر والتجوال؟ كل شيء ممكن، وكل شيء غيرُ ممكن. ‏
لو كان بالإمكان أن نبدأ من الأول، من زمن الإنسان الأول، حتى نحمي الطبيعة ‏والفضاء منا ومن سوء أخلاقنا، لعلنا لا نصل بهذه السرعة إلى هذه الفظائع. في ظرف مئتي ‏سنة قتلنا الله والإنسان، ونريد أكثر.‏
‏ ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز