الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفدرالية واللامركزية في العراق

صلاح الدين عثمان بيره بابي

2020 / 5 / 6
الادارة و الاقتصاد


مقومات اللامركزية والحكم المحلي في العراق الفيدرالي
عرض
جرديس كوليزادة( 1
من أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها بنيان الدولة الفيدرالية الحديثة، وهي أكثر النظم الإدارية السياسية الحديثة تطبيقا على مستوى الكثير من الدول التي حققت كيانات ونماذج سياسية مرموقة على الصعيد الدولي، اللامركزية والحكم المحلي في إدارة الدولة، ومنح الأقاليم والمقاطعات والمحافظات والبلديات والوحدات الصغيرة الصلاحيات والسلطات اللازمة لإدارة شؤونها وفق مصالح سكانها ومجتمعاتها الممثلة لها حسب النهج السائر عليها الدولة المعنية. وهذا المسار الإداري الجديد هو اسلوب من أساليب النهج الديمقراطي، وهو اتجاه حديث بدأت الكيانات السياسية في العالم المعاصر تتسم بها كحقيقة إدارية وسياسية.
وبهذا الصدد فإن أقوى إشارة مرجعية قانونية لهذا النهج الجديد في ادارة الدولة الحديثة في الشأن العراقي، جاءت في المادة الرابعة من قانون ادارة الدولة العراقية التي تنص "نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي (فيدرالي)، ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب" (*). ويعتبر هذا النص القانوني من أقوى المراجع التشريعية والاتجاهات الديمقراطية الحديثة التي أخذت ترسو في النموذج العراقي الجديد في المنطقة بفعل التغيير الحاصل من قبل العراقيين لنظام الحكم من حالة استبدادية قمعية الى حالة ديمقراطية حديثة العهد تبنى أركان دولتها على أساس النهج الديمقراطي وحقوق الإنسان، والاعتراف بالحقوق القومية، والإقرار بالفيدرالية والتعددية، والإقرار بالحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية لكل فرد من أفراد المجتمع. وضمن هذا الإطار، فان اللامركزية التي تتسم بها الدولة العراقية الفيدرالية الحديثة، تنظمها مرجعيات عائدة للأقاليم والمحافظات والبلديات ضمن إطار الكيان الفيدرالي العام. ولكن في الشأن العام وفي كل الأحوال فإن اللامركزية تحددها شروط معينة مقترنة بشروط موضوعية لابد من توفرها لضمان نجاح وانسيابية تطبيق النظام اللامركزي في ادارة الأقاليم والمحافظات ووحداتها الإدارية الصغرى، التي تشكل في إطارها العام كيان الدولة العراقية الاتحادية.
و ضمن الرؤية الأكاديمية والتطبيقية والسياسية لباحث أكاديمي عراقي كردي وهو الاستاذ المساعد الدكتور صلاح الدين عثمان بيره بابى، والمشرف على البرنامج التدريبي لمنظمة "آر تي آي" على نطاق محافظة أربيل في اقليم كردستان لتأهيل الأعضاء المنتخبين لمجلس المحافظة، فإن الشروط التي تلزم توفرها لإرساء اتجاه العمل ضمن منظور اللامركزية والحكم المحلي ونظام الحكم الاتحادي (الفيدرالي)، تتركز في خمسة محاور رئيسية، وهي بمثابة مقومات عامة لتطبيق اللامركزية والحكم المحلي على نطاق الأقاليم والمحافظات والبلديات، يمكن تلخيصها وتحديدها بما يلي كما حددها الباحث الأكاديمي(**):
أولا: إعادة النظر في الهيكل التنظيمي والإداري للدولة والاقاليم والمناطق، بما يتلائم مع خصوصياتها الديموغرافية والطبيعية وحاجاتها، وحل مشاكلها البشرية والاقتصادية بما يسهل تطبيق اللامركزية. وبهذا الشأن يمكن الإسناد والرجوع الى ما شرعها قانون إدارة الدولة العراقية بهذا الصدد، ف المادة الثانية والخمسون تنص "يؤسس تصميم النظام الاتحادي في العراق بشكل يمنع تركيز السلطة في الحكومة الاتحادية، ذلك التركيز الذي جعل من الممكن استمرار عقود الاستبداد والاضطهاد في ظل النظام السابق. ان هذا النظام سيشجع على ممارسة السلطة المحلية من قبل المسؤولين المحليين في كل اقليم ومحافظة، ما يخلق عراقا موحدا يشارك فيه المواطن مشاركة فاعلة في شؤون الحكم ويضمن له حقوقه ويجعله متحررا من التسلط".
ثانيا: إعادة النظر في الأسس القانونية لبناء الدولة، وبهذا الصدد لا يمكن إتباع النظام اللامركزي كاسلوب استراتيجي ومستمر في الادارة دون الاستناد على أسس قانونية متينة، وفي مقدمتها الدستور والقوانين المتعلقة الأخرى المستندة عليها والمشرعة من قبل برلمانات منتخبة بصورة ديمقراطية، وكذلك إصدار تعليمات ولوائح من قبل الإدارات المحلية المنتخبة أيضا من قبل سكان تلك المناطق وبما يضمن تحقيق مصالح تلك المناطق وسكانها المشروعة في إطار دستور وقانون ذلك البلد. وبهذا الخصوص فإن المادة الخامسة والخمسين الفقرة (أ) من قانون ادارة الدولة العراقية تنص " يحق لكل محافظة تشكيل مجلس محافظة وتسمية محافظ، وتشكيل مجالس بلدية ومحلية، ولا يتم إقالة أي عضو في حكومة اقليم، او أي محافظ او عضو في أي من مجالس المحافظة او البلدية او المحلية على يد الحكومة الاتحادية او على يد احد مسؤوليها، إلا إذا أدين من قبل محكمة ذات اختصاص بجريمة وفقا للقانون. كما لا يجوز لحكومة اقليم عزل محافظ او عضو من أعضاء أي من مجالس المحافظة او البلدية او المحلية. ولا يكون أي محافظ، او أي عضو في مجالس المحافظة او البلدية او المحلية خاضعا لسيطرة الحكومة الاتحادية، الا بقدر ما يتعلق الامر بالصلاحيات المبينة في المادة 25 والمادة 43.
ثالثا: إعادة تفويض وتخويل الصلاحيات من الأعلى الى الأدنى، وتقوية الهيئات الدنيا، وبهذا الصدد فان النظام اللامركزي قائم أساسا على مبدأ تفويض الصلاحيات من الهيئات العليا الى الهيئات الدنيا ودعمها وتوفير كافة مستلزمات نجاحها في إداء واجباتها المطلوبة، وتختلف درجة تفويض الصلاحيات والجوانب التي تشملها حسب طبيعة الادارة المحلية وطبيعة المنطقة والسكان والمهام الملقاة على عاتقها، والتي تشمل صلاحيات مالية وإدراية وتخطيطية وأمنية. وضمن هذا الإطار، فان الفقرة (أ) من المادة السادسة والخمسون من القانون المذكور تنص "تساعد مجالس المحافظات الحكومة الاتحادية في تنسيق عمليات الوزارة الاتحادية الجارية داخل المحافظة، بما في ذلك مراجعة خطط الوزارة السنوية وميزانياتها، بشأن الأنشطة الجارية في المحافظة نفسها، يجري تمويل مجالس المحافظات من الميزانية العامة للدولة، ولهذه المجالس الصلاحية كذلك بزيادة إيراداتها بشكل مستقل عن طريق فرض الضرائب والرسوم، وتنظيم عمليات ادارة المحافظة، والمبادرة بإنشاء مشروعات وتنفيذها على مستوى المحافظة وحدها او بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والقيام بأنشطة اخرى طالما كانت تتماشى مع القوانين الاتحادية". والفقرة (ب) من نفس المادة أعلاه تنص "تساعد مجالس الأقضية والنواحي وغيرها من المجالس ذات العلاقة في إداء مسؤوليات الحكومة الاتحادية، وتقديم الخدمات العامة، وذلك بمراجعة خطط الوزارة الاتحادية في الأماكن المذكورة، والتأكد من أنها تلبي الحاجات والمصالح المحلية بشكل سليم، وتحديد متطلبات الميزانية المحلية من خلال إجراءات الموازنة العامة وجمع الإيرادات المحلية وجباية الضرائب والرسوم والحفاظ عليها، وتنظيم عمليات الادارة المحلية والمبادرة بإنشاء مشروعات محلية وتنفيذها وحدها او بالمشاركة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، والقيام بأنشطة اخرى تتماشى مع القانون". والفقرة (ج) من نفس الفقرة أعلاه تنص "تتخذ الحكومة الاتحادية، كلما كان ذلك عمليا، إجراءات لمنح الإدارات المحلية والاقليمية والمحافظات سلطات إضافية وبشكل منهجي. سيتم تنظيم الوحدات الإقليمية وإدارات المحافظات، بما فيها حكومة اقليم كردستان، على أساس مبدأ اللامركزية ومنح السلطات للإدارات البلدية والمحلية". والفقرة (أ) من المادة السابعة والخمسون من القانون المذكور تنص "ان جميع الصلاحيات التي لا تعود حصرا للحكومة العراقية الانتقالية يجوز ممارستها من قبل حكومات الأقاليم والمحافظات، وذلك بأسرع ما يمكن، وبعد تأسيس المؤسسات الحكومية المناسبة.
رابعا: إعداد الكوادر والمهارات الإدارية، ان إعداد الكوادر ذوي المهارات التي تؤهلها لفهم الادارة اللامركزية وتلبية الاحتياجات من الكوادر ضمن الحلقات المختلفة، ليس فقط للهيكل الوظيفي ضمن الادارة المحلية فقط، بل وضمن المحافظة والإقليم والمركز لأنه مهما كان النظام الإداري كفوءا لا بد ان يعتمد اسلوب التطوير المستمر للكوادر العاملة في الحلقات الوظيفية المختلفة التي تستوعب وتفهم نظام اللامركزية، ولديها القدرة على تطبيقها بكفاءة عالية وتحقيق الأهداف المرجوة بأعلى فاعلية وبأقل الخسائر الجانبية. ولهذا نجد أن النظام اللامركزي يعتمد على كثافة اكبر للكوادر الإدارية المؤهلة (Skill Labor Intensive)، لان الحاجة الى هذه الكوادر تبدأ من البلديات والإدارات المحلية صعودا الى الإدارات الأعلى ضمن الهيكل التنظيمي والوظيفي للإدارة العامة. ويتطلب من هذه الكوادر قدرات ذاتية وكفاءات تتعلق بكيفية خلق العلاقة العضوية مع السكان والإطلاع على اهتماماتهم وحاجاتهم وهواجسهم، اضافة الى الإلمام بالقضايا الإجرائية والفنية المتعلقة بالتخطيط والمتابعة والمحاسبة والأمور المالية والرقابية...الخ، لضمان قدرة هذه الكوادر على المساعدة في اتخاذ القرارات ونجاح تطبيق النظام اللامركزي.
وهذا الاتجاه في تهيئة الكوادر المؤهلة تطور أصاب وظائف الدولة الفيدرالية فتناولها بالتوسع والتنوع والتأثير والفعالية، وكذلك أصاب محتويات تلك الوظائف ووسائل تنفيذها لتتحول الى مفردات خدمية تساعد على توفير الخدمات بأفضل صورها، فأصبحت الخدمات العامة تصور على أنها حقوق للمواطنين يجب اداؤها وتوفيرها لتحقيق هدف الدولة الاتحادية في تأمين الحقوق الأساسية المعلقة بالخدمات، ولكن بشرط ان يتم الأداء بصورة معينة تضمن تحقيق الغرض منها. ومعنى هذا ان العملية لا بد ان يتم توفيرها في مستويات متعددة على نظام الحكم للأقاليم والمحافظات والبلديات. ولهذا لم يعد يكفي ان ينظر للخدمة وحدها من الناحية الوظيفية، ولكن يجب ان يدخل المخدومون أنفسهم كجزء أساسي من الخدمة في التصور والتنفيذ وهذا ما يجب ان يكون ضمن العمل الأساسي للكوادر المؤهلة في هذا الإتجاه، ولهذا فإن الوسائل المادية والفنية الإدارية يجب ان تتصل بالغاية الوظيفية للكوادر لتقديم أفضل خدمة.
خامسا: توفير قاعدة واسعة للبيانات والمعلومات وعلى مستويات مختلفة، وبهذا الشأن فإن توفير قاعدة واسعة للبيانات والمعلومات لغرض إلمام المسؤولين الإداريين في الأقاليم والإدارات المحلية والبلديات بواقع مناطقهم في مختلف المجالات وكذلك الموارد المتاحة والكامنة التي يمكن استغلالها لزيادة حجم الخدمات المقدمة الى السكان وتحسين نوعيتها وزيادة كفاءة الإدارات وتلبية حاجاتها من المستلزمات الحديثة.
وبهذا الخصوص فإن ما يقصد بها من قاعدة معلومات، يشمل جميع الجوانب المعلوماتية المتعلقة بالمجموعة السكانية ضمن إطار مساحة معينة لإقليم أو محافظة أو بلدية أو أصغر وحدة تجمعية سكانية، والمستنبطة من أرض الميدان بدافع التخطيط السليم وإعداد المشاريع وتوفير الخدمات في جميع مجالات الحياة والتي تتضمن في غالبيتها الصحة والتربية والشرطة والمرور ومنظومة الماء ومنظومة الكهرباء وشبكة التصريف والزراعة والتجارة والصناعة والتعليم والبلديات والأراضي والترفيه والطرق والمواصلات والاتصالات وغيرها من الخدمات المرتبطة بتوفير الحاجات الأساسية للتجمعات السكانية على مستوى المدن والبلديات الكبيرة والصغيرة.
بعد هذا الموجز للمقومات والشروط التي تبنى عليها اللامركزية والحكم المحلي، فإن وجهات النظر المختلفة في الوسط العراقي والكردستاني عند الحديث عن اللامركزية للأقاليم والمحافظات والبلديات، تتفق في غالبيتها أن أسلوب اللامركزية هو نتيجة حتمية لتطور المجتمعات، وقد استند هذا الرأي على إرساء العملية الديمقراطية في العراق الجديد، وارتباط اللامركزية والفيدرالية في تطورها بمفهوم الحرية على مستوى الفرد والقوميات والمجموعات السكانية. ولا شك أن هذا الإتجاه السليم للحياة ينمو في أوقات السلام والأمن والانتعاش الاقتصادي، و بما أن الأجواء بدأت تترسخ في العراق الاتحادي باتجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية السياسية والفردية، بالرغم من وجود بعض المشاكل الأمنية، الا ان إصرار الغالبية العظمى من العراقيين على تحقيق العراق الجديد وفق المنظور الجديد كفيل بتحقيق الهدف الوطني الكبير من خلال وضع دستور دائم لبناء دولة عراقية فيدرالية ديمقراطية حديثة تحقق ازدهارا اقتصاديا منشودا على مستوى المجتمع والدولة. وهذا ما سيتم تحقيقه في مستقبل قريب في العراق الاتحادي الجديد وفي اقليم كردستان.
(*) قانون إدارة الدولة العراقية
(**) نظام الحكم اللامركزي، الاستاذ المساعد الدكتور صلاح الدين عثمان بيره بابى، اقليم كردستان، اربيل، 2005.
* كاتب عراقي كردي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”


.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو




.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج


.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة