الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اثر لا يمحى ورحلة حياة حافلة بالإبداع

جميل الشبيبي

2020 / 5 / 6
الادب والفن


الكتابة عن حياة مبدع إنساني كبير مثل إسماعيل فهد إسماعيل ستبقى شهادة متعثرة،لا يمكن أن ترتقي إلى ذلك الصرح الكبير الذي شيده الراحل بصبر وأناة ومعاناة،جسدتها لحظات حياته التي امتدت فترة طويلة، قضاها بين هويات وذوات وأماكن متنوعة وكتب عنها بلسان يشكو مرارة الخذلان على الرغم من كل الأعمال التي حققها ( الا إن هناك شعورا راسخا بان الكلمة التي أريد قولها لم اقلها بعد ص 290) كما يقول .
ولد الروائي إسماعيل فهد إسماعيل في مدينة البصرة أوائل أربعينيات القرن العشرين، في قرية السبيليات التابعة لقضاء أبي الخصيب في مدينة البصرة،وفيها أكمل دراسته وعين معلما في مدارس البصرة ثم كلف لتدريس الرسم في إحدى المدارس المتوسطة قبل أن يغادر البصرة إلى الكويت عام 1966.
وفي مدينة البصرة أكمل مشروعه الروائي المتميز في كتابة الرواية القصيرة عبر رواياته التي نشرها في سبعينيات القرن العشرين:(كانت السماء زرقاء، الحبل، المستنقعات الضوئية) ثم أكمل الرباعية في الكويت بكتابته لروايته ( الضفاف الأخرى)، وخلال وجوده في البصرة نشر على حسابه الخاص مجموعته الأولى ( البقعة الداكنة) .
وإذا كانت مدينة البصرة موطن إبداعه وثقافته الأولى ، فان الكويت شكلت منعطفا كبيرا في حياته عبر أجوائها وحياتها الهادئة المتميزة بالتعايش السلمي للهويات المتنوعة، التي مكنت مخيلته من إبداع ثيمات وأشكال متنوعة من الكتابة الإبداعية تميزت بها رواياته بشكل خاص، كما أعطته مجالا لنشر نتاجاته في الوطن العربي ومكنته من السفر إلى مختلف الأقطار واللقاء بقامات أدبية عربية وعالمية أغنت تجربته ،ووطدت الثقة بنفسه ونتاجه.
وقد كشف كتاب الصديق ( محمد جواد ) (شجون الحكايا – علاقتي بإسماعيل فهد إسماعيل – الناشر صوفيا – الكويت 2019)ا كيف كانت هجرة الروائي الكبير إلى الكويت، خلاصا له من الأجواء الكابوسية والعنف والقتل الذي كرسته الحياة السياسية في العراق، وخلاصه أيضا من الفاقة التي خيمت على حياته وحياة عائلته الكبيرة في البصرة، كما أن هذه الهجرة قد اكسبته الشهرة والمكانة اللائقة التي حظي بها استحقاقا له ولدوره في الحياة الأدبية والثقافية في الكويت .
شجون الحكايات وبلاغتها
ويأتي هذا الكتاب ،سجلا حافلا لحياة إنسانية خصبة ومثمرة في المجالين الأدبي والإنساني عاشها الصديق أبو مازن مع هذه القامة الكبيرة فترة طويلة من الزمن ،عبر علاقة حميمية وصفها الروائي الراحل في أكثر من لقاء :( من عرفك محمد جواد وان لم يعرفك فأنت أبو مازن ،هو آخي وصديقي ورفيق دربي وولي أمري ص344.والكتاب محاولة جادة وتفصيلية للحياة اليومية والنشاط الإبداعي الذي أنتجه الروائي، ودوره في الحياة الثقافية والفنية في الكويت والخليج العربي .
يضم الكتاب سيرة مكثفة لحياة الراحل الكبير في الكويت،منذ بداية الثمانينيات حتى رحيله الفاجع: حياته المهنية في التعليم ، نشاطه في تأسيس شركة الضفاف، التي اتسمت بعلاقاته الإنسانية مع العاملين فيها،إسهامه في المقاومة الكويتية في فترة التسعينيات، والاهم من كل ذلك تأثيره الكبير على الحركة الأدبية والفنية والمسرحية في الكويت عبر ( ملتقى الثلاثاء) الذي أسسه الراحل عام 1996 في الكويت ، امتدادا للتجمع الثقافي الذي كان يعقده مع مجموعة كبيرة من الكتاب الكويتيين والعرب في شقته الصغيرة في منطقة شرق، وامتدادا لنشاطه المتميز في البصرة منتصف ستينيات القرن العشرين مع مجموعة متميزة من أدباء البصرة الذين برزت أسماؤهم في السبعينيات من القرن العشرين: عبد الكريم كاصد، مصطفى عبد الله،محمد طالب محمد، عبد الجليل المياح ، جاسم العايف،يوسف السالم ، جميل الشبيبي وغيرهم
وقد تمكن الروائي ان يكون قطبا في هذه التجمعات بسبب مرونته وثقافته الواسعة، وقدرته على الاستماع للرأي الآخر دون ضجيج أو تعصب إيديولوجي،أو مذهبي من أي نوع.
يقول الأستاذ محمد جواد عبد الجاسم في شهادته عن ملتقى الثلاثاء الذي استمر فترة طويلة من الزمن (وفي هذا الملتقى كانت هناك قامات وأسماء لها دورها الكبير بالحراك الثقافي على الساحة العربية وكذلك العالمية من خلال اللاجئين من الكتاب العرب وخصوصا العراقيين منهم ص141) ويذكر الكاتب أن عددا كبيرا من المثقفين والأدباء العرب قد حضر هذا الملتقى منهم : الأستاذ محمود أمين العالم،الروائي الطاهر وطار،الروائي جمال الغيطاني،واسيني الأعرج،الفنان التشكيلي جبر علوان ،المفكر علي حرب،الفنان كوكب حمزة،الروائي يوسف القعيد ، الكاتب زكريا تامر وغيرهم من القامات والأسماء اللامعة في سماء الثقافة العربية والعالمية.
شهادات وكتابات عن الروائي
لم يتوقف مؤلف الكتاب عند حدود ذكرياته وحياته المشتركة مع الروائي إسماعيل فهد التي امتدت لفترة طويلة مع ما فيها من ذكريات وأيام مفعمة بالصدق في حياة الراحل ،بل انه نشر شهادات وأقوال وكتابات المبدعين الذين تعرفوا على تجارب الراحل وحياته ليستكمل هذه السيرة المهمة ، وليسلط ضوءا كاشفا على علاقاته العميقة مع الوسط الثقافي والفني والأدبي.
ويذكر في كتابه بعض الفنانين الذين اعجبوا بكتاباته وتمنوا ان يجسدوا شخوص رواياته منهم الفنانة القديرة فاتن حمامة التي أعجبت بروايته ( كانت السماء زرقاء) ، والفنان نور الشريف الذي أعجب برواية المستنقعات الضوئية ( وتمنى طرحها كفيلم سينمائي ص208) إلا أن ( عقبة الرقابة ظهرت مرة أخرى كي تمنع العمل ).
ومن الشهادات المهمة ما سجله الروائي العراقي فؤاد التكرلي واعتزازه بالروائي إسماعيل :( روائيا يعرف طريقه وصديقا محبا بصمت ص271) أما الفنان عوني كرومي فقد كتب عن روايته ( يحدث امس) التي كتبت عن فترة حرجة من تاريخ العراق السياسي بان ( ما يحدث بالأمس يحدث اليوم ولكن بقسوة اكبر وبصورة هزلية أكثر وألم لا يطاق وعذاب (...)لقد كتب علينا أن نعيش المحاكمة كل يوم وبسبب ودون سبب ص273)
وفي الشهادات التي كتبها أصدقاؤه بعد رحيله الفاجع، نقرا العلاقة الحميمة التي جمعت بينه وبينهم، فالشاعر عبد الكريم كاصد الذي عرف إسماعيل منتصف ستينيات القرن العشرين ، وقبل أن يشتهر ويصير علما في عالم الكتابة الروائية يكتب بدم القلب عنه قائلا (بأي شيء أبدا وبأي شيء انتهي؟بلقاءاتنا في بيته؟في بيتي؟بالحواري المظلمة والمكشوفة للشمس ؟بمقهى هاتف الذي استحال مكانا شبيها بالإسطبل بعدما شهد حواراتنا,، وحماسنا وعذاباتنا وقصصنا اليومية العابرة والمقيمة ؟بنبله الأصيل النادر ...ص329 ثم يختم شهادته (سلاما لك أيها الروح النادرة أبدا ...كم أنا يتيم بعدك).
ويكتب القاص محمد خضير عن عالم إسماعيل الروائي متتبعا سؤال( إسماعيل الأول: من أكون ، ومن يكون الآخرون؟، فيما تنزلق بين يديه الأيام والسنون، الحدود والأماكن ، الوجوه والظلال التي يتركها الأصدقاء الثابتون والأشخاص العابرون في حياته ص319) ثم يخلص ( وإزاء هذا الغياب الإشكالي ، يصعب علينا وضع تسلسل تصاعدي للأعمال السردية التي أنتجها إسماعيل فهد إسماعيل خلال مراحل حياته الإبداعية، ص 319)ويواصل كتابته : ( كان سرده الموضوعي الملتزم بقضايا الأمة والمصير ، ينطوي على صوت اعترافي منشطر بين الذات والآخر، النفس والتاريخ.ص320
أما الشاعر البحريني (قاسم حداد) الذي أشركه الروائي الراحل في روايته الحوارية (عندما راسك في طريق واسمك في طريق آخر) فقد وصف الراحل حين تعرف عليه أول مرة بداية سبعينيات القرن العشرين قائلا: ( لمست خلاصة مناضل يحتفظ بنكهة شيوعيي العراق المبكرين ، أولئك الذين يختفون مع الوقت وضمور العمل الشيوعي بلا حسابات للسياسة ص316)
ويرى الروائي البحريني أمين صالح في نهاية شهادته عن إسماعيل (يتحدث إسماعيل كثيرا لكنه لا يثرثر،لا يهذر،لا يقول من اجل القول .. لصوته رنين حلو .. ومعه يحلو الضحك ص315)
رحل الروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل في الخامس والعشرين من أيلول عام 2018 وبرحيله الفاجع لأصدقائه ومحبيه وقرائه ترك فراغا إبداعيا وإنسانيا لا يمكن تعويضه،بعد أن خلف تراثا إبداعيا كبيرا في مجال الرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات الأدبية المتنوعة، بلغت 43 عملا .
سيبقى الروائي إسماعيل فهد إسماعيل حقلا جاذبا للدراسات الأدبية والثقافية وموضوعا حيويا للقراءات والتجارب النقدية والفكرية الطموحة سواء عبر كتاباته الإبداعية أو حياته الثرة العميقة التي قضاها كاتبا ومفكرا وداعيا لتجاوز كل أشكال التعسف والعنف والتعصب ، ويبقى كتاب صديقنا الوفي محمد جواد عبد الجاسم ( شجون الحكايا ) مصدرا مهما في التعريف برحلة وإبداع الروائي الراحل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال