الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث/ 1

دلور ميقري

2020 / 5 / 6
الادب والفن


أشعة شمس الغروب، كأنها شاءت أن تترك أثرها الذهبيّ على شعر ريما، الذي باللون نفسه. بأعوامها السبعة، لم تكن تدرك سبب حيرة أبويها وهما يضربان هنا وهناك على غير هدى ثم يؤوبان إلى العربة ينفخون من القنوط والعجز. استمر هذا المشهد لنحو ساعة، إلى أن ظهرَ من بعيد شخصٌ يتنكب بندقية ومنتعل بقدميه حذاءً طويل العنق مما يلبسه الفرسان. نظرَ أولاً إلى العربة وما فيها من الأطفال المتعبين، قبل أن يتوجه نحو عليكي. لحُسن الحظ، تبيّن أنه الخفير فعلاً. أنصتَ هذا لكلام الرجل الغريب، وما عتمَ أن همهم: " إذاً أنتَ قادم من الشام الشريف كي تستقر في بلدة أجدادك؟ هه، إنها ستكون طرفة الليلة في مضافة العمدة! "
" أرجوك فقط أن تدلنا على منازل أقاربنا، لأننا نسافر منذ أيام وجدّ منهكون "، قال له عليكي بنبرة يمتزج فيها الحنق بالخجل. رفع الآخرُ يداه علامة على العجز، قائلاً: " منازل عشيرة دُملّان تقع في حارة واحدة، هناك على الجهة اليمنى من البلدة. لكن الجميع خرجوا في المسيرة، وأشك أن تجد في البيوت حتى الشيوخ والأطفال "
" تقصد أنهم في العرس؟ "
" أي عرس، ياو؟ إن البلدة تحتفل بخبر هزيمة الكفار الأرمن في الأناضول على أيدي أخوتنا! "، قالها الخفيرُ بخفة وفخر في آنٍ معاً. رمق عليكي امرأته بنظرة معبّرة، وكانت هيَ واقفة تصغي لحديثه مع الرجل. ثم عاد ينظر إلى هذا الأخير، متسائلاً: " إذاً لو تقودنا إلى الخان، من فضلك، نبيت فيه وفي الغد نبحث عن أقاربنا؟ "
" أيّ خان، هه! هل خُدعت ببناء البلدية والعمدة، فظننتَ أنك في مدينة مثل الشام؟ "، رد الرجلُ بنفس النبرة السابقة. بقيَ عليكي يتأمله وهلة، وكأنما يشبهه بشخص عرفه. خاطبه عندئذٍ ببطء وإغراء: " إذاً آملُ بلطفك، أن تسمح لنا بالمبيت في هذا المبنى، وستكون لك إكرامية مجزية "
" هذه مخاطرة لا أجرؤ عليها، لكن بالطبع لن أدعكم تقضون الليلة في العراء "، رفع الخفير صوته كي تسمعه المرأة أيضاً. شكره عليكي، فيما يتطلع بدَوره إلى ليلو. مع أنه لم يكن الوقت المناسب، فكّر عليكي أن يسأل الرجل ما لو كان يعرف شخصاً اسمه " حمّوكي ": بلى، لقد قارن في ذهنه بين الشخصيتين، وذلك أثناء تورطه في المحادثة المخجلة، الأشبه بالتسول. لكنه لم يستغرب تماماً أن يكون للخفير هكذا مسلك، بسبب طبيعة عمله، بل أدهشه حقاً عرضه الكريم.
منزل الخفير، كان قريباً من مبنى البلدية وكان واسعاً كأغلب دور الريفيين. ما أن صار الرجل عند باب الدار، إلا وهبّ عددٌ من الفتية يلبون نداءه. خاطبهم بالقول، مظهراً الحمية والعجلة: " ساعدوا ضيوفنا في جلب أغراضهم من العربة، هيا تحركوا ". ثم ما لبثَ أن دمدم من بين أسنانه، وهوَ يرى الصناديق تنقل من العربة: " كأنهم آتون من الحج! ولكن، كيفَ يتركون الشام الشريف لو لم يكن وراء ذلك قصة؛ جريمة أو ثأر؟ ".

***
أخليت للضيوف غرفة كبيرة، محاذية لبستانٍ غارق في العتمة في هذا الوقت من المساء. فيما العربة جُردت من الخيل، الذي تم سوقه إلى الإسطبل. كان الجميع بغاية التعب، لدرجة أن الأطفال رقدوا دون انتظار العشاء. لكن الأب كان مرتاحاً نوعاً لمآل يومهم الأول في بلدة الأسلاف، فيما انصرفت الأم إلى تهيئة منامتهما. بعد قليل، انطبعت صورُ القمر والنجوم على نافذة الغرفة. كان المضيف قد زودهم بقنديل كاز، تم وضعه في كوة بالجدار وإشعاله. الظلال كانت تتماوج على وجه ليلو الجميل، وكان رجلها يتأمله عن قرب. خاطبها بصوت هامس، متسائلاً: " هل نمتِ؟ ". فتحت عينيها، لتقول بلهجة متعبة: " لا، لكنني أفكّر "
" بمَ تفكّرين؟ "
" في علامات النحس، المقدر لنا معاينتها مذ اليوم الأول لوصولنا "
" لنأمل خيراً، مع ذلك. القرويون فضوليون، فلن يتأخر الخفير عن إخبار الحاضرين في المضافة عن وصولنا؛ وقد يكون بينهم أقارب لنا "
" هذا إن لم يحصل اليوم، ففي الغد. لكنني عنيتُ، فرحة أهل البلدة بالمجزرة في حق المساكين النصارى. هذه قسوة، جعلتني أدير في رأسي كلامَ ذلك العجوز بأن الدم سيسيل لو طلبتَ حقك في أملاك أسرتك وأراضيهم "
" سنكون حذرين بالطبع، وعليّ طمأنتهم بأنني أبتغي فتحَ محل تجاريّ بالمال المتبقي من شراكتي مع أخي "
" أي محل تجاريّ في بلدة صغيرة كهذه؟ "
" في الوسع شراء محل في ديريك، وهيَ قريبة "، رد عليكي. ثم أردفَ وقد بدأ يهوّم: " على أي حال، هذا الكلام سابق لأوانه، والأفضل انتظار ما يأتي به الصباح ".
عقّبت ليلو بالقول، وكأنها تذكرت أمراً ملحاً: " الأفضل أن تذهب إلى الخفير، لتخبره ألا حاجة بنا لطعام العشاء ". ما أن أنهت جملتها، إلا والرجل نفسه يرتفع صوته من خلف الباب ـ كما لو كان يرد عليها: " الحريم يطلبن امرأتكم والأولاد، كي يشاركونهن العشاء. وسأتعشى معك أنا وأولادي الكبار ".

* مستهل الفصل الثالث/ الكتاب الخامس، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل