الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حروب الطوائف

جهاد الرنتيسي

2006 / 6 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لاسباب عديدة يصعب عزل صورة الحرب الاهلية في الخيال السياسي العربي عما مر به لبنان في مراحل مختلفة من تاريخه المعاصر .
فالسنوات الطويلة التي استغرقتها معارك الفرقاء ، وظروف ديمومتها المستمدة من الفرز الطائفي والمذهبي ، والتدخلات الدولية والاقليمية حولت الحالة اللبنانية الى اداة قياس لمثل هذا النوع من الحروب .
ولتكريس النموذج في الذهنية العربية سلبيات ابرزها مقارنته بالحروب الداخلية اللاحقة.
وغالبا ما تنتهي هذه المقارنات الى التقليل من خطورة ما يحدث قياسا بما حدث .
فقد كان مطلوبا من حالة فقدان السلم الاهلي التي مرت بها الجزائر ـ حين استباح المتطرفون الاسلاميون مالا يستباح ـ ان تمتد اكثر من 15 عاما لكي تكتسب طابع الحرب الاهلية .
ورغم الجذر الطائفي للعنف المنظم الذي يحصد عشرات العراقيين يوميا والنتائج المتوقعة من استمراره يتردد السياسيون في اطلاق مصطلح الحرب الاهلية على ما يحدث في العراق .
وتجد الحروب التي يخوضها السودانيون تسميات اخرى غير الحرب الاهلية رغم طابعها العرقي والمذهبي وما يتخللها من اصطفافات واتفاقيات هدنة وتسويات سياسية .
وبشكل او بآخر ينسحب ذلك على ما يحدث في الاراضي الفلسطينية حيث ينزلق خلاف السياسات والبرامج الى دوامة عنف تهدد المنجزات التي حققها الشعب الفلسطيني على مدى العقود الماضية .
فالخلاف الداخلي الفلسطيني ـ حسب وجهة نظر المتريثين في استخدام المصطلح الخاضع لاداة القياس الجاهزة ـ بلا جذور عرقية او طائفية او مذهبية .
والفرز المناطقي المفترض حدوثه لاستخدام وصف الحرب الاهلية غير متوفر في الحالة الفلسطينية حيث يمتد الفرز الفصائلي الى داخل البيت الواحد والاسرة الواحدة .
ومحور التنافس بين فتح وحماس سلطة غير فعلية مما يعطي لاراقة الدماء من اجل الاستيلاء عليها بعدا عبثيا .
وتلتقي القوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية في ادبياتها عند مواجهة عدو مشترك لم يتوقف عن استهداف اي منها .
ولا شك في ان هذه المبررات كافية لاستبعاد النموذج اللبناني الذي يجري اسقاطه بين الحين والاخر على الحالة الفلسطينية وحالات اخرى في المنطقة .
الا ان ذلك لا يعني باي حال من الاحوال استبعاد حرب اهلية فلسطينية تاخذ شكلا مختلفا عن الحرب الاهلية اللبنانية .
فلا يخلو الامر من ارث اقتتال داخلي فلسطيني لم يبتعد كثيرا عن مواصفات الحرب الاهلية .
ولا بد من الالتفات الي هذا الارث ومكوناته وظروف تكونه من اجل الوصول الى تقديرات قريبة من الواقع والابتعاد عن التهويمات التي تقلل من احتمالات الوصول الى قراءات صحيحة .
ففي السبعينات حيث لم تكن هناك سلطة وطنية دخلت الحالة الفلسطينية دائرة استقطابات تمخضت عنها دوامة عنف اسفرت عن سقوط قتلى وجرحى .
واستندت جبهة الرفض التي حاولت اعاقة ما عرف ببرنامج النقاط العشر على مخزون هائل من شعارات تشبه الى حد كبير النوايا الحسنة التي تقود الى الجحيم .
وبعد عشرة اعوام دخلت الساحة الفلسطينية دوامة اخرى بشعارات اقل وحلم اكثر تواضعا .
وفي كلتا الحالتين تولت اطراف اقليمية اشعال الفتيل الذي ادى لانفجارات مدوية استباحت حرمات الدم الفلسطيني وتلاشت معها الخطوط الحمراء التي وضعها العقلاء لحماية الحد الادنى من الوحدة الوطنية .
ففي رعايتها لجبهة الرفض في السبعينات حاولت بغداد تصدير نموذج الانقلاب العسكري الى الساحة الفلسطينية ، وبعد مواجهات مسلحة اكتشف الانقلابيون فساد النموذج الذي يحتذونه ، واستحالة تطبيقة لعدم وجود سلطة يمكن الاستيلاء عليها .
و بتوفيرهما الدعم السياسي والمادي لانقلاب مماثل انتهى بانشقاق في حركة فتح كررت دمشق وطهران محاولة تصدير النموذج الانقلابي .
وترك فشل محاولتي تصدير النموذج الانقلابي الى الحركة الوطنية الفلسطينية التي تقوم قيادتها على التوافق حول البرنامج السياسي انطباعا بعقم الاستقواء بالاطراف الاقليمية المازومة لحل الخلافات الداخلية .
ولكن الامر لا يخلو من حالات تضخم سياسي يتبعثر معها ما راكمته التجربة .
فلم تلتفت قيادة حماس في الخارج وهي تطرق ابواب طهران وتطلق التصريحات من دمشق الى ما انتهى اليه الذين تحولوا لادوات يتم استخدامها في بعض المواسم والقائها جانبا في مواسم اخرى .
وكما هي العادة في الحروب الداخلية السابقة يلعب انسداد الافق السياسي ـ الى الحد الذي يملي البحث عن مخارج ـ دورا في الازمة الراهنة بين فتح وحماس .
فالانتصار العسكري على اسرائيل غير ممكن في ظل موازين القوى الدولية والاقليمية الراهنة وحالة الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني .
والحل السياسي الذي يوفر الحد الادنى للفلسطينيين لم يعد متوفرا بعد الشوط الذي قطعه الجدار العازل وحركة الاستيطان النشطة .
ووثيقة الاسرى التي تعارضها حماس ويصر عليها الرئيس محمود عباس محاولة لتوفير الشريك الذي يتيح غيابه لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت فرصة تسويق مشروعه في العواصم ذات القدرة على التاثير في حركة الاحداث .
والمحاولة تعني النجاح او الفشل ، وقشة خارطة الطريق لا تصلح لانقاذ الغرقى ، والمشروع الذي ينفذه اولمرت مازال الاكثر قدرة على اقناع الاطراف الغربية رغم ضآلة حماسها لدعمه مما يبقي حالة الاحتقان الراهنة مرشحة للبقاء على المدى المنظور .
وبتفريخها للطوائف السياسية تبقي هذه الحالة المناخ السياسي الفلسطيني مهيأ لانفجارات قد تاخذ شكل حرب اهلية من غير الضروري ان تكون مشابهة للحرب الاهلية اللبنانية .
وبذلك بات من الضروري الانتباه الى بقية نماذج الحرب الاهلية التي صارت جزء من الواقع العربي .
والمؤشرات المصاحبة للتطرف الديني الذي يجتاح المنطقة توحي باننا في مواجهة تنويعات لنماذج اكثر بؤسا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا