الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفتح الباب، إنتهى حظر الفايروس اللعين!

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2020 / 5 / 8
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


كلنا ينتظر صباح سماع هذا الخبر (إفتح الباب، إنتهى حظر الفايروس اللعين!)، عبر الفظائيات وعلى لسان وزراء الصحة ورئيس منظمة الصحة العالمية.. وبعض من البشرية، النخب الفكرية والثقافية، تنتظر ما سيتبع هذه الجائحة، التي ألمت بالبشرية كلها، على حين غرة، من تغييرات وإنقلابات، سياسية وايديولوجية وفكرية وثقافية، يتكهن البعض بها من قصورهم الصيفية أو من مكاتبهم المغلقة.
الحقيقة لن يتغير شيء ذي بال، وخاصة نحو الأحسن، وربما سيكون العالم أكثر سوءاً، مما كان عليه قبل جائحة (كوفيد- ١٩)!
لن يتغير العالم بعد جائحة كورونا، وخاصة نحو الأحسن، ليس لأن لا أحد أو جهة ما لا تريد هذا، بل، وببساطة شديدة، لأن الطبيعة البشرية لن تناقض نفسها، والإنسان أيٍ كان ومهما كان موقعه، لن يخرج من جلده!
كأن بعض الناس أو وسائل الإعلام، يحاولون خداع أنفسهم بأحلام طوباوية ويبشرون بتغييرات وجودية ومصيرية، وإنقلابات فكرية وثقافية، ستجعل العالم أكثر حدباً على نفسه وأكثر إنسانية ودماثة، وكأن ما أصابنا هو فايروس أخلاقي أو قيمي، يغير بنانا السلوكية، وليس فايروساً مرضياً، كباقي الفايروسات التي مرت على البشرية..
أيها البشر، (كوفيد- ١٩) مجرد فايروس مرضي وبائي، خلف بينكم إلى هذه اللحظة (٢٦٧) ألف حالة وفاة، وأكثر ٣ ملايين إصابة معدية، ولم يقل هو عن نفسه أو أي جهة طبية، إنه رحمة مهداة من أجل تغيير البشرية وجعلها أقل سوءاً.
غالبية البشر، وخاصة الخبراء والمفكرين وعلماء الإقتصاد والإجتماع، يتوقعون تحولات كبيرة وتغيرات دراماتيكة في حياة وسلوكيات البشر ويقولون أن عالم ما بعد جائحة فايروس كورونا سيكون مختلفاً عما قبله، على إعتبار أن هذه الجائحة تجربة شمولية هددت حياة البشرية كلها.. نعم ستتغير بعض الأشياء، وخاصة على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، ولكن لماذا نحو الأحسن؟ هل سيحدث هذا الفايروس إنقلاباً دراماتيكياً في طرق تفكير البشر وأساليب أخذهم للحياة ويحولهم من شياطين إستهلاكية إلى بشر أكثر إنسانية وأقل دموية... أو سيعيدهم إلى فطرتهم الأولى؟ وما هي فطرتهم (الإسطورية) الأولى النبيلة؟ أليست فطرتنا الإسطورية الأولى هي التي بدأت بفعل غواية وقتل الأخ لأخيه (قابيل وهابيل) أم غيرها؟
نعم لقد قطعنا شوطاً كبيراً منذ ذلك اليوم السحيق وصارت بين أيدينا مختلف العلوم المتقدمة، وفي مختلف المجالات، بل وغزونا الفضاء ونفكر في إستعمار بعض كواكبه، أي صرنا نطمع ببعض مميزات الإلوهية، ولكن هل ساعدنا هذا أن نكون أقل سوءاً: أقل حروباً، أقل دموية وأكثر طيبة ورحمة فيما بيننا؟
نحن في الشهر السادس من محنة هذا الوباء، ورغم ذلك فثمة خمسة حروب كبيرة، في سوريا وفلسطين والعراق واليمن ولبنان، والكثير من المناوشات غير المعلنة بين دول أخرى، وتغذيها وتمدها بوسائل القتل والتدمير، الكثير من دول العالم، من أصحاب المصالح في إستمرارها ونتائجها، فلم سيتغير هذا نحو الأحسن بمجرد إنتهاء جائحة كورونا؟
نعم ستحدث تغييرات، وخاصة على المستوى الوقائي، وإلى حد أن سيعامل كل إنسان منا كمستودع للجراثيم والفايروسات القاتلة، وهذا ما سيظهر أثره على حواجز التفتيش والفحص، وقبل إنطلاق أول رحلة طيران عقب فتح المجالات الجوية للتنقل بين الدول، ولكن هذا لا يعني أن سلطات المطارات ستستقبل الوافدين بالأحضان والتقبيل والتهنئة على سلامة النجاة من غائلة كورونا، بل ستسقبلهم بحذر صحي خانق، وربما بفحوص وتحليلات مخبرية، للتأكد من سلامة الداخلين لأراضيها، وربما بحقنهم بمصل اللقاح المضاد للفايروس، إن كان قد توفر أو خرج من تحت مساومات الشركات المصنعة له... أترون؟ الشركات المصنعة للأدوية واللقاحات مازالت تستغل وتحتكر، وبعض الدول، وأولها أمريكا، مازالت تفكر بطريقة أنانية وإحتكارية، وبدليل إمتناعها عن المشاركة في عمل دولي جماعي حول بحوث وإنتاج مصل اللقاح!
الفضيلة الوحيدة لفايروس كورونا هي توحيده للرعب البشري، فكلنا مرعوبون اليوم، ولكن لا دليل في الأفق على أن هذا الرعب سيجعل الإنسان أقل خسة مما هو عليه الآن، وأيضاً، وكما يلاحظ الجميع عبر وسائل الإعلام، فإن هذه الجائحة لن تحول صناع القرار من سياسيي العالم إلى ملائكة! ولعله من المفيد أن نتذكر في هذه اللحظة بالذات، قول رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، مارجريت تاتشر (لا وجود لشيء إسمه المجتمع)، فماذا يعني هذا؟ هل يعني أن الدولة، أي دولة، لا ترى إلا عبر هيكليتها السياسية ومركز صناعة القرار فيها والمجتمع ليس سوى تابع لها ولا وجود له إلا عبرها؟
مثل هذا الفهم (التاتشري) السلطوي، لا يفسر رؤيته أو يعبر عنه سوى مقولة للرئيس الأمريكي السابق، رونالد ريغان، إذ قال في لحظة من لحظات تجليه، على ما يبدو (الحكومة ليست لحل المشاكل، الحكومة هي المشكلة)... وفي عالم ما بعد جائحة كورونا، ستبقى حكومات الأرض، على ذات ضيق الرؤية وتبقى هي المشكلة، وأيضا ستستمر على عدم رؤية وجود مجتمعاتها إلا عبر مصالحها وأهدافها الإنتخابية.
إذاً أي تغيير نتوقع أو ننتظر؟
الحقيقة التغيير الذي تنتظره البشرية جمعاء هو تغيير الرؤية، بعمقها الفلسفي الوجودي بالدرجة الأولى.. تغيير إعادة بناء المفاهيم وتأسيس النظريات والرؤى للكون والوجود وللإنسان، كمحور لهما، أي تغيير الفلسفات التفسيرية أو بناء فلسفات جديدة تنبذ الايديولوجيات السياسية المتعصبة، وتحل محلها رؤى وقيم التسامح والتعاضد البشري لسكان الأرض جمعاء، والذين باتوا فعلاً يعيشون في قرية صغيرة، بفضل وسائل المواصلات وتكنلوجيا التواصل والإعلام الحديثة.
نعم ثمة تذمر وتداعي لهيكل النيوليبرالية وعولمتها التي جهدت، طوال العقود الأربعة الأخيرة، في صناعة الحواجز والمقدسات السياسية بين شعوب الأرض، الأمر الذي حاصر المجال الحيوي البشري، إلا ان هذا التذمر، وما صاحبه من تداعي لأسيجة الليبرالية الجديدة الخارجية، لا يحمل لنا كبير أمل في تغيير عضوي كبير وبمساحة إزاحية تعيد لنا الثقة بعملية تغير كبيرة تجعلنا أكثر إنسانية وتكاتفاً ضد الكوارث والجوائح التي قد تخبئها لنا الأيام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م