الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (8)

احمد جمعة
روائي

(A.juma)

2020 / 5 / 9
الادب والفن


" حين تشرق شمس قلبي في صحراء امرأة، أعلم بأن ظلالها ستكون حارقة" هذا ما دار في خلده في كل مرة يتوجه لها، أما هي فقد رأت في عينيه وهو يطلق عبارته وميض غضب مكتوم منذ أمد خَشيت تجاهله فتصعقها ناره الملتهبة تحت جلده المرتعش بالوله الوحشي، كانت تأمل في سكب ذرات الثلج بعد تهشيم القوالب العملاقة والذي يجلبه معه من معمل والده "المرجاني" برغم برودة الطقس لكنه اعْتاد أن يرشيها به أوقات الحرارة المجنونة خلال سعير القيظ، لشدة ما أشاع السرور في نفوس ساكني الدار وهم يرتشفون المياه الباردة.
"لا تعشق امرأة لا تحب الرجال ولا يأتيها الحيض، أُشْفق عَلَيك تقي من ولهك الفائض لي، لعلي لا أستحقه تقي أفندي.
لم يدرك وقتها ثنايا كلماتها المتطايرة كالرذاذ في الجو، كانت تستجدي فهمه أن يدرك تشعب أسرار جسدها الذي أفقده عقله حين تنزع عنه الملابس فينطلق حوله كطائر تحرر من قفصه، اعْتاد وقت الغضب أن يركلها ويقذفها بشتى النعوت ولكن سرعان ما ينخرط في البكاء راكعاً عند قدميها مُغْدقاً عليها كل ما يوفره من المال وما يسرقه من منزله يقدمه هدايا، كان يجثو عندها بالساعات يستلطفها أن تكون له وحده، أغْوتهُ في البداية بإفْراطها في تدليله ومحاكاتها لشهوته مصدر أنينه، تستنهض همته للإسراع بالقذف، كانت تختلق تأوهات دامية تكاد تمزق شعراته في الصدر، توسعت في لعب هذا الدور حتى ذاب فيها، لم يدرك سرها لأنها برعت في الأنين والزفير والتلوي عند المضاجعة، وحين تعلق بها وأصبح مهووساً بمطاردتها فهمت أنها قادته للجنون وهي في الجسد الخاطئ ولا تستطيع أن توهمه أكثر بالقدر الذي يطلبه منها.
" أُفَضل أن أكون وردة في الحديقة تبوح بعطرها للمارة على شوكة في صدر من أحب.
" أقبل بالشوكة تسعدني.
لم يشعر بالإثم معها حتى وهي تنتهي من أحدهم إلى حضنه، ظلت ترفضه وتعده بوقت آخر تأتيه تكون نظيفة ومستعدة له وحده لكنه يستسلم لإغرائها لحظتها، كانت الغيرة تُهَشم حواسه وهو يرى غيره يعتليها، حفظ كل أجزاء جسدها، بطنها الرقيق ذي الندبة البنية قرب السُرّة، خصرها النحيف تبرز عنه نتوءات لشدة نحافته، نهديها المشدودين تتوسطهما حلمتان سوداوان عريضتان، فخذين مكتنزين يثيران فيه الشهوة رغم آثار جروح قديمة تركت بصماتها عليهما، ثم هناك القدمان الصغيرتان الناعمتان الملمس على رغم تَعَثرُهُما الدائم في التراب حينما تمشي حافية في فناء الدار، والساقان الممتلئتان المحفوفتان أبداً من الشعر حرصاً منها على نظافتهما، حتى الابطين كانا يثيرانه حين يفرزان العرق في الأيام الساخنة التي تُسحق فيها الحرارة والرطوبة الأجسام، كان جسدها يلمع كالنصل وهو يمتطيه ويثير فيه الشهوة حتى بعد الامْتِطاء، لم يعد يحتمل رؤية هذا الجسد مرتهناً لغيره لكنه تقبل الأمر يوماً إثرَ الآخر لشعوره بأنه سيفقدها لو ضغط أكثر.
"ليكن ما يكن أنا رجلك الذي لا مفر منه.
"ستخسر لو علمت بالسر.
ظلت تأكل من صحن التوت أمامها دون هوادة غير عابئة بتودده لها، تلفهما حجيرة صغيرة خصتها ربة البيت له بالذات عندما يأتي وينفرد بجوري لساعات من غير أن يُدْرَج على جدولها اليومي مع الزبائن المترددين على المكان، كانت الغرفة مضيئة من خلال فتحة في النافذة الوحيدة المفتوحة على الطريق وكانت تُسْمَع الأصوات العابرة ولهذا ظلت تشير له بخفض بصوته كلما اقترب المارة في الخارج، مدت له يدها بحبات من التوت وقد لوثت أصابعها بلونه الأحمر القاني لكنه رفض أن يأخذها وهو يهز رأسه نفياً، وأخيراً زحفت نحوه وتسلقته ووضعت حبات التوت في فمه وانَخَرطت بعدها تلثم فمه ثم تشد لسانه بلسانها حتى ذاب معها وهو يعي أنها تسعده حتى لو دأبت على الهروب منه حين يلجأ إليها زاحفاً.
" لا تعشق امرأة ترى نفسها شيطاناً، فستأخذك مباشرة لجهنم.
قرصته في كتفه وارتدت قميصها الداخلي المزهر فيما راحت تمسح أسفل فخذيها بقطعة قماش صغيرة، وتنظر إليه بعين مكسورة تنشد التفهم فيما سرحت عيناه في قطعة القماش تتحرك في يديها كأنها في رقصة فراغية.
"قلتها بنفسك، لا تعشق.
شعر بأنه عاد يرتطم بالجدار بعد انْطفاء جذوة الحواس الدافقة، ألْقَت بالقطعة المبللة جانباً وفيما هي تسدل القميص على فخذيها طُرِق الباب وجاء صوت دلال مستفسراً قبل الدخول يحمل نبرة ودية ما ينبئ بأن الفتى أغدق عليها ما لين نبرتها وهذبها علماً بأنه كان من القلائل الذين يحوزون رضاها ودلالها، وغضبها عندما يتحرر وحشه الداخلي من قفصة وتفلت منه السلاسل، كان يغرس مخالبه في كل جزء من فضاء جسدها الذي سحره فيتحول عنده السحر لمسخ، تواطأت معه مرة وتواطأت معها مرات، هكذا كانت تنظر للصورة التي تجمعهما في زخرفة من المشاعر المضادة لبعضها بعضاً مع سراب العلاقة من غير حدود للهاوية المتجهة نحوها.
"أجهل ما يجري بينكما منذ متى مَحْبوسَين هنا؟
" منذ زُرعت نخلة البابايا خلف الدار، من غرسها يا ترى؟
تسمرت دلال في مكانها بمحاذاة باب الحجيرة الخانقة بلونها المشتت بين البني والأسود وتندر جدارها وتساقطه عن رذاذ من قشرة الطين، تَفرَست بالتناوب في وجهيهما ورسمت أكثر من علامة دهشة وهي تترقب حركة أو كلمة من أحدهما، وحين رن الصمت لبرهة قطعته دلال قائلة بنبرة آمرة كعادتها وهي تعطيهما ظهرها خارجة.
" اتركا الغرفة فهي ليست ملكاً لكما، تقي أخذت كفايتك.
نهضت جوري تُنْهي تعديل مظهرها، راحت بسرعة فائقة تنظف المكان وتلتقط بقايا الطعام وبقايا الأوراق الرمادية المصنوعة يدوياً من مخلفات أكياس الأسمنت تحمل نكهته الصناعية مع اخِتلاطها بالأطعمة والروائح الكريهة الأخرى، لكن تظل رائحة الأسمنت في الأكياس سارية
"ماذا سَتَفعَلين من الآن حتى غدٍ أو بعده؟
"سَأُطارح الفاشلين.
صَعَدت يده نحو عنقها تضغط عليه، سحبها وألصَقَها بالجدار، بدت كما لو فقدت أنفاسها وقد عجزت عن النطق، برزت عيناها ولون وجهها المائل للاصفرار ترتجيه تركها.
"يوماً ما سوف يجدونَكِ ميتة.
نزع يده عنها، وقف جامداً متردداً أخرج بضعة قطع نقدية معدنية رماها عليها بشدة فأصابتها على وجهها وانْحَرفَت بيدها تحمي عينها، ولاذ بالفرار، ليس خائفاً ولكن شعوره لو ظل قد يرتكب حادثاً جسيماً، كان يدرك أن عليه الخروج كما في المرات السابقة، عندما ينفجر الدم من شدقيها أو يمزق خصلة من شعرها، ويَنتَهي به الأمر للطرد أياماً من الدار، ليعود مستسلماً ومعه نقود مضاعفة يرشو بها القوادة، تركها هذه المرة وأفلت حين شعر بأنه على وشك أن يفرط في الغضب مع الغيرة فتفلت يداه عن حالة وحشية يلعن نفسه عندما يستيقظ.
"لا رَيب أنيِ السَبب، خرسي لِسانكِ يا عاهرة.
قالت ذلك وانْهارَت جالسة، ظهرها على الجدار، غرفة معتمة يتسلل منها الهواء البارد، وصمت يسلب بسطوته منها الرغبة في الخروج ومجامعة أي كان حتى لو كان قادماً من العالم الآخر، شرفتها الوحيدة في هذه الساعة تطل منها على مكان مقفر لا وجود فيه للبشر أمثالها، سالت الدموع ساخنة من عينيها متذكرة رقية العمياء، الزوج الغائب، تخونه في اليوم عشرات المرات لتطعم أمه وتُبْقي على الحياة مستمرة، كرهت جسدها وهي تصارع وقف الدموع من عينيها، كرهته لأنه سبب النار والبرد والحر والجوع والانصياع للبحارة القذرين بروائحم التي تشبه رائحة طلاء سُفُنهم، والأزواج الهاربين من زوجاتهم السمان والشباب المتهورين، رأت خيطاً رقيقاً من ضوء شاحب يتسلل من أسفل فتحة الباب، مسحت دموعها وأخذت قطعة القماش التي مسحت بها آثار السائل أسفلها، ثم زحفت تتحسس الأرض وتلتقط القطع المعدنية في العتمة، أصبحت الحجيرة الضيقة الرطبة كهفاً تتنفس رائحة جسدها الذي لم تغسله منذ الصباح وخَمَنَت لو اشْتم تلك الرائحة إن كانت نتنة أثناء جماعه لها، فضحت الرائحة جسمها الفاقد أي أمل بالاسترخاء، ظلت قابعة على الأرض، غير مُتمَكِنة من البوح بأي عبارة تهدّئ من اضطرابها وكآبة الأرض الجالسة تحتها، بقيت لبرهة معلقة في فضاء جسدها الذي تود اللحظة شَيه وحرقه في كومة من نار مسعورة حتى لا تظل رائحة رماده تشمها، وحيدة، فارغة، مهانة، شعورها بأنها بلا سقف فوق رأسها ولا أرض تحت قدميها، ممسكة بالنقود كأنها نعمة هبطت عليها من السماء، مهما شعرت من إذلال سوف تظل قابضة على هذه القطع لأنها ثروة منقوعة بالجحيم إذ عرفت منذ سنوات الطفولة بأنها محرومة من دخول الجنة حتى لو اغْتَسلَت بمياه أنهار الجنة ذاتها، جمعت شتاتها وفتحت الباب، صُدِمت بضوء الخارج، واجهت الوجوه من حولها كأن شيئاً لم يتغير في الكون، لمحت أحد الرجال خارجاً من إحدى الغرف ووجهه مفعم بالسعادة، ابتسم لها، ردت على ابتسامته محاولة رسم السعادة ذاتها على وجهها القابل للاشتعال، وصوتها الداخلي يردد.
"هل سبق لأحدٍ أن ذهب لهوة الجحيم؟ أنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تصف نوال الزغبي علاقتها بالصحافة ؟ ??


.. سألنا الناس في مصر: ما هو الفيلم أو المسلسل الذي لا تمل منه؟




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - وزير التعليم يستعرض غدًا نتيجة تق


.. الفنان أيمن عبد السلام ضيف صباح العربية




.. موسيقى ورقص داخل حرم المسجد في عقد قران ابنة مفيدة شيحة يثير