الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
- بشت آشان - بين الواقع والوهم
فهد محمود
2020 / 5 / 10مواضيع وابحاث سياسية
مـــرت بدايـة الشهر ايار مـن هذا العام الذكرى الســابعة والثلاثــون لمجزرة دمـوية غير قابلة للنسيان سميت بمجزرة " بشت آشان " عام 1983 ، منفذيها القيادة الفعلية للاتحـاد الوطني الكردستانــــــــــي ( ا و ك ) المعارضة انذاك ما بين النظام الدكتاتوري الفاشي والقوى الوطنية العراقية والكردستانية في مقارعة النظام الدموي الصدامي وضحيتها اكثر من 65 كادرا حزبيا وعسكريا واكاديميا فقط في صفوف الحزب الشيوعي العراقي باستثناء الضحايا من الاحزاب الاخرى المتحالفة في اطار الجبهة الوطنية الديمقراطية ( جود ) . اذا اسلمنا بان السياسة هي فن الممكن للوصول الى الغاية سواء الخاصة أو العامة ، لكنها تبقى ضمن لعبة المناورة وخداع الاخر بعيدا عن الصفة الاخلاقية الاجتماعية .
لست بصدد تقييم مجمل هذه المجزرة وما رافقتها من تداعيات وممهدات سبقت هذا التأريخ لان ذلك يتطلب كم من الوثائق المتعلقة بعلاقات القوى والاطراف المعارضة الوطنية فيما بينها من جهة وبين النظام الدكتاتوري الفاشي والدول الاقليمية من جهة ثانية وتاثيرات الحرب العراقية – الايرانية على واقع الفصائل المعارضة المسلحة العراقية وواقع تحول قسم منها وتبدل مواقفها اثناء تلك الفترة العصيبة من كفاح الانصاري المسلح للحزب الشيوعي العراقي وبقية القوى المعارضة الوطنية الكردستانية على وجه الخصوص .
ساتوقف عند الهجوم على مقر ( ا و ك ) في باليسان انطلاقا من المدرسة التابعة لقرية شيخ وسان يوم 28 نيسان 1983 الساعة الخامسة صباحا من قبل قوات ( جود ) المجتمعة في تلك المدرسة ( وهي مقر قيادة قاطع اربيل للحزب الشيوعي العراقي ) .
صيف عام 1982 تحولت من بشت آشان الى مقر قاطع اربيل في شيخ وسان باعتباري ضمن تنظيمات بغداد للعمل في الداخل باشراف الرفيق الفقيد مسؤول هذه التنظيمات سليم اسماعيل ( ابو يوسف ) حيث يتم تهيئة الرفاق والرفيقات من هذا المقر والانطلاق للداخل في بغداد ، ابلغت من الرفيق ابو يوسف بان اهيئ نفسي وتحضير المستلزمات الضرورية للنزول والعمل في بغداد بعد ان علم بوجود شقيقتي الساكنة في اربيل والانطلاق من هناك نحو الهدف ، فعلا اوصلت الخبر الى شقيقتي بعد زيارتها لي مع زوجها الى مقر قاطع اربيل وقبلها زيارة والدتي بعد ان توفرت الامكانيات لعوائل رفاقنا بالوصول الى مقراتنا بواسطة السيارات ما بين ناحية جوارقرنة وخليفان بعد ان تحولت المنطقة بالكامل الى مناطق محررة تحت سيطرة قوات البيشمركة وانسحاب جميع قطعات الجيش العراقي وحتى السيطرات الحكومية في مداخل خليفان وجوارقرنة استبدلت بحماية الجحوش " العناصر المتعاونة مع السلطة " وكانوا يغضون النظر في تلك نقاط التفتيش للسيارات المارة على ذلك الطريق ، اخبرت شقيقتي وزوجها بحاجتي الى هوية معينة للنزول الى اربيل ، اخبرت بان عمل تلك الهوية بحاجة الى صورة شخصية ولعدم توفر التقاط تلك الصورة في المقر علي اولا الوصول الى اربيل وتوفير مستلزمات الهوية. تم الاتفاق على موعد النزول الى اربيل بعد ان اخبرت الرفيق ابو يوسف بالتفاصيل وتوفير ملابس مدنية لذلك .
نهاية عام 1982 وفي شارع العام ما بين الخليفان وجوارقرنة تم استبدال ملابس البيشمركة بملابس مدنية بحضور شقيقتاي من اربيل وكذلك الرفيق ابو يوسف لتسليمه سلاحي الكلاشنيكوف وملابسي القديمة ومن ثم اوقفنا احدى السيارات العاملة على ذلك الخط ( سيارة بيكب استيشن ) والانطلاق الى جوارقرنة . وصلت اربيل بعد استبدال عدة سيارات الاجرة في الطريق للاحتياطات الامنية بعد ان صادفني في جوارقرنة بعض الوجوه المعروفة لي الساكنة في المناطق المحيطة بقرية باليسان .
لم اتمكن من ايجاد موطئ قدم في بغداد بعد ان اعتذر اشقائي من ايوائي لديهم بسبب المراقبة الشديدة على منازلهم وسيطرة الخوف والرعب على حياتهم نتيجة الزيارات المتكررة لاجهزة الامن وقوات الجيش الشعبي على مناطق سكناهم .
في شباط عام 1983 اشتدت حالات التفتيش وتمشيط الكثير من المناطق سواء في بغداد أو المدن والمحافظات الاخرى بحثا عن الهاربين من الجيش وجبهات القتال ، اضطررت التهيئة للعودة الى كردستان ثانية ، استغلت يوم 11 آذار مناسبة اعلان الحكم الذاتي من قبل السلطة ان استقلت سيارة اجرة والتوجه الى خليفان باعتباري اعمل معلما في احدى القرى في المنطقة ، اصطحب شقيقتي معي والاتفاق معها باننا لا نعرف بعضنا اثناء الطريق ، وفعلا وصلت نقطة قريبة من قرية باليسان وطلبت من سائق سيارة الاجرة بالتوقف والنزول هنا ، اجابني : استاذ هذه منطقة البيشمركة ! قلت له لايهمك ، توكل على الله وواصل طريقك .
الاجواء كانت ملبدة بالتوترات بين قوات البيشمركة من جهة خاصة بين قوات ( ا و ك ) وقوات حسك في سهل كويسنجق وسهل اربيل بحدوث كمائن واشتباكات وسقوط شهداء وجرحى واسرى وبين قوات انصار الحزب الشيوعي العراقي وقوات ( ا و ك ) في نفس المناطق اعلاه من جهة ثانية . كل المؤشرات تدل على سعي قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني الى تصعيد التوتر وخلق هذه التصادمات بينها وبين بقية الاطراف الكردستانية الاخرى لغايات واهداف تم رفع الغطاء عنها بعد احداث بشت آشان والعودة الى احضان النظام الدكتاتوري الفاشي ، كانت الاحزاب المعارضة لنظام صدام يستغلون وجود الحزب الشيوعي العراقي في الساحة كرأس حربة في زمن الحرب والسلم لمعرفتهم المطلقة بان مساعي الشيوعيين كانت ومازالت في لملمة صفوف المعارضة بمختلف توجهاتهم وتوحيد الجهود لمقارعة الدكتاتورية الفاشية وحل الخلافات بين الاطراف المتصارعة بالطرق السلمية وليس افتعال المعارك عبراقتتال الاخوة لان المستفيد الوحيد في هذه العملية ليس سواء الدكتاتورية الفاشية وسعي الجاد للحزب الشيوعي العراقي في انهاء الحرب العراقية – الايرانية لاسقاط الدكتاتورية واحلال البديل الوطني الديمقراطي ، لذا ضرب الحزب الشيوعي وافتعال المعارك معه يعني تأزيم الاوضاع العسكرية والامنية في صفوف المعارضة الوطنية وهذا ما سعى له قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني خاصة بعد عودة الشهيد عبد الرحمن قاسملو سكرتير العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني ( حدكا ) من الخارج عن طريق بغداد وتحميله رسالة المفاوضات بين النظام الدكتاتوري والاحزاب المعارضة الوطنية ، رفض الحزب الشيوعي العراقي محتوى تلك الرسالة وفكرة المفاوضات مع السلطة التي تخطط لمناورة لاضعاف وتفتيت المعارضة العراقية المسلحة في الوقت كان جلال الطالباني وقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني الى جانب هذه المفاوضات جملة وتفصيلا ، لذا المعارك المفتعلة سواء في سهل كويسنجق واربيل وقاطع السليمانية مع رفاقنا واحزاب حسك وباسوك وعدم افساح المجال لقوات ( حدك ) التواجد في تلك المناطق كلها مؤشرات في هذا الاتجاه وكذلك مساعي النظام لتصفية ( جود ) عبر الاتحاد الوطني الكردستاني .
في بداية شباط 1983 عقد اجتماع مشترك بين الحزب الشيوعي العراقي والاتحاد الوطني الكردستاني في مقر الاخير في " نوزانك " والاتفاق على صيغة لاتفاقية استراتيجية بين الطرفين وانهاء الاقتتال في كافة مناطق تواجد قوات الطرفين ، وقعت الاتفاقية من قبل الرفيق كريم احمد الداوود ( ابو سليم ) ممثل عن حشع وجلال الطالباني ممثل عن ( ا و ك ) ، سعى الحزب الشيوعي العراقي لعقد اجتماع بين ( ا و ك ) وبقية الاطراف الاخرى المتحالفة في ( جود ) لانهاء اقتتال الاخوة .
الاتفاقية لم تصمد طويلا حيث تجددت المعارك في سهل كويه واربيل بين ( ا و ك ) وقوات حزبنا وكذلك ضد حسك لاكثر من مرة مما حدا بـ جود باصدار بيان للجماهير اعلنه في اذاعة حدك لعدة ايام يندد بهذه الخروقات والمعارك ، عبر ( اوك ) عن اسفهم لصدور هذا البيان واعتبروه خرقا ونقضا للاتفاق الموقع بين اوك وحشع من خلال برقية موجهة من م س اوك الى م س حشع في 18 / 2 / 1983 .
وجهت قيادة قاطع اربيل حشع رسالة الى قيادة قاطع الرابع اربيل للاتحاد الوطني الكردستاني وهذه نصها * ( مذكراتي / احمد باني خيلاني ص 367 ) :
تحية ثورية
استلمنا رسالتكم المؤرخة في 23 / 4 / 1983 والتي تؤكدون فيها ان موقفكم من حزبنا الشيوعي كان وديا وانكم لا تريدون مقاتلتنا في حين اننا نحن الشيوعيين لم نتجاوب مع نواياكم هذه .
منذ مدة نتابع نحن الشيوعيون سلوك ونهج اتحادكم في خلق الاستفزازات والاعتداءات هنا وهناك ضد رفاقنا وانصارنا وضد القوى الوطنية المعارضة للحكم الفاشي مثلا :
1. فقد تم تجريد اثنين من انصارنا في شوان من السلاح ولم تعيدوا لهم اسلحتهم الا بعد مرور اكثر من شهرين .
2. جردتم اثنين اخرين من انصارنا من السلاح في شرق كويه ولم تعيدوا الينا اسلحتهم رغم مطالبتنا بها .
3. حاولتم تجريد اربعة من انصارنا من السلاح في غرب كويه في قرية سماقولي الا ان الموقف الصلب منهم حال دون تحقيق ذلك .
4. نصبتم كمينا لرفاقنا الذين كانوا في طريق عودتهم من عملية عسكرية ضد السلطة وضربتموهم بمختلف الاسلحة رغم معرفتكم بانهم من انصارنا واستشهد عدد منهم وجرح بعض الاخر .
5. هاجمتم قرية ( نيركين ) واسرتم عددا من كوادر حزبنا الذين رفضوا اطلاق النار ضدكم وكنتم تتجولون بهم في قرى سهل كويه لاهانتهم واهانة حزبنا الشيوعي ، ثم حدث معارك آخرى استشهد عدد منا ومنكم وعلى اثر لقاء قرية ( كاني برد ) في 19 / 2 / 1983 تم الاتفاق على تكوين لجنة تحقيق مشتركة منا ومنكم ومن حسك وبمستوى تمكنه من حل المشكلة في سهل كويه الا ان رفيقكم ( علي بجكول ) الذي جاء هو وقوته من قاطع آخر تدخل في الاتفاقية وحاول فرض سياسة الاتحاد على وفدي حزبينا ، تهرب وفدكم من تحديد المسؤولية من اثارة احداث كويه ولم تعيدوا الاسلحة والمواد المصادرة حتى الان وبمختلف الحجج والاعذار ، وعلى اثر حادثة " كوسرت " المؤسفة قاطعتم اعمال لجنة التحقيق التي كانت قد اصبحت بمستوى قيادة القواطع مما ترك لدينا انطباعا سيئا عن مقاطعتكم هذه ، حاولنا اظهار موقفنا الودي وارسلنا عددا من انصارنا الى الشارع عبر باليسان الا ان انصاركم اشبعوهم سبا وشتما وجردوهم من اسلحتهم واهانوا كرامتهم . ولو انكم عدتم اليهم اسلحتهم باستثناء صف رصاصي مع عتاد كلاشنيكوف .
6. في ليلة 17 – 18 / 4 / 1983 قامت مفرزتكم في كويه بضرب مواقع رفاقنا في قرية ( قوبتبه ) بقذائف R B G .
7. في وادي باليسان رفعتم درجة التوتر بنصبكم كمينا على الشارع العام وضرب سيارة كانت تقل رفاقنا ورفاق حسك فاستشهد اثنان من انصار حسك وجرح اثنان اخران احداهما من انصارنا . ثم فرضتم السيطرة على الشارع وكنتم تهددون الناس الذين تعتقدون ان لهم صلة بنا مما حدى بنا الى منع رفاقنا من المرور على الشارع العام لئلا تخلق لكم المبررات للاعتداء عليهم حتى اصبحت قاعدتنا في شبه حصار ، فلا الرفاق ولا السيارات تمر على الشارع العام الذي يربط بين شيخ وسان بباليسان وبالشارع المبلط . وقبل ايام قامت مفرزة من انصاركم باحتلال مقر حدك في ساران وقطع الطريق للاتصال مع بشت آشان بالاضافة الى قطع الطريق مع زاركلي . لقد كانت حصيلة هذه الاعمال والمواقف ان تم تجميد نشاط المئات من انصارنا ضد النظام الفاشي بالاضافة الى ذلك فان رد الناطق الرسمي للمكتب السياسي لـ ا و ك على بيان جود لقاطع اربيل عن احداث كويه قد كشف الستار عن الكثير من النوايا ضد حزبنا ، ثم جاءت احداث شاربازير حيث تدهورت العلاقات بينكم وبين حدك وحسك مما ادى الى تجدد القتال في المنطقة واعلنت اذاعتكم حربا اعلاميا ضد الحزبين الحليفين ، ان مجرد تسلسل الاحداث والوقائع لاتزن اقوالكم من انكم توددون اقامة علاقات ودية مع حزبنا في حين انكم ادرى من غيركم عن موقف وسياسة حزبنا في تجنب اقتتال الاخوة وفي اللجوء الى الاساليب السلمية والديمقراطية لحل المشاكل والخلافات التي قد تنشا بين اطراف القوى الوطنية ، وتعلمون انتم اكثر من غيركم ، كم بذل حزبنا من جهود مع حدك وحسك وباسوك للجلوس معكم على مائدة واحدة وخلق اجواء طبيعية تمهيدا لاقامة تعاون فعال بين القوى الوطنية والقومية المعارضة والمناضلة ضد الحكم الفاشي والتي تجمع على شعار الحكم الذاتي الحقيقي لكردستان .
نحن الان ايها الرفاق كما كان شاننا نتمسك بذات السياسة المعروفة عنا في توحيد الصف الوطني ، والمطلوب منكم ان تعيدوا النظر قبل فوات الاوان في كامل مواقفكم واعمالكم التي اقدمتم عليها ضد حزبنا ورفاقنا وهذه القوة او تلك وتوجيه فوهات البنادق ضد نظام البعث الدكتاتوري ، اذ ان سياستكم الراهنة لا تحظي بالتاييد والدعم من قبل جماهير الشعب العراقي بعربه وكرده واقلياته ، ومحكوم عليها بالفشل المؤكد ، ولايزال هناك متسع من الوقت للتوجه نحو وحدة قوى المعارضة الوطنية وتشديد النضال ضد عدونا المشترك .
وختاما تقبلوا فائق تقديرنا .
قيادة قاطع اربيل لــ حشع
24 / 4 / 1983
استدعيت ما بعد الظهر من يوم 24 / 4 / 1983 من قبل مكتب قاطع اربيل لحزبنا وكلفت بتسليم تلك الرسالة الى قيادة قاطع الرابع ا و ك في قرية باليسان ، استلمت ظرفا ابيضا حجم كبير وفيه الرسالة وتوجهت الى موقع متقدم لرفاقنا ليس ببعيدا عن مقر قاطع حزبنا ونزعت سلاحي واودعته لدى رفاقي وتوجهت الى موقع متقدم لــ اوك في الجهة الثانية وبين الموقعين منطقة ممكن تسميتها ( منطقة منزوعة السلاح ) بين القاطعين حشع و اوك وجاء احد مقاتلي اوك منزوع السلاح ايضا وسلمته الرسالة وابلغته بانها الى قيادة قاطع اوك .
في اليوم الثاني استدعيت ثانية الى مكتب قاطع اربيل وبرفقة الرفيق الفقيد جواد عبد الكريم ( ابو نبأ ) وكلفنا بنصب ربيئة عسكرية على السلسلة الجبلية المشرفة على مقر قاطع اربيل لحزبنا ( المشرفة على مدرسة شيخ وسان ) لحماية المقر في حالة حدوث تطورات عسكرية معينة . جمعنا انا والرفيق ابو نبأ مجموعة من الرفاق بحدود ستة مع مستلزمات الربيئة من السلاح ( كلاشنيكوفات الرفاق مع قطعة بي كي سي بالاضافة الى دوشكة امريكية الصنع ، تطلق اطلاقة واحدة والثانية لابد من استعمال المطرقة لانتزاع المتبقي ظرف الاطلاقة الاولــــى !! والعتاد والتموين ونقلنا كل ذلك بواسطة البغال المتوفر " على شحة عددها " وصعدنا الى المكان المحدد للربيئة وبتوجيه الرفيق ابو رائد ( ملازم خضر ) المسؤول العسكري لقاطع اربيل انذاك .
قضينا ليلتنا الاولى في الربيئة مع صعوبة الحراسة بسبب قلة عددنا وضرورة يقضتنا حيث المسؤولية تحتم علينا رصد كل التحركات باتجاه مقرنا في المدرسة من كافة الجهات ، تحيط قرية شيخ وسان ومدرستها سلسلة من الجبال والتلول ومن جهة واحدة الطريق المؤدي الى قرية باليسان حيث مقر قاطع الرابع اوك .
خلال هذه الايام القلائل كانت تصلنا برقيات من الرفيق ابو رائد وتاكيده على تشديد الحراسات ورصد ومراقبة المنطقة بكل تفاصيلها والتعهد بتعزيز عددنا في الربيئة .
مساء 27 / 4 / 1983 الساعة العاشرة وصلت برقية من الرفيق ملازم خضر اكد فيها بان مجموعة من عناصر الحزب الاشتراكي الكردستاني ( حسك ) ستلتحق بنا لتعزيز الربيئة وهم عشرة مسلحين يكونون تحت امرتنا في تحركاتهم كما اكدت البرقية على عملية عسكرية ضد قوات اوك وحددت ساعة الصفر السادسة صباحا مع التأكيد على اليقظة وتشديد الحراسات ، ابلغت الرفيق ابو نبأ بالامر واتفقت معه بان لا يتم زج عناصر ( حسك ) وهي مجموعة تابعة لـ بكر توتمه واقربائه ، بل نتحمل نحن الحراسات رغم تعبنا وقلة نومنا . يذكر بان لقوات اوك ربيئة عسكرية في التلة المقابلة لربيئتنا والمطلة على مقراتهم داخل قرية باليسان تم نصبها في الاونة الاخيرة اثناء تصعيد التوتر في المنطقة عموما وكانما انهم على علم بالمخاطر المحدقة بمقراتهم داخل باليسان .
في وقت مبكر يوم 28 / 4 / 1983 حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا سمعنا انا والرفيق ابو نبأ ضجيجا وصخبا في الوادي تحت ربيئتنا عرفنا فيما بعد بانهم المجموعة العشرة من جماعة بكر توتمه التابعة لـ حسك بعد ان وصل احدهم الينا واخبرنا بوجودهم هناك ، حذرناهم من اي ضجيج والتزام الهدوء الا انهم اشعلوا النار في الوادي وتجمعوا حوله ، لم تمضي الا اكثر قليلا من ساعة على وصولهم واذ انطلقت قذيفة من B 10 باتجاه ربيئة اوك وبذلك تم خرق ساعة الصفر بدلا من ساعة السادسة صباحا انطلقت المعارك بعد ان اصابت القذيفة الربيئة وانطلقت الرصاصات من كافة الاتجاهات ولمدة اكثر من ساعة بعدها ساد الصمت في كل مكان وكانما حسمت المعارك دون مقاومة قوية من جانب قوات اوك في باليسان وحواليها ، حيث توجهت قوات جود من عدة محاور باتجاه باليسان دون مقاومة تذكر بحيث شاهدنا من ربيئتنا اثنان من قوات حدك يتجهون نحو باليسان وبنادقهم على اكتافهم وكانهم في منتزه ساحلي ، لم تمضي دقائق واذا بهم يسقطون ارضا من قناص ظهر لهم فجأة واستمرت العملية نهارا كاملا لحين حل الظلام في المنطقة . علمنا في اليوم الثاني 29 / 4 / 1983 وبعد الكشف في منطقة القنص بان المسؤول العسكري لـ اوك سيد كريم هو القناص الذي انقذ البقية المتبقية من رفاقه وتم نقل القتلى والجرحى واخلاء مقراتهم في باليسان من خلال موقعه المحصن في عملية القنص ذلك . واستمر الحال بنا في الربيئة لايام عدة وعودة المجموعة العشرة لــ حسك مع حذرنا باسناد الحراسات الليلية لهم ، كما وصلت برقية اخرى للرفيق ملازم خضر الينا بان مجموعة من مسلحي حدك متوجهة لنا مع سلاح الدوشكا وفعلا جاءت ونصبت سلاحها الفعال " دوشكا الروسية " واطلقوا عدة صليات باتجاه التجمعات التابعة لـ اوك قرب قرية شيخ وسان والقرى القريبة من باليسان ، لم تمضي على وجودهم سوى ساعات وجاء مسؤول المجموعة الينا وقال بان لديهم الاوامر من قيادتهم بالتوجه الى مكان اخر .
جاءت فاجعة الاول من ايار واعلان اذاعة اوك بالهجوم على مقرات الحزب الشيوعي العراقي في بشت آشان واشتداد المعارك هناك ومن ثم الاعلان عن احتلال جميع المقرات وسقوط رفاقنا شهداء واسرى بايدي قوات اوك الغازية .
هذه الاخبار لم تكن موضع التصديق والاعتراف من قبل رفاقنا الى حين وصول التاكيد بصحة الانباء ووقوع الرفاق كريم احمد واحمد باني خيلاني وقادر رشيد اسرى لدى اوك ومن ثم جاءت الكارثة الكبرى بتوقيع الرفيق كريم احمد على البيان المشترك بينه مع جلال الطالباني .
هل معركة باليسان هي القشة التي قضمت ظهر " بشت آشان " ؟
هل كان بالامكان تجنب مجزرة " بشت آشان " ؟
الرفيق الفقيد يوسف حنا " ابو حكمت " مسؤول قاطع اربيل انذاك ارسل برقية الى المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ليلة 27 / 4 / 1983 ( ان الاطراف الثلاثة – حدك – حسك – باسوك سيهاجمون مقر اوك هذه الليلة ، ما هو رأيكم هل نساهم،أم لا ؟
تم الاجابة على البرقية ( الامر يعود لكم ولتقديركم ) ، وان سبب تردد م س والمكتب العسكري لــ حشع هو عدم قناعة بعض الرفاق بان اوك منزلق مع السلطة !!؟؟ . * ( مذكراتي / احمد باني خيلاني – ص 368 )
بعد احتلال بشت آشات توجهت قوات اوك نحو مقراتهم في باليسان حيت سلكوا طريق ملكان والسلسلة الجبلية المطلة على قرية شيخ وسان وانطلقت في السماء الالآف من الاطلاقات لخلق حالة الخوف والرعب لقوات جود المتواجدة في وادي باليسان مما حدى بالمجموعة العشرة لجماعة حسك في محاولة ترك ربيئتنا وادعائهم باستلام اوامر من قيادتهم بالتوجه الى مكان اخر ، انبرى الرفيق ابو نبأ وانا بسحب اقسام بنادقنا صوبهم وقلنا لن تتركوا الربيئة في ظلمة الليل الا في وضح النهار ، بعد ان تأكدوا من جدية موقفنا انصاعوا لاوامرنا بعد ان ابلغوا سابقا بانهم تحت امرتنا والتصرف حيالهم كما مع رفاقنا بعدم ترك مواقعنا .
استمرينا في موقعنا الى يوم 8 – 9 / ايار بعد ان غادرونا مجموعة حسك صباح اليوم الثاني ، استلمت توجيها عبر برقية من الرفيق ملازم خضر باتلاف الربيئة وتركها مساء والتوجه نحو الشارع العام المبلط على طريق باليسان – خليفان لترك المنطقة والتحول نحو حصاروست ، فيبدو ان بقية قوات جود حسك وحدك وباسوك تركوا مواقعهم وكالعادة تركونا وحيدين في المنطقة ، لا اخفي حالة الانهيار التي دبت في صفوف انصار حزبنا ، سقوط مقرات بشت آشات على ايدي اوك اعتبر هزيمة عسكرية لمجمل قوات الانصار لحزبنا الشيوعي العراقي وتعالت الاصوات في محاسبة الرفاق القياديين في هذه الكارثة ومسبباتها .
بعد مسيرة شاقة وعبر سلسلة جبل حرير واطلاق بعض الربايا الحكومية النار علينا ، وصلنا في اليوم الثاني مناطق بارزان ومن ثم الاستقرار في منطقة حصاروست .
يبقى الغموض يكتنف هذه المجزرة غير المنسية ، رغم صدور التقييم حولها من الحزب الشيوعي العراقي لكن تبقى الشفافية في تحديد حجم مسؤولية الجهات المنفذة لها وحجم ادراك قادة الضحايا لتداعيات ووقائع الاحداث قبل وقوع مجزرة بشت آشات .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - احداث ما قبل بشتاشان
أمير أمين
(
2020 / 5 / 10 - 23:00
)
الأخ العزيز فهد محمود
في يوم 24 نيسان عام 2017 كتبت مقالاُ بعنوان ..
شهادة عن أحداث ما قبل بشتاشان عام .1983
أتمنى أن تقرأه لأني كنت في خضم الحدث ومدون لدي بدقة وصدق
تحياتي لك ودمت بألف خير
.. إسرائيل تستولي على المنطقة العازلة في الجولان وتهاجم أنظمة أ
.. الكرملين: بوتين هو من قرر منح الرئيس السوري بشار الأسد حق ال
.. سجون الأسد في سوريا.. كيف الوصول للأقبية السرية؟
.. ماذا عن عودة السوريين المقيمين في تركيا إلى ديارهم؟
.. سوريون مقيمون في لبنان يعودون لبلادهم.. ما هي المعابر المفتو