الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وليد معماري

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 6 / 17
الادب والفن


وليد معماري
قاصّ من زمانٍ قادمٍ


كثيرٌ من قصصه تبدأ بالفعل الماضي ، ... ولكنّ معظمه قادمٌ من الزّمن الجديد . كثيرٌ من قصصه تداول الناس حكاياتها ، ولكنَّ معظم الناس هم مواضيعُه الأثيرة .
وليد معماري ، رجلٌ غير مضمون ، قصّتُه لا تسلّمك نفسها من الوهلة الأولى . هكذا استقرّت أسلوبيّتُهُ في السنوات الأخيرة . لا تسلمك نفسها . لكنك تُسلِّمها نفسك بشغفٍ ودهشةٍ . هو لذلك لا تضمن أن تدخل في قصته بسرعةٍ . لابدّ لك من أن تتأمّل في جريان الزّمن عنده . ونلوّن الشخصية الواحدة . لابدّ لك أن تتناغم بشكلٍ متصاعدٍ مع مسار قصّتِهِ ، متجاوزاً أمكنةً متعدّدة ، يعرف هو كيف يشيّد ملامحها بعمقٍ ، حتى لا تفقد قصّتُه معناها . أمكنةٌ منتقاةٌ بذكاءٍ ، المكان نفسُه ، يدور وليد حوله مغيّراً كلّ مرّة من زاوية النَّظر ليُغْني – بتسكين الغين – هذا المكان ويصبح موشوراً ثريّاً ... لا يستطيع قارئه إلاّ أن يحيا مع شخصيّاته بكلّ قلقٍ وترقّبٍ وانتظار واشتياق ... شخصياته ليسوا أبطالاً من وهمٍ ، هو رجل الواقع حتّى الهذيان ، ولكنه ليس واقعيّاً إلى هذا الحدّ ، بمعنى أنه أمينٌ على القصّةِ واحتياجاتها كما هو أمين على أن يتحَّول الواقع ، كما هو ، إلى لعبةٍ فنّيةٍ ممتعة ، لعبة ليست للتّسلية ، كم هو شقيٌّ وليد ، لأنه لا يتسلَّى بالكتابة تسليةً ، فهو ليس من جيلٍ يتسلّى بالتّجريب والفوضى . وليد معماري من جيل أسَّس تجربةً قصصيّةً أصيلةً شكلَّتْ محطّةً جديرة بأن يقف عندها قطار الإبداع طويلاً . هو جيل استلم راية القصة ممّن قبله ، وحاول من بعده أن يستلمها فكان له ذلك ولو بصورةٍ أقلّ من الطّموح . أمّا الآن ، فأجيال القصَّة القصيرة ضياعٌ وعبثٌ ولهوٌ ومعارك خاسرة . لنقل : إن وليد معماري من جيلٍ ، لم تكن معركتُه الإبداعية خاسرة أبداً ، لأنه كان يعمل في ذروة الصّحوة الفنّية المفتقدة هذه الأيام ، ومن يعمل وهو صاحٍ ، يعرف أرض معركته ، وأهدافها جيّداً . وإلى كل ذلك كان جيلاً يبني أسساً ، ويطوّر تقنيّاتٍ ، ويعطي القصّة القصيرة أحد أوجهها الحقيقيّة ، لا في سورية وحدها ، بل في المكان العربي جميعه ...
أمّا وليد ، فمن خلاله نتقدّم إلى جيل حسن م يوسف ، ومحمد كامل الخطيب ومحسن يوسف وزهير جبور وإبراهيم الخليل ... وغيرهم ، نتقدّم بأنشودة حبٍّ جماعيٍّ ، فهم جميعهم مبدعٌ ممتلئ جمالاً وفرحاً بالخلق والعطاء ، مأخوذٌ بروعة التّجديد وحلاوة التَّأصيل . فمن حقهم علينا أن نرفع لهم يداً من ياسمين ، وقلباً من زرقةٍ ...
أمّا وليد معماري ، فلم أقرأ قصّة له ، إلاّ وأعادتني نهايتُها إلى بدايتها ، لأعيد القراءة من جديد . تعي قصّته جيّداً أن تغوي القارئ بعلاقة حب معها ، علاقة حب ليست سريعة ، حتى وإن كانت خاطفةً ، فهي مثل خطف البرق الذي لا ينسى المرء توهّجه ، ولا لمعانه وفرادته . والأهمّ من هذا جماله الغامض . هنا ، حتى لو اضطررنا إلى المجاز ، فجمال الغموض لم نعد نعني به البرق ، بل هو جمالٌ موجود في قصة وليد من داخلها .
ومن جماليات وليد ، أنه ، لما ذكرناه آنفاً من أمانته لفنّ القصّة ، مبدعٌ لم تغلب الأيديولوجيا ولا الفكرةُ ، قصَّتَهُ . هذه مسألة مهمّة في وليد ، الذي يلد القصّة من رحم الإبداع المحض ، غير بخيلٍ عليها : لا بالفكر ، ولا بالسياسة ، ولا بحلم الثورة ، ولا بضرورة الانحياز إلى الإنسان ... هو يقدّم لقصته كل هذا ؟ لكنه يقدّمه لها لتزداد جمالاً ، لا لتنقطع صلتُها بذاتها كما يفعل أصحاب المواضيع الإنشائية واللّغة التّقريريّة ... ووليد لا يحتاج في هذا المقام إلى شهادة ، قد يحتاج غيره من المخرّبين شهادات كثيرة منه ومن أفراد جيله .
من جماليات وليد ، هذه المزاوجة في قصّته بين منتهى الهدوء والشَّفافية ، وبين التّوتّر الّلانهائي في مسار الشخص صاحب القصّة وهواجسه وتناقضات العناصر المحيطة به . وهذا انعكاسٌ لشخص وليد نفسه ، الَّذي يشي بالهدوء ، وفي أعماقه الْتماعُ الماس الثّائر ... ومن خلال هذه المزاوجةِ نجد أنفسنا سائرين خلف حزننا على موت أشخاص قصصه بطرقٍ مختلفة ، وحزننا على مصيرٍ فاجعٍ على المستوى الإنسانيّ والوجدانيّ ، مصيرٍ يذهب أشخاصه إليه دون إرادةٍ منهم . وليد لا يختلق مصيراً أخضر في مقام السواد ، ولا يغشّ في اللّعبة ، لذلك نقول كم هو صادق ، حتى الجرح ؟ ! ...
وليد معماري يعمل بصمتٍ يوازي هدوءه ، يبتعد عن الصّخب قدر الإمكان ، فنقترب منه جميعنا ونقول له : ما زلتَ وليداً ومعماريّاً على أرض الكتابة ، تبني ما تشتهي من إبداعاتٍ تشتغل بها بهدوءٍ وحبّ ... لذلك خذ منّا وردة حبّ ، لا لشيءٍ ، لا مقابل شيء ، فقط لأنك ... وليد معماري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس