الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعومة مخلوف وبسطار الأسد

راتب شعبو

2020 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


عرض النظام السوري منذ آذار 2011 حتى اليوم، قدرة لافتة على التماسك. من المعروف أن التدخل الروسي المباشر الذي بدأ في 30 سبتمبر/أيلول 2015، جاء في لحظة وصلت معها وسائل دفاع النظام، بما في ذلك الاستعانة بايران وأتباعها، إلى حدود قصوى وبدأ معها النظام بتراجع عسكري متسارع. وقد عبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن تلك اللحظة بالقول إن النظام السوري كان على وشك السقوط قبيل التدخل الروسي. مع ذلك، حافظ النظام على آليات عمله ولم يتفكك. أي أن الضعف والتراجع العسكري للنظام لم يفعّل آليات الصراع الداخلي فيه، إلى حد تخرج فيه عن السيطرة وتهدد بتفكك النظام. ظل النظام قادراً على استيعاب الخسائر والحفاظ، وهذا هو الأهم، على الهرمية السلطوية فيه، ولاسيما في الجانب العسكري الذي ظل خاضعاً للسلطة السياسية، الشيء الذي افتقدته المعارضة العسكرية على نحو دائم، في لحظات ضعفها كما في لحظات قوتها.
كان هناك في نظام الأسد، على طول الخط، آليات حسم داخل المركز الحاكم، تمنع تفجر المركز. مبدأ هذه الآليات هو ضبط مراكز القوى تحت سيطرة مركز واحد أعلى لا يُنازع ويمتلك الذراع العسكرية والأمنية التي تمكنه من الحسم إذا تطلب الأمر. غير أن الأمر لم يتطلب ذلك إلا مرة واحدة وبحدود ضيقة في 1984 لمعالجة تمرد رفعت الأسد وجماعته. وقد سمحت هذه الآلية للنظام بتجاوز مراحل شديدة الصعوبة اعتقد كثيرون إنه يصعب تجاوزها، أهمها تداعيات سقوط شقيقه البعثي بالتدخل الأميريكي المباشر في العراق 2003، ثم تداعيات اغتيال رفيق الحريري في لبنان 2005 ووصول التحقيق الدولي في الجريمة إلى البيت الداخلي للنظام. حافظ النظام دائماً على نسقه موحداً، وبدت الانزياحات "غير المتسقة" مجرد حالات فردية تنتهي بمقتل صاحبها بتدبير ما، أو بخروجه من المشهد أو من البلد وشلل فاعليته، كل ذلك دون أن تهتز جدياً ماكينة النظام.
المرة الوحيدة التي بدا فيها أن المركز الحاكم موشك على التفجر، كانت في 1984، حين أبعد المرض المايسترو عن الجوقة، ما جعل الحلم الأكبر يستيقظ في دخيلة الشقيق رفعت الذي كان يمتلك في الواقع ما يمكنه من تحويل حلمه إلى حقيقة، لامتلاكه أهم عنصرين يخشاهما "المركز الحاكم": القدرة العسكرية، والامتداد المجتمعي سواء داخل الطائفة العلوية، أو في أوساط سنية بفعل الاستفادة المباشرة أو بفعل دغدغة المصالح الطبقية للتجار عبر سياسة الانفتاح. تجاوز النظام تلك الحلقة بشق النفس، وتخلى عن أحد أهم أركانه، واستطاع أن يعيد ترتيب علاقاته الداخلية بغياب قائد سرايا الدفاع، الذي كان قبل سنتين فقط العصا الغليظة للنظام في وجه خصومه الإسلاميين. قبل ذلك لم يكن يتصور أحد وجود نظام حافظ الأسد دون الركيزة "العضوية" التي يوفرها وجود "القائد" وسراياه. واليوم يعرض الواقع على السوريين احتمالاً راجحاً لم يكن ليذهب إليه التصور من قبل، نظام الوريث دون رامي مخلوف.
آليات الحسم التي يجيدها نظام الأسد تتفوق ليس فقط على مبدأ الطائفة، بل وعلى مبدأ العائلة أيضاً. الموضوع لا يتعلق بالولاء، فهو عملة فائضة لا يركن إليها، وهو إلى هذا قد يتسبب في غرق المركب ما لم يمرر عبر قنوات مضبوطة ومسيطر عليها. الولاء والتبجيل اللذان أظهرهما رامي لبشار في تسجيلاته، لا قيمة لهما من منظور النظام، المهم هو أن لا تتشكل لدى "الموالي" القدرة على تهديد مصالح النظام. الولاء موقف لا يركن إليه، فهو قابل للتبدل، وقد خبر النظام انشقاقات لموالين كثر كانوا شديدي الولاء، ولكن لم يكن لأحد منهم القدرة على تحدي النظام وتهديد استمراره. لم تصل الانشقاقات إلى الكتلة الصلبة للنظام، ما خلا حالة وزير الدفاع الأسبق علي حبيب الذي اكتفى بالخروج الصامت من المشهد.
الثروة الهائلة التي راكمها رامي مخلوف بوصفه الامتداد الاقتصادي للنظام في السوق، أعطته القدرة على تهديد تماسك النظام. غير أن الرجل حتى الأمس القريب كان جزءاً عضوياً من النظام بلا أي خطوط تمييز. ما الذي تغير؟ وهل لرامي مخلوف اليوم مصلحة تتعارض مع مصلحة النظام الذي أمن له كل سبل النهب الممكنة؟ وهل من انعكاسات ممكنة لهذا الصراع المستجد؟
سنوات الصراع الطويلة استهلكت الكثير من قدرات النظام الاقتصادية التي أنهكتها العقوبات وزادت في تفاقهما أزمة النظام اللبناني. حرامي سورية الذي كان وفياً للنظام في سنوات الصراع الأولى، بدأ اليوم يشعر أن النظام بات عبئاً عليه، هو الذي كان يشعر مع بدايات الثورة السورية إنه عبء على النظام، بوصفه التجسيد الأبرز للفساد. استمرار الصراع قاد إلى اهتراء نسيج العلاقة بين عائلتي القصر، كما أدى إلى اهتراء العلاقة التي كانت راسخة دائماً بين عائلتي طلاس والأسد. بدأ "خازن القصر" يتذمر جراء طلبات الدفع العالية والمتواصلة، وراح يتضح أكثر فأكثر تعارض مصلحته مع متطلبات النظام، ولذلك بدأ يخرج عن النسق. وما أظهره الملياردير المدلل من "أنانية" في خريف 2019، بامتناعه عن تسديد فاتورة الحرب الروسية التي بلغت 2 مليار دولار، واضطرار النظام إلى استخدام العنف مع مؤسساته، كان بداية طريق الشقاق الذي يبدو أن صاحب سيرياتل "الورع" اختاره وتحمل أول آثاره الداخلية حين قامت وزارة المالية بالحجز الاحتياكي على أرصدته في كانون الأول 2019.
هل يمكن أن ينعكس الصراع المستجد بين الأسد ومخلوف انقساماً في الوسط العلوي؟ الراجح أن شيئاً من هذا لن يحدث، على الأقل لن يحدث بصورة تهدد جدياً تماسك الأرضية المؤيدة للنظام. أولاً لأن رامي مخلوف لا يمتلك قوة عسكرية يمكنها تحدي النظام، ثانياً لأن العصبية العلوية للنظام، والتي هي على المستوى الشعبي الواسع، عصبية خوف أكثر مما هي عصبية امتيازات، سوف تنحاز بصورة ساحقة إلى الأسد بوصفه الطرف الأقوى. أما البسطار الأسدي فسوف ينحاز إلى الجنس الناعم الذي يسكن القصر، على حساب "النعومة" المخلوفية التي لم تعد مضمونة الولاء، وسيشهد النظام لذلك إعادة اصطفاف وترتيب مواقع شبيهة بتلك التي أقدم عليها النظام عقب ضرب مواقع رفعت الأسد في 1984.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا