الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا وفلسفة البقاء والوجود

عبد الوافي العزوزي

2020 / 5 / 10
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


نعلم جميعا أن هذا الوباء لا يستثني أحدا من من يصادف في طريقه ، ظهر في مدينة ووهان الصينية سنة 2019 . لكن سرعان ما انتشر في العالم كانتشار النار في الهشيم ، بسبب انتقاله من إنسان لأخر دون أن نراه. وهذا بطبيعة الحال يهدد حياة الإنسان ويعرضها للزوال وان استمر على حاله قد يؤدي إلى نهاية العالم بل إلى انقراض الإنسان من كوكب الأرض واستمرار الحياة للكائنات الأخرى . ماذا لو انتهى زمن الإنسان على هذا الكوكب وانقرض هل سيحدث تغيير ام تستمر الحياة للكائنات الأخرى بشكل عادي وأفضل ؟؟ وان كان للإنسان قيمة لحياته لا يريد أن ينقرض بهذه السرعة وهذه الطريقة فكيف يمكن أن نقضي على هذا الوباء ؟ وماذا لو استمر كورونا في الانتشار أكثر من المتوقع وعجز العلماء في تحديد علاج يقضي عليه ما هي إستراتيجيتنا للبقاء أحياء من كورونا جنبا لجنب ؟ هو يعيش ونحن كذالك دون أن نلتقي ودون أن نؤذي بعضنا البعض ، هذه معادلة مستحيلة لان المنطق يقول إذا لم يلتقي الإنسان مع الأخر سيضع حدا للوباء وينتهي ، إذن من الذي يقتل الأخر الوباء أم الإنسان ؟ بطبيعة الحال الإنسان في ارتباطه بالأخر هو الذي يؤدي إلى إيذائه وقتله - كورونا بريء- الإنسان هو المعتدي على الأخر بغريزة البقاء التي تحركه .
لكن إذا كانت هذه الحركة لابد منها للاستمرارية والبقاء فهذا اليوم مع الفيروس أصبحت حركة ملغومة فكل حركة تؤدي إلى تهديد وجودك ووجود الآخرين من حولك . فإذا كان الإنسان لابد أن يعتمد على الأخر لكي يستمر في البقاء فقد حان الوقت لنودع بعضنا ونستعد للموت والزوال . أما إذا كان الانسان قادر ان يعيش دون ان يعتمد على الاخرين فهنيئا له بالحياة .
فكيف يمكن للانسان ان يعيش دون اعتماده على الآخرين ؟ كيف يمكن أن تقنع الذات على ان الاخر غير موجود رغم وجوده ؟ هذا السؤال يدفعنا إلى تساؤلات أخرى من قبيل الحرية والاستقلالية ومصير العولمة والشمولية وأسئلة أخرى سياسية ربما لا مكان لها هنا لطرحها مثل الهيمنة والاستعمار والغزو الاقتصادي وما إلى ذالك من أسئلة يفرضها الأقوياء على الضعفاء . لكن إذا كانت كل دولة تحكم في مجال حدودها هل هذا ممكنا أن نزيد في تقسيم العالم إلى أن يصبح لكل إنسان مجال حدوده يحكمها ويسكنها وحده ، دون حاجته للآخرين على الأقل مدة 14 يوما المدة التي يمكن ان ينتهي فيها الخطر من العالم ؟
إذن للنجاة حل واحد وهو العزلة والعزلة وحدها تكفي للنجاة ، العزلة التامة عن البشرية . هذا الأسلوب قد يجعلك تنجو في حقيقة الأمر من الكثير من المصائب ليس جائحة كورونا وحدها ، وكثيرا من الفلاسفة برهنوا على أن الأخر جحيم وعقاب . على رأس هؤلاء نذكر سارتر بمقولته الشهيرة " الأخر هو الجحيم " قالها منذ زمن لكن اليوم نحن في حاجة لاستحضار هذه المقولة اذ حان الوقت لنرى بأعيننا انه فعلا الآخر هو الجحيم بالنسبة لنا وهو مصدر هلاكنا ، ايوجد جحيم أكثر من من ينقل لك العدوى ويتركك تصارع الموت يكفي ذاك العقاب النفسي قبل الموت هو في حد ذاته أكثر من الجحيم . الأخر يحول الذات لموضوع ينزع منه روحه ويشيؤها فالأخر بالنسبة لسارتر هو عائق إلا إن هذا العائق ضروري للوجود . في نفس السياق يقر شوبنهاور على أن " كل مآسينا تقريبا تنبع من صلاتنا بالآخرين " وعلى انه " من لا يستمتع بالعزلة لن يهوى الحرية ". وهذا ما اشرنا اليه في الأسئلة السابقة عن الاستقلالية والتبعية ، وشوبنهاور من بين طموحاته انه لو كان ملكا لكان أول قرار يصدره هو ان يتركوه وحيدا .
أما فرناندو بيسوا فقد اعتبر العيش مع الآخرين بالنسبة إليه عذاب " إن أردتم أن لا تتعذبوا اعزلوا أنفسكم أغلقوا قدر المستطاع أبواب أرواحكم عن الآخرين " .
أما فلسفة ديكارت الشكاكة تأسست على الأنا القادرة على تحقيق وعيها بذاتها اعتمادا على الذات نفسها دون الحاجة لمساعدة الآخرين له . فديكارت اثبت وجود ذاته انطلاقا من شكه في الآخرين ومن خلال العزلة عنه ورفض وجوده في تأمله المستقل .
ويذهب هيجل للدخول في صراع مع الآخرين لا لشيء إلا ليعترفوا بوجوده وهذا يثبت أن الأخر موجود من اجل الصراع فقط لا من اجل الاستمرارية والبقاء " صراع بين الرغبات " صراع قاتل ومميت من اجل نزع الاعتراف وهذا يعني الصراع من اجل البقاء . وقد أكد هيدغر على ان التباعد هو الخاصية المميزة للعلاقة بين الانا والغير ويقر على اخذ الحيطة والحذر والتباعد عن الآخرين ضروري لكي لا تسقط في قبضتهم ولكي لا يتم افراغ الذات من كينونتها .
وهنا يمكن لنا أن نستحضر حياة فيلسوف عظيم عاش حياة العزلة كنموذج واقعي يجعل من موضوعنا هذا نصيب من الواقعية بدل من الخيال ، حيث هذا النموذج يمكن أن نعتمد عليه ويصبح كل واحد منا ديوجين نفسه . هذا الفيلسوف عاش حياة الزهد والتقشف فلا يأوى الى منزل ولا يقتني شيئ عاش في برميل وجعل من الفقر فضيلة حيث كان يؤمن أن الحكمة تكمن في الاستقلالية والعزلة والابتعاد عن الآخرين . من أشهر أفعاله انه كان يحمل مصباحا في واضح النهار قيل انه يبحث به عن رجل فاضل . وهذا في حد ذاته أسلوب ينبغي أن نتبعه نحن في البحث عن دواء لهذا الداء ففي مصباح ديوجين تكمن الحكمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي