الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(لصهيونية: عنصرية مع سبق الإصرار والترصد والممارسة (1-2

إكرام يوسف

2006 / 6 / 17
القضية الفلسطينية


تعادي "الجويم" وتتحيز ليهود الغرب.. وترفض واشنطن اعتبارها عنصرية

في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي لنيل الثقة في حكومته تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بالمحافظة على إسرائيل "دولة ذات أغلبية يهودية". وقبل أيام صادقت المحكمة إسرائيلية العليا على قانون يمنع الفلسطينيين المتزوجين من عرب 48 من العيش في إسرائيل. ورفضت المحكمة طعنا قدمته منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. ووصفت المنظمات هذا القانون الذي أقره الكنيست في يوليو الماضي بأنه "تمييزي" و "عنصري" فيما نددت به بشدة منظمة العفو الدولية ولجنة الأمم المتحدة لاستئصال التمييز العنصري. وبالطبع لم نسمع صوتا معارضا يخرج من الولايات المتحدة (راعية الديمقراطية والحريات) ولا من مريديها من أصدقائنا الليبراليين العرب المبشرين بالديمقراطية الغربية، الذين يرى بعضهم أن إسرائيل تمثل واحة الديمقراطية في المنطقة.
وقبل أربعة أعوام، أظهرت الإدارة الأمريكية ـ كعادتها ـ نزوعا صهيونيا يفوق نزوع الصهاينة أنفسهم، حين استماتت في رفض إدراج قضية المساواة بين الصهيونية والعنصرية على جدول أعمال المؤتمر الدولي لمناهضة العنصرية الذي عقد في جنوب أفريقيا. ورغم أن إدراج القضية على جدول الأعمال يعني أن يتاح لكل من المؤيد والمعارض لمساواة الصهيونية بالعنصرية عرض وجهة نظره وتفنيد رؤية الآخر ، إلا أن واشنطن رفضت حتى مجرد مناقشة الأمر دون أدنى مراعاة لاعتبارات الديمقراطية التي ما تنفك تتشدق بها ليل نهار.
والمعروف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أصدرت في العاشر من نوفمبر 1975 قرارها رقم 3379 القاضي باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، وصدر القرار بأغلبية 73 صوتا مقابل 35 صوتا وامتناع 32 صوتا. وكانت الجمعية العامة قد أقرت قبل ذلك بعام عضوية منظمة التحرير الفلسطينية في الجمعية بصفة مراقب دائم ولها الحق في الاشتراك في جميع المناقشات المتعلقة بقضية الشرق الأوسط. وتلا ذلك بالطبع شن حملة صهيونية ضد مصدري القرار تتهمهم بمعاداة السامية وهي التهمة المعتادة لإرهاب كل من يتجرأ على رفع إصبع للاعتراض على جرائم الصهاينة ، ونال رذاذ الحملة كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة، وترددت اقاويل حول علاقته بالنازية في شبابه.
غير أن مياها جديدة جرت في نهر الأحداث، بعد كامب ديفيد الأولى وظهور ما سمي بمسيرة السلام وتسوية الصراع في الشرق الأوسط، فرأت إسرائيل وحلفاؤها أن من حقها أن تكافأ على مجرد تظاهرها بقبول تسوية ، وكان إلغاء قرار اعتبار الصهيونية فكرة عنصرية إحدى المكافآت التي نالها القرار الصهيوني، وشاركت للأسف بعض الدول العربية في التطوع بتقديم المكافأة قبل أن يطرح الكيان أي قرائن تدلل على قبوله بقرار سلام حقيقي. وتم بالفعل إلغاء القرار في 16 ديسمبر 1991 بموافقة111 دولة منها بالطبع عدد لا يستهان به من الدول التي سبق لها التوقيع على قرار نوفمبر 1975.

الأرجنتين مشروعهم الأول

ورغم العنصرية الفاضحة التي تنطق بها الصهيونية من حيث كونها فكرة نظرية ومن حيث ما يجري على الأرض من تجسيد تطبيقي لها، إلا أن الولايات المتحدة وقوى الغرب عموما مازالت حريصة على أن تصم آذانها وتتعامى عن حقائق صارخة، لا تترك مجالا للتمسك بمواقف وسطية ناهيك عن التأييد. فطبقا لقرار الأمم المتحدة الصادر في 30 نوفمبر 1963 الداعي إلى تصفية العنصرية بكل أشكالها باعتبار أن «كل عقيدة تنادي بالتفرقة أو التفوق العرقي هي عقيدة كاذبة وخاطئة من الناحية العملية وتستحق الإدانة من الناحية الأخلاقية وخطرة من الناحية الاجتماعية»، يظهر التماثل بين الصهيونية والعنصرية جلي لكل ذي عينين لا يغطيهما الغرض. فمن الناحية الفكرية، نشأت الصهيونية في تربة الأفكار القومية الشوفينية والعرقية العنصرية التي تفشت في أوروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وإذا كان الشعور بتفوق الرجل الأبيض الأوروبي هو الإطار الفكري الذي غلف الحركات الاستعمارية الأوروبية لمختلف دول العالم بدعوى نشر الحضارة والمدنية بين الشعوب الأخرى؛ فبالمثل لا تخلو كتابات آباء الصهيونية المؤسسين وزعمائها المعاصرين من إسباغ صفات التفوق العرقي والتمايز الذي يزعمون أنه سمة لصيقة بالشعب اليهودي، بداية من موسى هس المفكر اليهودي الألماني (1811ـ1875) ويعتبر من وجهة نظر العديد من المحللين أبو الدعوة الصهيونية الحديثة الذي كتب عن المقدرة والعبقرية الخلاقة لدى الأمة اليهودية وعن اليهود الذين هم المركز الروحي للشرق والغرب، وهرتزل الذي كان أول من وضع خطة محددة لحل مشكلة الشعب اليهودي على حساب شعب آخر من شعوب العالم وذلك من خلال المنظمة الصهيونية العالمية التي أسسها، وكما هو معروف فقد كانت خطته تشير في أول الأمر إلى توطين اليهود في الأرجنتين طمعا فيما تزخر به أرضها من ثروات طبيعية غنية، وذلك قبل أن يقتنع بفكرة استغلال الأساطير الدينية التحريفية لتكريس فكرة أن أرض فلسطين هي أرض المعاد التي وعد بها الله شعبه المختار. ورغم أن دعاة الصهيونية ومنظريها جميعهم تقريبا من الملحدين، إلا أنهم وجدوا في الأساطير المنسوبة إلى التوراة سندا فكريا يتيح لهم خداع جميع الشعوب الأوروبية المسيحية التي يعتقد الكثيرون منها بضرورة قيام دولة إسرائيل في فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان حتى يمهد الطريق لعودة المسيح إلى الأرض لتخليص العالم؛ والتي يدفعها هذا الاعتقاد إلى مساندة الدولة اليهودية ودعمها؛ وإقناع المتدينين اليهود في أنحاء العالم الذين تمثل لهم النصوص التوراتية والتلمودية العمود الفقري لكيانهم الروحي؛ الأمر الذي يدفعهم للهجرة إلى أرض المعاد وترك مواطنهم الأصلية. ومثلما أوضحت التطورات التاريخية، نجحت بالفعل هذه الخطة الخبيثة في استغلال دعاة الصهيونية ـ وهي فكرة سياسية أساساـ المشاعر الدينية للترويج للدعوة التي تقبلتها عقول في الغرب كانت مهيأة لتقبلها لأغراض سياسية واستعمارية. فالمعروف أن اليهود كانوا يسببون الكثير من المشكلات في المجتمعات التي يقيمون بها انطلاقا من إحساسهم الذي تغذيه تنشئتهم الدينية والفكرية بالتميز، والاستعلاء على الآخرين واستحلال أموالهم ومواردهم؛ فأصبحت الفرصة مواتية للتخلص منهم. كما كانت فكرة زرع كيان عنصري موال للغرب في قلب الشرق الأوسط تمثل حماية للمصالح الغربية في المنطقة في مواجهة تصاعد المد الاشتراكي بعد قيام الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي في أكتوبر 1917 وارتضى الغرب (لأغراض عدة في نفس يعقوب) أن يوطن نفسه على قبول تلك الأساطير العنصرية المؤسسة للدولة الصهيونية، بل وتعريض من يشكك فيها لسيف الإرهاب بدعوى معاداة السامية التي باتت على رأي الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي (رجاء جارودي بعد إعلانه إسلامه) أخطر من تهمة معاداة المسيح نفسه. رغم أن العديد من المفكرين والمؤرخين ومنهم يهود يشككون في حقيقة نسبة النصوص التوراتية الحالية إلى موسى عليه السلام، ومنهم على سبيل المثال الفيلسوف الهولندي المسيحي سبينوزا الذي كتب دراسة مستفيضة تفند القول بنسبة الأسفار الخمسة في العهد القديم إلى موسى مشيرا إلى أن هذه الأسفار كتبت بعد وفاة موسى بقرون وشاب صياغتها الكثير من الهوى السياسي والأيديولوجي، ومن أبرز ما قاله أن هذه الأسفار (ماعدا سفر التكوين) تتحدث عن موسى بضمير الغائب مما يعني أن المتحدث شخصا آخر غير موسى كما أن سفر الخروج يتحدث عن فترة تلت وفاة موسى ويصف سفر التثنية وفاة موسى ودفنه بما يمكن معه الجزم بأن موسى ليس هو كاتبها. كما يفند العديد من المؤرخين ومنهم يهود أيضا الادعاءات القائلة بقيام دولة «إسرائيل» التاريخية، ولعل أقربها مقالا نشره المؤرخ وعالم الآثار الإسرائيلي الشهير «زئيف هيرتسوغ» الذي أشار إلى أن «الغالبية العظمى من الباحثين العلميين في المسائل التوراتية وفي أركيولوجيا وتاريخ الشعب اليهودي، يعترفون الآن صراحة بأن الأحداث التاريخية المرتبطة بمسار اليهود مختلفة جذريا عن تلك الواردة في النصوص».

فرية النقاء الجيني

بل، وإمعانا في العنصرية ذهب بعض عتاة الصهاينة إلى محاولة تلفيق أدلة علمية مزعومة تنسب النقاء العرقي والجيني لما يسمى بالشعب اليهودي. ورغم أن الشواهد الظاهرة تبين بوضوح استحالة التماثل الجيني بين يهود أثيوبيا مثلا ويهود شمال أوروبا أو كندا الذين يختلفون بدورهم عن يهود العراق وفلسطين. ومع جميع الآراء الأقرب للمنطق التي تشير إلى أن اليهود الأوائل لو صحت قصة معيشتهم في فلسطين سيكون نسلهم ضمن أهل فلسطين الحاليين الذين اعتنقوا الإسلام أو المسيحية أو الذين بقي منهم من بقي على يهوديته. إلا أن الدعوة الصهيونية لا تستقيم إلا بادعاء نقاء عنصري وعرقي يميز يهود العالم من أقصاه إلى أقصاه ويدفعهم للهجرة والاستيطان في أرض يسكنها شعب آخر الأمر الذي يستلزم طرده أو اقتراف جرائم إبادة جماعية في حقه حتى تخلص الأرض لشعب الله المختار، الذي وعده الرب قائلا «لنسلك أعطي كل هذه الأرض من النيل إلى الفرات» وهو ما يستلزم بدوره أن يكون علم هذه الدولة على هيئة خطين أزرقين يرمزان إلى النيل والفرات وتتمدد في المساحة بينهما نجمة داوود. وتكفي نظرة سريعة على أدبيات الفكر الصهيوني لإثبات مساواته المؤكدة بالعنصرية. وألا فما هو تعريف العنصرية إذا لم يكن ينطبق على ما يقوله التلمود؟ الكتاب الذي وضعه حاخاماتهم ويحظى بقداسة تقارب قدسية التوراة رغم ما يحويه من أفكار لا يقبلها منطق ولا عقل «تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله كما أن الابن جزء من أبيه وأرواح اليهود عزيزة على الله بالمقارنة بباقي الأرواح غير اليهودية لأنها أرواح شيطانية تشبه أرواح الحيوانات». وأين هي العنصرية إذا لم تكن متجسدة في تصريح جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل قبل ثلاثة عقود «لقد وجد هذا البلد تنفيذا لوعد الرب ذاته، لذلك لا يصح أن نسأل إيضاحا عن شرعية هذا الوجود» وغيرها من الكتابات والتصريحات الكثير والكثير، الذي لا يترك مجالا أمام أشد الناس سذاجة لتصور اختلاف ما بين الفكرة الصهيونية والنزعة العنصرية البغيضة.
وللحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتين الحمراء؟ صواريخ روسيا نحو الشرق


.. شائعة تحرش تشعل أزمة بين سوريين وأتراك | #منصات




.. نتنياهو يبحث عن وهم الانتصار.. احتلال غزة هل يكون الخيار؟ |


.. نقل مستشارة بشار الأسد لونا الشبل إلى المستشفى إثر حادث سير|




.. بعد شهور طويلة من القتال.. إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي