الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أتى الزمان بنوه في شبيبته ...!

سعيد عدنان
كاتب

(Saeed Adnan)

2020 / 5 / 11
الادب والفن


هذا عنوان مقالة لأستاذنا علي جواد الطاهر ، قرأتُها في بيته ، في سنة قديمة ، مكتوبةً بخطّ يده ! كان فيها شيء من ذكرى ، وطيف من أمل خبا ! قرأتُها عنده ، ولم احتفظ بصورة منها على أمل أن ينشرها في صحيفة ، أو يضمّها إلى غيرها في كتاب ! لكنّه لم ينشرها في صحيفة ، ولم يحوها كتاب ! وكنتُ أحسبها قريبةً منّي استطيع أن أرجع إليها حين أريد . لكنّ السنين مضت ، وقد أعجلتنا عن كثير ممّا نريد ، وطوت صحائف من قبل أن تتمّ !
يرجع الطاهرُ في هذه المقالة إلى مصر ، في أُخريات سنوات الأربعين ، يوم ذهب إليها طالباً يدرس في كليّة الآداب مدّة سنتين ، أو دونهما بقليل ، تمهيداً للدراسة في باريس ؛ ذلك أنّ شهادة دار المعلمين العالية ، على رصانتها ، لمّا يُعترف بها بعد !
كان الطاهر يحبّ أعلام مصر الكبار ؛ يحبّهم في بيانهم المبين ، وفي فكرهم الناهض الجديد . وقد كانت كتب طه حسين ، وكتب سلامة موسى ، ومجلّة ( الرسالة ) ، وغيرها من جياد آثارهم تصل إلى العراق ، فيُقبل عليها الناس مشغوفين بها . ولقد كان ممّا يهوّن عليه الإبطاء عن بلوغ باريس ؛ رؤيةُ أولئك الكرام الذين أحبّ أدبهم قبل أن يراهم ! كانت المقالة ، أو ما بقي منها في الذاكرة بعد خمس وثلاثين سنة ، تريد أن تصوّر شيئاً من ذلك ، وأن ترجع ما مضت به الأيام ؛ لكنّ عنوانها قد أفصح عن الأمل إذ يخيب ، والبهجة إذ تنطفئ !
أوّل ما أعلن به الزمانُ عن هرمه ؛ أنّ طه حسين لم يعد في الجامعة ، وأنّه في عمل آخر ، وأنّ مُحبّه الفتى العراقيّ لن يسمع صوته ! وتمضي به الأيام هناك ، في كليّة الآداب من دون طه حسين حتّى يكون حفل تأبين مصطفى عبد الرازق فيرى من طه حسين ويسمع ما يسرّ ؛ ولكنّ قاعة الدرس خالية منه ؛ فكيف لا يكون الزمان هرِما ؟! أمّا أحمد أمين فكان قد تقدّمت به السن ، ووهت منه القوى ، وتعب ! وأمّا الشيخ أمين الخولي فلم يجد عنده ما يُرضيه !
لقد مضى الجيل الأوّل وكادت الجامعة تخلو منه ، ولم يستحصد الجيلُ الذي أعقبه ؛ وكأنّ فتوراً مشى في أوصال الزمان !
وإذ خاب أمله في الجامعة ومن فيها ؛ ذهب يسأل عن آخرين عسى أن يردّ الزمان عليه شيئاً ممّا فات ! ؛ سأل عن سلامة موسى ، وعن زكي مبارك ، ورغب في رؤيتهما . كانت آثار هذين الكاتبين تُقرأ في بغداد ، وفي غيرها من حواضر العراق ؛ فقد كان سلامة موسى رائدَ الفكر القائم على العلم ، والداعي إلى مزيد من حريّة العقل ، وكان زكي مبارك الكاتبَ المبين ذا الصوت الجهير الذي لا يخرج من معركة أدبيّة حتّى يلج أخرى !
غير أنّ الطاهر ، حين سأل أين يجد سلامة موسى ؟ قيل له : إنّه في ( جمعيّة الشبّان المسيحيين ) فعجب أن يكون مثلُه بفكره الحرّ في جمعيّة دينيّة ! وزاد عجبه حين وجده يوجس خيفة كلمّا مضى معه بالحديث عن أفكاره المبثوثة في كتبه ! أمّا زكي مبارك فقد كانت الفجيعة به أتمّ ! سأل عنه ، فقيل له : إنّه يجلس كلّ يوم في مكان كذا ، في شارع كذا ؛ فلمّا ذهب إليه رآه ثملاً عاكفاً على شرابه مغرقاً فيه ؛ فلم يدنُ منه ، ولم يجلس إليه ، وانقلب عائداً !
كان ذلك في أُخريات الأربعين ، قبيل ذهابه إلى باريس ؛ حتّى إذا مرّت السنون ، وطوت بأيّامها ولياليها آمالاً وخيبات ؛ انبعثت تلك الذكرى القديمة حيّة في النفس شاهدة على أن الزمان قد أرثّت حباله ، وأدركه الهرم ؛ فكتب : ( أتى الزمان ...) مستعيداً الذكرى بأجوائها وخطوطها ، وختمها بتمام بيت أبي الطيّب :
أتى الزمانَ بنوه في شبيبته ... فسرّهم وأتيناه على الهرم
وبقول أهل البلاغة عنه : أي فساءنا !
لكنّه لم ينشرها ، وأبقاها طيّ أدراجه ؛ إذ ليس في نهجه أن يقف عند الخيبة وما يُحيط بها من أسى ، وإنّما هو صاحب أمل وعمل وثقة ! وكلّما نظرتُ في سيرته وجدتُ فيها مصداق بيت أبي فرات :
وكن كعهدك سحّاراً بمعجزة ... تحوّل الصاب مسموماً إلى عسل

ومع ذلك فإنّه لم يرد لها أن تُنسى ؛ إذ صوّرت صفحة من الثقافة العربيّة في صعودها ، وفي هبوطها ...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس